جليل حيدر لمجلة الشبكة: الشعرُ خيالٌ قبل أن يكون دفق خواطر

787

#خليك_بالبيت

 كاظم غيلان /

منذ مجموعته الأولى (صفير خاص) وجليل حيدر شاعر مسكون بمعرفة الشعر واستدعاء أدواته وأخيلته من تاريخ ملتبس وجغرافية تضج بالمنافي.
مجموعته الشعرية الأخيرة (أسد بابل) القصيدة التي تبوح بكل ما فات من المحظور والمهمش أثارت ردود أفعال واعية، إذ عدّها الشاعر الكبير (أدونيس) أهم ما كتب من شعر بعد السيّاب عن الانهيار .
ربما لا يسمح لي البعض بحدود الفهم المتسطح أن أقول إن جليل حيدر شاعر خارج التحقيب بحكم ما أشبع خصوصية تجربته من وعي شعري – ذهني.
المجنون ببغداد برغم سنوات المنفى وقسوتها يجيب عبر هذا الحوار عن الكثير من هموم الشعر وانطباعات الشاعر العارف.
التباس التاريخ بالخيال
* قصائدك في “أسد بابل” و”كأن” بوح قادم من التاريخ وقائع وأماكن، وهل هي دعوة الشعر للتضمين التاريخي؟
-يختزلُ الشعرُ تاريخ الفردِ والجماعة بأثر الذكرى وأثر الماضي والتحولات في الروح، وللتاريخ دمغةٌ في الأثر الشعري.
ليس في ما أكتبُ دعوة أو ارتجاعاً بقدر ما أسميه محاكمة الأسير إزاء خصمه المجهول في السيرة التي أُجبرنا أن نحياها وهذه السيرة مفتوحةٌ على الدم والخذلان والتأفف والغدر. وفي شعري يلتبس التاريخ مع الخيال لكسر عنفوان التسلط وإعادة الماضي المريض إلى حجرة العناية المركزة.
قصيدة النثر فرنسية
•قصيدة النثر اليوم لم تعُد صادمة ومدهشة، فإلى أين تتجه؟
-قصيدة النثر، ولنعترف، هي هدية بودلير ورامبو وقبلهما صاحب “غوسبار الليل” وهي فرنسية الأصول والانتماء. ثم تكرّست عربياً مع أنسي الحاج وأدونيس والماغوط. ونقدياً تكيّفت بدراسة سوزان برنارد. أما الآن فأرى اختلاطا أو قُل نوبة من التجاوز على الوعي المعرفي فيما يكتبه الكثيرون. الشعرُ خيالٌ قبل أن يكون دفق خواطر أو استرسالاً عاطفياً. مع هذا أنا مع كل ما يُكتب في فضاء الحرية والتجريب.
وعي التاريخ
* تكادُ تختفي معرفة الشاعر بالتراث في نتاجه منذ سنوات.. هل في ذلك نفورٌ من الماضي أم تراجع في الوعي الشعري؟
– الوعي يبدأ أولاّ في معرفة الشاعر بتاريخه وماضيه، لينتقل بعد هذه المعرفة إلى وعي مدخّراته من هذا الإرث كي يستطيع نقده وغربلته. إنك لا تستطيع رفض التراث والماضي دون أن تفهمه وتفكّك جذره وتاريخيته، فالتراث الشعري غريبٌ عند الكثير من الشعراء، حتى أن من يدّعي ريادته في قصيدة النثر لا يستطيع قراءة مقطع قصير لطرفة أو أبي نواس. هذا مؤسف. من يكتب شعراً بالعربية عليه معرفة تضاريس هذه اللغة ومكوّناتها والبيئة التي أنتجت هذا التراث العظيم.
الناقد قارئ ممتاز
•النقد في راهنهِ هل تجدهُ مرافقاً للمنجزات الشعرية؟
-لا يترافقُ النقد مع الشعر كما نريد منه وظيفياً، الناقدٌ قارئ ممتاز وليس موظفاً. إنه يقترح وينظرُ ويتبصّر. يقارن ويكتشف البؤر الجمالية وإضافاتها إلى السياق الشعري في تورطاته واختراقاته للذائقة المعرفية. وليس مطلوباً من الناقد أن يكون تابعاً ولا أستاذاّ يحمل عصا التوبيخ، فهو دليل الشاعر والقارئ إلى الظاهرة أو الحالة، مفتتحاً الحقل الذي يُنبتُ فيه الشاعر أزهاره وأشواكه.
حضور المكان
•بغداد التي تسكنك في المنافي منذ عقود، كيف تعاملت معها في الشعر؟
-منذ ديواني الأول “قصائد الضد” و”صفير خاص” في بغداد، وكتبي التالية في بيروت ودمشق، حتى “أسد بابل” في السويد، كانت بغداد في الضمير وفي الحلم. أراها امرأةً جميلة فأغازلها وأداعبها. أراها طفلة فأغني لها، وأراها أماً ثكلى فأواسيها. أحفظ شوارعها ودرابينها وجسورها وسطوحها ولقالق المنائر والحمام المرفرف تحت سمائها، ومدارسها وصباياها وأطفالها.أراها في أبي نواس وحاناته وفي صالات السينما مثل ريكس وروكسي وغرناطة، وفي مكتباتها ومقاهيها. وهنا يحضر المكان في القصيدة كركيزة مهمة، تجدها في الشعر الكلاسيكي عند المتنبي” السماوة والعراق” وفي شعر أبي نواس “كرخايا وقطربل ودجلة..” وفي الشعر الحديث مع بودلير حيث تكون باريس حاضرة في كل ما كتب “سأم باريس” مثلاً. كيف لي إذن وأنا ابن هذه المدينة، أن اتجاوز عتباتها وأضرحتها وأسواقها وهي تعيش في خلاياي؟