جماليات المكان.. البيئة العراقية المعرض السنوي الثاني لجمعية التشكيليين العراقيين فرع ميسان

254

نصير الشيخ /

خمسة عشر فناناً، وسبع فنانات، عرضوا لوحاتهم الفنية في قاعة جمعية التشكيليين العراقيين في ميسان، وسط حضور مميز تفاعل مع الأعمال المعروضة، حيث الثيمة المشتركة بينهم، ألا وهي (جماليات المكان – البيئة العراقية)، متمثلة بأسواقها وأزقتها وأماكنها القديمة قيد الاندثار، حيث عين الفنان الراصدة لهذه الأماكن وزاوية التصوير وجدلية الظل والضوء، كلها شكلت فضاء العرض لهذه اللوحات، التي اتخذت من الواقعية / الواقعية التعبيرية أسلوباً لها في التنفيذ.
افتتح المعرض، الذي يستمر عشرة أيام، بحضور ممثلي جمعية التشكيليين العراقيين / المركز العام ممثلاً بالفنان (ستار لقمان) الذي تحدث لنا عن المعرض قائلاً :
المعرض المقام حالياً ذو مستوى عال جداً، والمشاركون فيه من الفنانين يمتلكون مستويات احترافية كبيرة، أفصحت عن تمرس دائم في اشتغالهم، وحقاً يندهش المشاهد أو المتلقي لرؤية هذه اللوحات، لجمالها ودقة تعبيرها، وذلك لتمكنهم من نقل الواقع مع إحساس عالٍ بشكل كبير، مع ملاحظة أود فيها أن يزور هذا المعرض محافظات أخرى، لجودة هذه الأعمال التي تستحق المشاهدة. الأعمال التي أمامنا تنوعت بين الواقعية والواقعية التعبيرية، وهي عابرة للكلاسيكية، بحيث أن العمل يؤثر مباشرة في المشاهد -أو المتلقي- لدقة التعبير واختيار المواضيع التي ساعدت –كلها- على إيصال ما يريده الفنان.
ــ لوحات الفنان (أحمد قاسم) في التقاطاته اللافتة، التي تقترب من كونها صورة فوتغرافية، لكنها تفارقها في الحركة، حركية مهارة الفنان وهو يسبغ روحاً على شخوصه (المرأة / البنت) مع مواءمة الضوء والظل الممنوحين للوحة تعبيرية فاعلة، كلها تجسدت في خطوط الملامح البشرية الناطقة، حتى والكاشفة عن بعدها الإنساني.
فيما اتخذ الفنان (حسن الياسري) من موضوعته (الرسموية) مشهداً عرضياً للحياة العراقية في عدد من لوحاته، تجسد في نساء الهور، كحضور آدمي يحيطه مناخ باثٌ لطاقة لونية يعكسها (القصب) تتمرأى على وجوه النسوة وهن يمارسن أعمالهن لإدامة حياتهن. فيما تشكل لوحة (الأولاد الصبية) بتنوع التقاطها علامة استفهام رسمت طابعها التأملي للمتلقي عبر تكنيك لوني أجاد الياسري بتعبيريته.
فيما اختط الفنان (رعد محمد خلف) زاوية أخرى عبر لوحاته الثلاث، مغايراً بعض الشيء ثيمة المعرض، مراهناً على قدرته البنائية في إنشاء لوحة معاصرة بطاقة لونية أخاذة، تبوح بمكامن أسرارها. وتمثل لوحة (المرأة ذات الضفائر) تحشيداً علاماتياً ورمزياً يشير إلى البيئة الجنوبية، مع توزيع لهذه المرموزات على سطح اللوحة، لتتشكل لوحاته كمقاطع دلالية تمنحها مدارس الحداثة سمتها الجمالية .
كما يحضر بقوة الفنان (زاهد الساعدي)، مكرساً رؤيته الفنية لواقعية عراقية ثرة، تبوح بها الأمكنة، مصدر رؤاه ومدى تعلقهِ بها، وبالتالي هي تجسيدات مكانية على سطح لوحته التصويرية بواقعية تعبيرية يتنافذ فيها الحسّي مع قدرة اللون على خلق عوالمه، مع بعث انطباع دائم لإيصال أكثر ماهو أبعد من تحولات المكان وروائحهِ، راصداً بدقة وتنفيذ عاليين حركة النسوة في الأسواق، ومديات انسكاب الضوء والظل، وانعكاس نور الشمس على جغرافيا المكان في معادلة لونية باذخة العطاء.
عالم المرأة في تنوعه حضر بقوة في لوحات الفنانين والفنانات المشاركين في هذا المعرض السنوي للجمعية. الفنان (عبد الزهرة وحيد)، في موديله الأنيق، حيث العباءة العراقية تلف قدَّ المرأة الشابة ونظرتها نحو البعيد، في تنفيذ احترافي عبر ضربات الفرشاة على الكانفاس. والفنان (فارس عباس) والتقاطته البارعة لموضوعة المرأة (بائعة الخضرة)، حيث توزيع اللون المتزامن مع حركة المرأة شكلا هنا (هارموني) لما تقوله اللوحة المعبرة عن نفسها وموضوعها من حيث التنفيذ ومن حيث مدى التلقي.
في لوحتيه الممثلتين لمقطعين من البيئة العراقية، يقدم لنا الفنان (كريم محمد) التقاطة بارعة تتسارع في حركيتها عبر (الصبية التي تدفع المردي وسط ماء الهور) وانعكاس اللون الأصفر على أجواء اللوحة، مصدره كثافة القصب، الذي شكل خلفية لمديات رؤية الفنان في تنفيذ لوحته.
(فلاح حسن) و(قتيبة حسين) يتشاركان مع الحضور في زاوية التقاطتيهما، لوحة (الرجل) للفنان فلاح حسن، المنفذة أقرب إلى الموديل وسط فضاء لوني عملت عليه فرشاة الفنان بروح تعبيرية عالية. فيما جسدت (الفتاة) في لوحة الفنان قتيبة حسين جملة مخاوف إنسانية وهي ترقب عالماً مجهولاً من خلف قضبان الشباك، حاملة وردتها، تكفل اللون الأزرق وتدرجاتهِ في بعث الإحساس بالدهشة والترقب.
سبع فنانات جددن حضورهن في هذا المعرض: (سيناء محمد) في لوحتها التي تتناول فيها الأم، في عمل كاد أن يندثر، وهو نثر الصوف من غزله عبر تنفيذ اللون وكثافته في الضوء وكثافة الظلمة لخلفية اللوحة، في حين تحضر الطفولة وبراءتها في موضوعة الفنانة (سجا حسن)، حيث الصبيّة على حافة نهرٍ في التفاتة عفوية بثوبها الوردي، تكفل توزيع اللون بتقديم لوحة باهرة.
فيما قدمت الفنانة (شيماء عبد الرزاق) لوحة مميزة تناولت صبية ثلاثة وهم يتدفأون على نار في صفيحة معدنية، وشكل اللون وتدرجاته طاقة مضافة لتعبيرية أظهرت ضدية العلاقة ما بين لون السماء القاتم وابتسامة الصبيان الثلاثة وضحكاتهم البريئة في رسم علاقة إنسانية بالغة الدلالة. الفنانة (فرح حسين) قدمت لنا مقطعاً من حياة عامة في لوحتها، حيث الرجل المسُن الذي تتحلق حوله مجموعة من القطط، مبرزة فيها الجانب الإنساني في تنفيذ لوني توزعت عليه ضربات الفرشاة بأريحية وجودة.في حين حضرت نساء الفنانة (نجاة ريحان) بكامل بهائهن عبر الطاقة اللونية في توزيع مبهر للكتل، بألوانٍ مشعة جسدتها خطوط الفنانة في رسم لوحة تحتفي بالحياة واللون مع الإشارة ضمناً إلى أن التكوينات الأنثوية التي أمامنا هي لـ (المرأة المصرية)، من حيث الملبس وغنج الرؤية .
الفنانة (إيمان النجدي) شاركت بلوحة نفذتها بتقنية لونية أعطتها شفافية عالية تناغمت مع موضوعتها، وهي (امرأة تسير على رمال البحر)، واكتفت بتصوير قدميها الحافيتين، بالدلالة إلى أن الخطوات تجهل المسير.
الفنان (جاسم محمد مجيد) كانت لوحته عن عالم الهور، بتنفيذ تدرجات لونية عالية المستوى. أما الفنان الشاب (حيدر طه ياسين)، فقد جاءت لوحته مناغمة لرسم بيئة رومانسية تكتفي بصمتها وهدوئها، بطاقة لونية تمكن الفنان من توزيع كتلها بصورة مبهرة.
وكذلك عمل الفنان (حسن رحيم) الذي كانت زاوية التقاطته للمرأة وهي تدخن (البايب)، جاء تنفيذها بمهارة ضربات الفرشاة، بما يعكس تعبيرية عالية المستوى على الوجه الآدمي .
مشهد النساء القرويات حاملات كور الحصاد للفنان (رياض كاظم) جاءت بتوزيع هارموني لكتل الأجساد مع توزيع لوني حمل تعبيرية عن أجواء المكان.
الفنانة (صبا العكيلي) أعربت عن سعادتها، بأنها المشاركة الدائمة في المعارض الفنية للجمعية عبر قولها: “المعرض السنوي لجمعية التشكيليين في ميسان اعتبره نوعياً هذا العام، من حيث عديد الأعمال المشاركة، التي حاولت وأجادت في رسم جوانب من المدينة وأماكنها، وعن مشاركتي فكانت لوحة بتنفيذ (ستل لايف) من المدرسة الحديثة، وهي منفذة بالزيت على الكانفاس”.