حدث تأريخي ارتبط بالثقافة والأدب والفن واقعة الطف رسالة إنسانية إلى العالم أجمع

650

زياد جسام/

لواقعة الطف الأثر الكبير في الفنون بصورة عامة، وبالفن التشكيلي خصوصاً، كلغة عالمية يفهمها الجميع، إذ رسم فنانون تشكيليون أعمالاً فنية كانت محاكاة لرسالة الإصلاح، وصوتاً للحق والضمير والعدالة، فالفن ليس جمالياً فقط، وإنما هو وسيلة تدوين لتكون درساً حاضراً للإنسانية في تجسيد القيم الأخلاقية والفكرية والوجدانية والجمالية..
في كل عام تقام فعاليات عديدة تنظمها مؤسسات، منها الأهلية ومنها الحكومية، مثل وزارة الثقافة، التي تقيم معرضاً سنوياً تحت عنوان (الطف)، وهذا المعرض يشارك فيه العديد من الفنانين التشكيليين. لكن السؤال: لماذا لا نجد أعمالاً يسلط عليها الضوء كالأعمال التي أنتجها الفنانون الرواد وما بعدهم، أمثال الفنان كاظم حيدر، أو الفنان ماهود أحمد، أو الفنان فيصل لعيبي، أو غيرهم؟ التي أصبحت أيقونات فنية يتداولها الإعلام بين الحين والآخر.. ترى هل ستولد أعمال فنية جديدة تليق بهذه المناسبة وتنال أهمية كالأعمال السابقة؟
تجسيد مباشر
حدثنا المدير العام لدائرة الفنون العامة في وزارة الثقافة والسياحة والآثار د. علي عويد عن أهمية هذا المعرض السنوي وتفاصيله قائلاً: “تحرص دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة على إقامة معرض الطف بشكل سنوي في شهر محرم، يقترن مع فترة عاشوراء وذكراها الأليمة، وندعو الفنانين التشكيليين في كل عام عبر إعلان ينشر على موقع الوزارة الإلكتروني لتقديم أعمال فنية عن موضوعة الطف، وتأتينا الأعمال من مختلف المحافظات ومختلف الأجيال، ويقام المعرض، ويعرض فيه العديد من لوحات واقعة الطف، بعضها يجسد المعركة وقصتها، إما تجسيداً مباشراً، أو تأثيرها بشكل غير مباشر، وعلى الرغم من أن هذا الحدث يوثق له فنياً منذ سنين، إلا أننا دائماً نفاجأ بفكرة ورؤية جديدتين لتجسيد الواقعة بشكل مختلف، إذ يتناول كل فنان هذه القصة من وجهة نظره. إن ما تقوم به دائرة الفنون ليس منّة على التشكيل العراقي، إنما هو واجب وطني تجاه هذه المناسبة الأليمة التي تهز مشاعر الناس مهما كانت انتماءاتهم ودياناتهم.”
وعن دعم الفنانين المشاركين أضاف: “نحن -كدائرة فنون- مهتمون بالتشكيل باعتباره بصمة عراقية، والمدرسة التشكيلية العراقية حاضرة دائماً في المعارض التي تقام في العراق أو خارجه، كما أن ما يقدمه الفنان التشكيلي العراقي من نجاحات دولية، من المؤكد أنها تصب في مصلحة العراق عموماً، لذلك نحاول جاهدين دعم هذه الشريحة من المبدعين عبر مناشدات السادة المسؤولين والمؤسسات بأن يجري دعم الفنانين عبر اقتناء أعمالهم ووضعها في المؤسسات والوزارات لتكون الفائدة متبادلة.”
مسؤولية إنسانية
أما الفنان التشكيلي فيصل لعيبي، بوصفه أحد الفنانين المهتمين بالمأساة الحسينية، إذ رسم عنها لوحات عديدة تحت عنوان واحد وهو (عاشوراء)، فقد تحدث عن عاشوراء الإمام الحسين وقال: “إنه حدث تأريخي ارتبط بجميع مديات الثقافة والأدب والمسرح وبقية الفنون الأخرى بشكل عام، وهو ليس حكراً على الفن التشكيلي، إذ إن أبرز ما جاءت به هذه الثورة الإنسانية المجتمعية السياسية الوجدانية، هو تفعيل المشاعر بمختلف مسمياتها، ولاسيما الإبداعية والتراجيدية منها، من خلال فتح مجالات مختلفة ورؤى وثقت هذه الواقعة في أدق تفاصيلها، وإزاء هذا المنعطف التاريخي فإننا أمام مسؤولية إنسانية وتاريخية في الحفاظ على هذا الموروث الخالد، ومن خلال مجلتكم الغراء أقترح ألا تقف هذه المناسبة عند معرض تشكيلي فقط، وإنما يراد لها أن تمتد لتكون بصيغة مهرجان سنوي كبير يشمل الفنون كافة، مثل المسرح والموسيقي والشعر وغيرها، ويحضره أناس مهمون اشتغلوا على إحياء هذه المناسبة في منجزاتهم الإبداعية، وأن تكون هناك جلسات نقاشية يمكن أن تتمخض عنها أفكار لكتب أو أعمال درامية كبيرة، وأن يقام معرض فني كبير تجمع فيه كل الأعمال الفنية المتوفرة لفنانينا الكبار، مع كتاب ضخم يضم نصوصاً فنية ورسوم إحياء المناسبة، كما أقترح أن يكون ذلك على قاعة كولبنگيان، فعند ذاك يمكن المساهمة بأعمال تليق بالمناسبة، وبالحسين نفسه، وليس بالضرورة أن ينظم هذا المعرض عن طريق الوزارة.”
توثيق المناسبة
كذلك تحدث الفنان التشكيلي نصير الكعبي عن هذه الفعالية وضرورة الارتقاء بها، إذ قال: “من منطلق أن (الأمه التي ليس لها تاريخ، ليس لها حاضر ومستقبل)، ولكون العراق مهد أولى الحضارات الإنسانية، يحق علينا أن نكون أمام تلك المسؤولية بتوثيقها بالشكل الصحيح، ويجب على الجهات المعنية أن تعي أهميه الموضوع، فالحدث الأول هو عاشوراء، والحدث الثاني ما يتكرر كل عام، وهنا يجب الانتباه إلى الحدث الثالث، الذي يتعين علينا الأخذ بالحسبان كيفية إحيائه وإدارته بالشكل الصحيح، في جملة جوانب، منها الأدبية والدينية والثقافية والفنية. على الرغم من وجود أعمال عراقية مهمه وثقتها أيادي فنانين كبار في فترات مختلفة وبقيت خالدة، ولكن لم ترتقِ لحجم الحدث الأصل.”
وعن مناسبة عاشوراء وذكراها الأليمة وتوثيقها بالفنون الأخرى غير التشكيلية، قال “أقترح على الجهات المعنية أن تستحدث هيئة مختصة تنظم وتشرف على نوعية اختيار النمط المناسب، وتشكيل لجان مشرفة على اختيار نصوص شعرية تتداخل مع اللحن ذي الهوية الحسينية، وتعطي قيماً كبيرة مائزة للحدث العاشورائي الكربلائي الحسيني، والأخذ بالحسبان الجانب الواقعي والحقيقي الذي يستند إلى مرجعيات تاريخية صحيحة في توثيق الحدث التصويري في الفن التشكيلي، بغض النظر عن مدارسه الفنية.”