
حكاية صورة
مقداد عبد الرضا
يسيران جنباً إلى جنب وبسرعة متناهية، الأول يحمل الأوراق ليسجل ما يرى من أحداث ساخنة، الثاني يطوق عنقه بكاميرا، لكنه، وربما للربكة، نسي أن يغلق العدسة. هذا المشهد أثار فضول الأول الذي سأل صاحبة المصور وهما في لجّة الحدث: لابد أنك نسيت أن تغلق العدسة، أجابه المصور: أبداً، أنا ابقيها مفتوحة كي لا تهرب مني حتى لقطة واحدة. إذاً، هي ليست ربكة إنما رصد بارع.
صحح الفعل، صحح الأمر، لكن عليك ألا تندم، الندم يطيح بإنجازك القادم. لملم الأشواك واطرحها جانباً، واذهب بعيداً متألقاً باعترافك الجميل، أجزم أنك لن تفعلها ثانية، فهذه اليد المرتجفة تنبئ بذلك. واحدة من أهم وأجمل الوثائق وجدتها في كتاب الصحفي الأستاذ محسن حسين جواد، أمد الله بعمره ومنحه العافية، (صور من الماضي البعيد). دعني أكرر بما بدأت به، صحح المسير، لكن إياك والندم، وهل تظن أن السيد أبا علاء لن يسامحك؟ لو كان كذلك لما وضع هذا الاعتراف البريء. سلاماً أيها الصغير الكبير. هذه القصاصة ومعها المبلغ وجدهما الأستاذ أبو علاء في مرآب بيته.
“حييتهن في عيدهن، من بيضهن وسودهن.” هكذا بدأ الشاعر الجواهري تحيته للمرأة العراقية، وهكذا وفي هذا المكان، وربما مع اقتراب الاحتفال بعيد المرأة فكرت أن أنوّه من الآن بذلك، أو حتى بإحياء عيد يومي لهن، تتجلى فيه روح الحب. لا شيء يعادل الحب، حينما يحل ترتبك المقاعد، أين تجلس؟ من أين يأتي كل هذا؟ منهن، من الراسيات فوق جبهة البيت، وقفاً الرجال، وهدهدة الأولاد. هن الكثير حيث يصعب العد، تاريخ ناصع (للحلوة) العراقية، ونساء الدنيا. الصورة من كتاب (أول الطريق إلى النهضة النسوية في العراق) للمحامية صبيحة الشيخ داود، التخطيط للفنان الراحل يحيى جواد.
إسبانيا في القلب، هذا ما (صاح) به الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، مستنكراً دم إسبانيا المسفوح. نيرودا يلعن الحرب في كل مكان، قصيدته باركتها بغداد، من منا لا يضع بلاده في القلب؟ يمكن أن نقول العراق في القلب، الأصابع تتراقص والأجساد تتقافز، إنهم الترابادور الجوالون الذين يحبون الحياة، يصرخون في أنغام تقترب من مقامنا البارع، تجوالهم حط في بغداد ستينيات القرن الماضي، فكانت أماسي تسر القلب، قلب العراق وإسبانيا، المعهد الثقافي الإسباني، المصور حازم باك.. أرشيفي الشخصي.
هل سبق لك أن شاهدت الفجر الباسم في هذا الفضاء البريء والعفوي؟ هل استمعت إلى اصطفاق أجنحة الطيور التي تأتي محلقة بفرح غامر ومن مسافات بعيدة، فقط من أجل ان تنام وادعة في دفء (الهور)؟ هل سمعت خوار الجاموس وهو ينزل مبكراُ إلى الماء للاستحمام، موفراً لك بياضاً ناصعا يلتذ به الفم؟ هي تقف كالطود يشاركها عمود الدخان كي يخرج الرغيف حاراً كأنفاس عذراء، هل شاهدت كل هذا؟ أنا شاهدته، ولن يغادرني، وأود التكرار: الأهوار جنة الله على الأرض، هذا ما أكده الرحالة كافن يونغ، ثيسكر، وآخرون.