دار الجواهري.. عندما يفتح الحلم أبوابه
ز ياد جسام /
افتتح قبل أيام في العاصمة بغداد متحف الشاعر العراقي الكبير الراحل محمد مهدي الجواهري، وهو بالأساس المنزل الأول الذي غادره قبل أكثر من أربعين عاماً بسبب مواقفه السياسية من السلطة الحاكمة آنذاك.
ربما هي المرة الأولى في تاريخ العراق أن تتحول دار لأحد الادباء العراقيين الى متحف وباهتمام حكومي على مستوى عال، فقد جرى افتتاح بيت الجواهري من قبل دولة رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي ومعه معالي وزير الثقافة د. حسن ناظم والسيد أمين بغداد المهندس عمار موسى كاظم وعدد من المسؤولين الحكوميين، بالإضافة الى بعض أفراد عائلة الجواهري ممثلين بالسيدة خيال الجواهري وزوجها السيد صباح المندلاوي وغيرهما.
رمزية شاعر
إلى ذلك.. أشار رئيس الوزراء إلى أن الجواهري ليس شاعر العراق فقط، انما هو شاعر العرب الأكبر. كما تحدث عن أهمية افتتاح هذا البيت لكونه يعود لأحد القامات الشعرية والصحفية التي يفخر بها العراق، مقدماً شكره لكل الجهود التي أسهمت في إعادة إعمار بيت الجواهري وإظهاره بالشكل الذي يعكس رمزية شاعر أرّخ بشعره نضال الشعبين العراقي والعربي.
وقد كتب السيد رئيس الوزراء كلمة في دفتر خاص وضع في المتحف يوثق الحضور: “خلفك أيها الجواهري الكبير نردد: سينهض من صميم اليأس جيل مريد البأس جبار عنيد”.. إرث الجواهري هو إرث العراق.” ووقع اسفل الورقة باسمه.
كما كانت هناك كلمة للسيد أمين بغداد تحدث فيها للإعلام عن الجهود الكبيرة التي بذلت من اجل إتمام هذا الصرح الثقافي المهم، وعن بعض جوانب ذلك العمل وما سبقه من خطوات ترميم وتأسيس لفكرة تحويل منزل الجواهري إلى متحف. وقال: “بعد استملاك الأمانة الدار من ورثة الشاعر الراحل قبل أعوام، شرعت أمانة بغداد بعمليات ترميم البيت وتحضيره لجعله مركزاً ثقافياً ومتحفاً أثرياً، بمساعدة عائلة الشاعر الجواهري في تزويدنا بالمقتنيات الخاصة به وتحديد تواريخها.”
صور ووثائق
وضمت الدار، فضلاً عن المتحف، غرفة جمعت فيها الأطاريح والرسائل الجامعية التي تناولت سيرة الشاعر محمد مهدي الجواهري، يضاف لها أكثر من 90 صورة جسدت حياته في حقب تاريخية مختلفة.
كما تحدث السيد صباح المندلاوي، نقيب الفنانين السابق، بالنيابة عن عائلة الجواهري عن افتتاح الدار وقال: “قبل أكثر من عشر سنوات بادرت أمانه بغداد لاستملاك دار الجواهري بعد مقترحات أثيرت في الصحافة العراقية، وبهذا الاتجاه في الأشهر الأخيرة وبتوجيهات من دوله رئيس الوزراء باشرت أمانه بغداد وبهمة عالية وعزيمه وإصرار، محاولين افتتاحه يوم ٢٧ تموز، وهو اليوم الذى يصادف الذكرى٢٥ لرحيل الجواهري، إلا أن الظروف حالت دون ذلك، فقد فوجئ الجميع في صباح ذلك اليوم بتظاهرات كبيرة تطالب بحل البرلمان، وقد شلت الحركة في بغداد، ما اضطر السادة المعنيين الى تأجيل الافتتاح لغاية يوم13 آب وهكذا تحقق هذا الحلم الجميل.”
سوف يستمتع من يزور هذا المتحف -أو الدار-، الذي تتجاوز مساحته 500 م، ويتجول في فضاءاته، بما يعيده إلى ذكريات وأحداث عاشتها البلاد على مر أكثر من ثمانية عقود كان الجواهري شاهداً عليها أدباً وسياسة وحضوراً. وقد وضع بالقرب من مكتبة الجواهري تمثال يحاكي شخصية الجواهري، بالحجم الطبيعي، يعد أيقونة للمكان ويمكن أن يوثق الزائرون صورة معه للتذكار. ويتكوّن البيت من غرف عديدة توزعت فيها مقتنيات الجواهري ومكتبته وصور من مراحل مختلفة من حياته، سواء داخل العراق أو خلال سنوات غربته في الخارج.
سيرة مختصرة
محمّد مهدي الجواهري، شاعر وأديب عراقي ولد في النجف عام 1899، واستطاع بموهبته تحقيق ريادة شعرية في الشعر الكلاسيكي، وانخرط في العمل السياسي حتى اضطر إلى الهجرة من العراق بسبب معارضته لنظام صدام حسين عام 1980.
وهو من أسرة نجفية محافظة عريقة في العلم والأدب والشعر تعرف بآل الجواهر ، نسبة إلى أحد أجداد الأسرة الذي يدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، الذي ألّف كتاباً في الفقه عنوانه “جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام.” وكان لهذه الأسرة، كما لباقي الأسر الكبيرة في النجف، مجلس عامر بالأدب والأدباء يرتاده كبار الشخصيات الأدبية والعلمية.
قرأ القرآن الكريم وهو في هذه السن المبكرة بين أقرباء والده وأصدقائه، ثم أرسله والده إلى مدرسين كبار ليعلموه القراءة والكتابة، فأخذ عن شيوخه النحو والصرف والبلاغة والفقه وما إلى ذلك مما هو معروف في مناهج الدراسة آنذاك، وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة من نهج البلاغة وقصيدة من ديوان المتنبي ليبدأ الفتى بالحفظ طوال نهاره منتظراً ساعة الامتحان بفارغ الصبر، وبعد أن ينجح في الامتحان كان يسمح له بالخروج فيحس بأنه خُلق من جديد، وفي المساء يصاحب والده إلى مجالس الكبار .
أظهر ميلاً منذ الطفولة إلى الأدب فأخذ يقرأ في كتاب (البيان والتبيين) ومقدمة ابن خلدون ودواوين الشعر، ونظم الشعر في سن مبكرة متأثراً ببيئته واستجابة لموهبة كامنة فيه.
كان قوي الذاكرة، سريع الحفظ، إذ يروى أنه في إحدى المرات وضعت أمامه ليرة ذهبية وطلب منه أن يبرهن على مقدرته في الحفظ فتكون الليرة له. فغاب الفتى ثماني ساعات وحفظ
قصيدة من (450) بيتاً واسمعها للحاضرين وقبض الليرة!
كان أبوه يريده عالماً لا شاعراً، لكن ميله للشعر غلب عليه.
وفي سنة 1917 توفي والده، وبعد أن انقضت أيام الحزن عاد الشاب إلى
دروسه وأضاف إليها دروس البيان والمنطق والفلسفة.. وقرأ كل شعر جديد سواء أكان عربياً أم مترجماً عن الغرب.