د. كاظم عبد الزهرة: التربية الفنية مهمة في تنمية قدرة الطالب على التخيل والابتكار

884

حوار أجراه: علي السومري-تصوير: بلال الحسناوي /

كاتب وباحث أكاديمي، حاصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة الجمال من جامعة بغداد، انشغل بعوالم الطفولة وثقافتها حتى أصبحت هاجسه الأول، قدم الكثير من الأفكار والمقترحات من أجل تطوير قابليات الأطفال على التعلم وتذوق الفن في المدارس العراقية، كما أشرف على مشروع إعادة رسم وتصميم كتب المناهج الدراسية في العراق.
مدير المركز العراقي لثقافة الطفل، عضو مؤسس لمؤسسة “مدارك”، عضو مؤسس لمؤسسة “اتجاهات”، عضو اللجنة الوطنية للسياسات السكانية، عضو نقابة الصحفيين، عضو نقابة الفنانين العراقيين، عضو شبكة “مبادرون” لحقوق الإنسان والديمقراطية الهولندية، عضو مجلس إدارة مؤسسة “مدارك” ومدير تحرير مجلتها، شغل منصب نائب مدير مؤسسة “اتجاهات” ومدير التحرير لجريدة “اتجاهات” الثقافية، كتب الكثير من المقالات والبحوث عن أدب وتربية الطفل، وشارك في العديد من الندوات الثقافية والمؤتمرات العلمية والورش في العراق وخارجه. إنه الدكتور كاظم عبد الزهرة، الذي أجرت “مجلة الشبكة” حواراً معه، حوار ابتدأناه بسؤال:
* لديكم تجربة مهمة في تطوير المناهج الدراسية، هل ما زلتم تواجهون العوائق في هذا المشروع؟
– انطلقت تجربة المركز العراقي لثقافة الطفل في “مؤسسة مدارك”، بالتعاون مع وزارة التربية العراقية، من خبرتنا في مجال المناهج التي ترتكز على أصل بنية الكتاب المدرسي الذي يتألف من جانبين رئيسين: أحدهما يتعلق بالشكل ويحتاج إلى توفر جوانب جمالية تتعلق بالتصميم السليم، والجانب الآخر يتعلق بالمحتوى الذي ينشق إلى فرعين يمثل الرسم فيهما فرعاً رئيساً كونه يفسر ويشرح ويعزز فهم التلميذ والطالب للمحتوى المعرفي المكتوب الذي يمثل الفرع الآخر.
ونحن خبراء في مجال الرسم والتصميم، ولدينا خبرة تصل لأكثر من عشرين سنة، فضلاً عن خبرتنا في مجال طرائق التدريس، وقد عملنا منذ عام 2008 بالشراكة مع مديرية المناهج في وزارة التربية وقمنا بتطوير 14 كتاباً للمرحلة الابتدائية، وكان من المفترض أن يكتمل مشروعنا مع الوزارة بتطوير جميع الكتب عبر إعادة تصميمها وإضافة الرسوم المفسرة والشارحة لها وتضمينها وسائل التعليم المناسبة، وفعلاً قمنا بالاتفاق المبدئي مع مديرية المناهج لإنجاز كتب العلوم وباشرنا بالعمل فعلاً، إلا أننا اختلفنا معهم لأسباب علمية تتعلق بجودة الرسوم المرفقة بالكتب، ما أدى إلى عرقلة المشروع، ناهيك عن الصعوبات الأخرى في التعامل مع الوزارة التي تكمن في أن علينا أن نبدأ من جديد كلما تبدل وزير للتربية، لأن الوزير حين يأتي تتغير السياسات الإدارية بشكل كبير ويتغير الكثير من المناصب.
•أتعني أن العائق كان إدارياً فقط، أم كانت هناك عوائق مالية أيضاً؟
-كان الجانب المالي وتوفير المخصصات اللازمة عائقاً رئيساً في تنفيذ المشاريع التي تعمل على تطوير البنى التحتية للتربية في العراق، ومنها موضوع تطوير المناهج، ومما يدعو للأسف أن المبالغ المرصودة للتربية والتعليم تمثل نسبة متدنية للغاية إذا ما قيست بالحاجات الفعلية التي ينبغي توفيرها، وأن نسبة الإنفاق الحكومي من النتاج المحلي متدنية ولا تفي بمتطلبات النهوض بواقع التعليم.
وعلى الرغم من أن خطط الحكومة وما تتبناه من ستراتيجيات ومشاريع تدعو إلى توفير تلك المخصصات والموارد المالية، إلا أننا نجد تعثراً فعلياً في تحقيق الأهداف المرجوّة بسبب ضعف تمويل قطاع التربية والتعليم، وهذه مشكلة كبيرة لابد من أن تعالجها الدولة لأن رداءة التعليم تهدد مستقبل العراق، بل إن ما حدث خلال العامين الدراسيين الماضيين من تعثر وتعطل في تعليم التلاميذ سنجد انعكاس آثاره السلبية على المجتمع والدولة العراقية بعد سنوات.
•في رأيك، كيف يمكننا استثمار تجارب الدراسة الحديثة في المدارس العالمية ونقلها إلى مدارسنا؟
-هناك معوقات كثيرة لتطبيق التجارب والطرق الحديثة، منها ما يتعلق بالبنية التحتية للتربية والتعليم في العراق، فعلى مستوى الأبنية المدرسية نعاني من نقص كبير جداً في المدارس، وقد كان من أهم أهداف الستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق (2011-2020) بناء أكثر من 18000 بناية مدرسية، لكن انتهت الستراتيجية الوطنية ولم تتمكن الحكومة من تحقيق هذا الهدف، قابل ذلك زيادة في عدد التلاميذ بسبب الزيادة السكانية ما أدى إلى تعقيد موضوع استيعاب التلاميذ والطلبة في مناخ تعليمي مناسب، فلابد أولاً من بناء المدارس الكافية ومعالجة الاكتظاظ والدوامين الثنائي والثلاثي.
كما يعاني قطاع التربية والتعليم أيضاً من تدني مستوى كفاية المعلمين والمدرسين، وهنا لابد من رفع مستوى المهارات والكفايات لديهم، فهم يشكلون ركناً أساسياً من أركان التربية والتعليم.
كما نحتاج أيضاً إلى إعادة صياغة الأهداف التربوية كي تؤدي إلى تنمية المتعلمين بشكل صحيح يواكب تطور العلوم والتقنيات، والحرص على تبني طرائق التدريس الملائمة وعدم الاعتماد فقط على أسلوب المحاضرة والتلقين.
وبالتالي فإن البيئة التدريسية لكي تكون مناسبة لتطبيق التجارب العالمية تحتاج إلى تطوير شامل، وهذا أمر لايمكن تحقيقه خلال فترة قصيرة، فهو يحتاج إلى توجيه موارد الدولة لتحقيقه.
إن واقع التعليم للأسف يعاني من مشاكل معقدة، ففي الوقت الذي تستهدف دول عربية كدولة الإمارات -على سبيل المثال- نسباً عالية لتحقيق الالتحاق برياض الأطفال تصل إلى 98 % نجد أن الحكومة العراقية تضع رقماً خجولاً لرفع تلك النسبة من 7% سنة 2011 إلى 30% سنة 2020، وحتى هذا الرقم لم تتمكن الحكومة من تحقيقه إذ بلغت النسبة عام 2019 أقل من 18%، فضلاً عن مشاكل التسرب من المدارس التي تصل إلى نسب عالية جداً، ولاسيما في الدراسة الإعدادية.
•يقال إن مناهجنا الدراسية لا توائم التطور الهائل والسريع في مختلف المجالات العلمية مقارنة بمناهج دول العالم الأول، ما تقول؟
– المناهج الدراسية في التربية تحتاج إلى تحديث متواصل على صعيد الكتب المنهجية من جهة، وعلى صعيد طرائق التدريس من جهة أخرى، وما يلحق بهما، كما أن هناك قطيعة بين المناهج المعتمدة بشكل واقعي في المدارس وبين الدراسات والأبحاث والتجارب التي يقوم بها الباحثون في الجامعات العراقية، فكل مخرجات البحث من نتائج وتوصيات لا تجد طريقها إلى وزارة التربية، فضلاً عن عدم امكانية تبنّي التوصيات التي نتجت بفعل التطور الكبير في المناهج وطرائق التدريس الذي حققه قطاع التربية والتعليم في العالم المتقدم، فالطريقة الوحيدة للتدريس في المدارس هي طريقة التلقين عبر المحاضرة التي يلقيها المعلم على الطلبة وهي طريقة قديمة، كما أن تأثيرها قد تقلص أكثر بعد أن فقدت المدارس العراقية الكثير من الوسائل التربوية ووسائل الشرح والتوضيح من أفلام وخرائط ومواد أخرى كانت متوفرة سابقاً وأصبحت نادرة في مدارسنا اليوم، بل إن المدارس اليوم تخلو من المختبرات التي تعد جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في التعليم، كما أن كتب المناهج وما تتضمنه من معارف ودروس ينبغي أن تدرج في خطة الدولة للتحول الرقمي.
•تذمر الكثير من المختصين من أن الثقافة والفنون جرى إهمالهما في المناهج الدراسية، وهو ما أثر سلباً على ذائقة الأطفال الجمالية في مدارسنا، ما السبب برأيك؟
-الاعتقاد السائد لدى عامة الناس، بل وحتى عند المسؤولين، هو أن مادة التربية الفنية هي مجرد مادة تهدف إلى تعليم الطالب الرسم، فهم لا يعرفون مقدار ما تسهم به هذه المادة من تنمية لذهن الطالب وتعمل على صقل ذائقته وتطوير مهاراته الحياتية وتوجيه مواهبه، فللتربية الفنية أثر واضح في تنمية القدرة على الابتكار ورفع قدرة الطالب على التخيل، وكلاهما جزء أساسي في قدرة الإنسان على الإبداع في العلوم والتكنلوجيا ومطلق اتجاهات الحياة، كما أن التربية الفنية تعمل على تطوير قابلية الطالب على التعامل مع الأدوات وتعزيز قدراته وخبراته ومهاراته العملية، كما في دروس الأشغال اليدوية، وكل هذه الحاجات أساسي، وإذا ما تحدثنا بشكل أكثر عمومية فإن دروس التربية الفنية، من رسم وتصميم وموسيقى وأشغال يدوية وغيرها، تشجع الطالب على التعبير بأشكال مختلفة وتسهم في بناء شخصيته، كما أن الجوانب النظرية لهذا الدرس المتعلق بتاريخ الفن والنقد والتحليل تسهم في تعزيز علاقة الطالب بالحضارة والتراث.
لهذا فإن درس التربية الفنية هو درس أساسي، فتلك المهارات تشكل الجانب العملي من الحياة الاجتماعية للإنسان مقابل المعرفة التي تمنحها له الكتب العلمية، بل إن الفن والجمال يدخل في كل ثنايا حياتنا، فهو الذي يحدد شكل البناية وشكل الشارع وشكل الشبابيك والأبواب والحدائق والملابس والأثاث، كما أن كل البيئة التي نعيش فيها بكل تفاصيلها تخضع للفن والجمال.
•هل لديكم خطط خاصة لتعويض الطلبة عما فاتهم من دروس بسبب جائحة كورونا، وهل قدمتم بعض الحلول للمؤسسات المعنية؟
-برنامجنا التعليمي الذي قدمناه إلى وزارة التربية ومجلس النواب يقدم حلولاً واقعية لمشاكل التعليم، فهو يتيح للمعلم عقد الدروس عن بعد أو بشكل حضوري مع المتعلم بشكل سلس يتجاوز كل المعوقات الفعلية التي واجهت التعليم الإلكتروني.
إذ قامت مؤسستنا بابتكار نظام لإدارة التعليم، يضم مجموعة من الحلول الفريدة للمعوقات التي واجهتها المنصات الإلكترونية التعليمية في العراق، إذ تمكنا من ابتكار حلول لتجاوز ضعف البنية التحتية للاتصالات وأثرها على انعقاد الصفوف الإلكترونية، كما قمنا بإيجاد الحلول البرمجية التي واجهت تحويل كتب المناهج إلى برامج تفاعلية، كذلك قمنا بإيجاد الحلول البرمجية لمشكلة تدريس تلاميذ الصف الأول الابتدائي، الذين وجدت وزارة التربية صعوبة كبيرة في تدريسهم عبر المنصات الإلكترونية.
كما قد قمنا فعلاً بصنع نماذج حقيقية مبرمجة على أجهزة لوحية تضمنت أنموذجاً للمرحلة الابتدائية وآخر للمرحلة الثانوية معتمدين على كتب المناهج العراقية دون أي تغيير أو تقليص أو حذف.
كذلك قمنا بدمج الوسائل التربوية ووسائل التوضيح ضمن المنهج، بالإضافة إلى تضمين عمليات التطوير والتدريب للمعلم والمتعلم، فضلاً عن ابتكار طرق للمتابعة والتقييم.
كما تضمنت برامجنا أفكاراً مبتكرة لإدارة بيانات العملية التربوية بأكملها وتحليل بياناتها على مستوى الصف والمدرسة والمديرية والوزارة، كما ضم نظامنا التعليمي أفكاراً وابتكارات أخرى كثيرة وجديدة لإدارة التعليم، وقد قمنا بتسجيل حقوق الملكية الفكرية لتلك الابتكارات بوصفها ابتكارات لم يسبقنا إليها أحد في العالم لإدارة التعليم عن بعد والتعليم الحضوري على وجه سواء.
لقد عالجنا مشاكل ومعوقات جوهرية ووضعنا الحلول التي، لو تم تطبيقها، سترفع من شأن التعليم في العراق ليكون مثالاً يحتذى به في دول العالم.
وعلى الرغم من بطء استجابة وزارة التربية لمشروعنا المبتكر، إلا أننا مازلنا نعمل على إكمال برمجة بعض الكتب الأساسية، ويعمل المبرمجون لدينا بشكل تطوعي مجاني، ولدينا طموح في إيجاد السبيل لإقناع الحكومة العراقية في تطبيق هذا المشروع الذي سيشكل طفرة نوعية في تاريخ التعليم في العراق والعالم.
•ما النصيحة التي تقدمها للطلبة في هذا الظرف الراهن؟
-أود أن انصح جميع التلاميذ والطلبة والأهالي، بأن يطالبوا بإلحاح وبشكل دائم بحقهم في التعليم الفعال، لأن توفير متطلبات التعليم الفعال هو حق من حقوقهم وواجب من واجبات الدولة مهما تعقدت الأمور وكثرت الصعوبات، فهو يشكل أولوية وضرورة قصوى تأتي بعد توفير الطعام، لذلك على الطلبة ان يكونوا حريصين على التعلم ورافضين لأي تساهل في إلغاء الدروس أو حذفها أو تقليصها أو تقليص السنة الدراسية، لأن المعلومة التي تفوتهم يصعب تعويضها وستؤثر عليهم وعلى إمكاناتهم ومهاراتهم في المستقبل، ولابد من أن يفهم أولياء الأمور أن مطالبتهم بإلغاء الامتحانات أو تسهيلها أو تقليص الدروس خطأ كبير في حق أبنائهم سينعكس سلباً في مستقبلهم ومستقبل العراق بشكل عام.