شاشة الشبكة الدرامــــــــــا العراقيــــــــــــة … غزارة الإنتاج لم تفرز الأعمال الناجعة
رضا المحمداوي/
انطلق الماراثون الدرامي العراقي هذا العام بطريقة لافتة للنظر، وانطوى الموسم الرمضاني نفسه على عناصر الدراما نفسها، مثل الإثارة والتشويق، وتجاذبت أطرافهُ جهات رسمية عدة، واختلفتْ الآراء ووجهات النظر بشأن تفسير المضامين التي يحملها، حتى أصبحت قضية الدراما قضية رأي عام.
وقد تزامنتْ هذه القضية الفنية، وتداعياتها القضائية، مع زخم كبير وغزارة واضحة في عدد الأعمال الدرامية المنجزة هذا العام، من قبل القنوات الفضائية المعروفة بإنتاجها الدرامي، ولاسيما قناة (العراقية) التي أثبتتْ حضورها الفني، من خلال إنجاز تسعة أعمال درامية جديدة، وقد وصلتْ الحصيلة النهائية للأعمال الدرامية العراقية المنجزة بمجموعها إلى 25 عملاً درامياً، الأمر الذي دفع بالدراما العراقية إلى أن تتصدر قائمة الدول الأكثر إنتاجاً، جنباً الى جنب مع الدراما المصرية والسورية.
بصمة مميزة
وبنظرة نقدية موضوعية عامة، يمكن الإشارة إلى أن حراكاً درامياً جدياً وجديداً بدأ يؤسس لمساره في الوسط الفني العراقي، مع الأخذ بنظر الاعتبار موضوع الاختلاف والتباين والتفاوت في المستوى الفني للأعمال المنتجة. وربما بتنوع هذه النتاجات الدرامية واستمرار إنتاجها، تستطيع الدراما العراقية أن تترك بصمتها المميزة وتفتح نافذة ًعلى الأسواق العربية والتسويق الخارجي، وتضع حداً أو حلاً لمشكلة التسويق المزمنة التي تعاني منها منذ سنوات طويلة، وهو الأمر الذي غيَّبها ومنعها من الحضور في الأسواق وشاشات القنوات التلفزيونية العربية.
مصطبة الاحتياط
ورغم الغزارة الإنتاجية الملحوظة التي وجدناها في هذا الموسم وتعدد القنوات المنتجة للأعمال الدرامية، إلاّ أنَّ هذا لا يمنع من تشخيص ظاهرة تبدو فيها الدراما العراقية قاصرة، ولم تبلغ سن الرشد وعمر النضوج، إذ ما زالت الاستعانة بالطاقات والقدرات والعناوين الفنية العربية في إنتاج الأعمال العراقية قائمة، وتشمل هذه الطاقات عناصر إنتاج العمل الدرامي كافة، مثل هندسة الصوت وإدارة التصوير والإضاءة والمكياج والموسيقى، وتمتد لتشمل حتى النص العراقي نفسه، الذي بات يكتبهُ الكاتب المصري واللبناني، في حين يقوم المخرج الأردني أو السوري أو المصري أو اللبناني بإخراج تلك الأعمال العراقية!! في وقت يجلس بعض المخرجين العراقيين على مصطبة الاحتياط، يعانون البطالة والعطالة الإخراجية المزمنة، وأحسبُ أن مثل التعكز الفني لا يليق بالدراما العراقية وتاريخها العريق.
الكم والنوع
ومع أننا نشهد ارتفاعاً في نسبة إنجاز الأعمال الدرامية من قبل القنوات الفضائية، وزيادة ملحوظة في أعدادها وتنوع وتعدد في الأنواع الدرامية المُنتجة، إلاّ أنَّ البحث عن الدراما المميزة، أو التي يمكن أنْ تؤسس لنمطٍ متطورٍ وناضجٍ، يبقى هو الهاجس الأكبر لدى الجمهور العام ولدى المتخصصين وأصحاب الشأن وكذلك في الصحافة الفنية.
وحتى فرضية (الكم) المتراكم الذي يقود إلى (النوع) المميز، التي روَّجَ لها البعض من العاملين في الوسط الدرامي أو بعض المتابعين والمراقبين للمشهد الدرامي العراقي، لمْ تحققْ هدفها الفني المنشود، ففي حين تتزايد أعداد الأعمال الدرامية المنجزة يبقى النوع الفني المميز محدوداً جداً.
مزاج الفيسبوك
أما عن الحديث بشأن نسبة النجاح الفني أو الجماهيري وانتشاره شعبياً، أو توفر شروط ومستلزمات الجودة الدرامية، أو الحصول على درجات النضج الفني، أو أهمية وخطورة الموضوع المطروح في النص، أو القدرة الإخراجية والإمكانيات الفنية وغيرها من المعايير والأسس، فلمْ تخضعْ لدينا لمعايير الجودة الدرامية أو مؤشرات التقييس والسيطرة الدرامية النوعية! بل أصبحت خاضعة لمزاج (الفيسبوك) والتعليقات والإعجابات الهوائية العابرة، والعلاقات والإعلانات والترويج المُمّول المدفوع الثمن مسبقاً بطرق وأساليب مختلفة، ويعتمد كذلك على اسم القناة المنتجة ونسبة مشاهدتها، وطريقة ترويجها وحضورها الجماهيري، فضلاً عن النوع الدرامي الذي سبق لها أن رسّختْهُ وتركتْهُ في ذاكرة جمهورها العام.
عوالم الجريمة
لقد حَمَلَ هذا الضخ الدرامي المكثف بين طياته خطاباً فنياً جديداً، وأشار بكل تأكيد إلى تحوِّل كبير في المزاج الدرامي العراقي في الوقت الراهن، فقد غادرتْ الدراما العراقية الأجواء والبيئة الاجتماعية القديمة التي باتتْ توصف اليوم، قياساً بالمواصفات الفنية السائدة حالياً، بأنها كانت بسيطة أو ساذجة أو حتى بريئة، حيث الموضوعات بطابعها الاجتماعي المألوف الذي عُرِفَتْ به سابقاً، وبدأتْ تنحدر تدريجياً نحو عوالم العنف والجريمة وعمليات القتل والاختطاف والتصفيات الجسدية ذات الطابع السياسي والاجتماعي، وهو الملمح الرئيس الذي يمكن تشخيصه والإشارة إليه، من خلال الأعمال الدرامية التي شاهدناها على شاشة التلفزيون منذ عام 2003.
عناصر التشويق
ومع توالي المواسم الدرامية السنوية، ازدادتْ ظاهرة العنف رسوخاً في عالم الدراما العراقية، حتى أصبح العنف موضوعاً رئيساً من الموضوعات الدرامية شبه الجاهزة، التي غالباً ما يلجأ إليها المؤلف الدرامي، سواء باختياره الشخصي أو بناءً على توصية أو استكتاب من قبل القناة الفضائية المنتجة.
وبذلك كاد (العنف) أنْ يصبح ظاهرة درامية – فنية – يلجأ إليها صانعو الدراما لدينا من المؤلفين والقنوات الفضائية المنتجة، لغرض التعبير عن رؤى وتوجهات ثقافية مهيمنة، باتت تحكم قبضتها على المجتمع وتحرّك دفة مفاصله بصورة عامة في الوقت الراهن، فضلاً عما توفره أجواء العنف والقتل والمطاردات والعصابات من عناصر الإثارة والتشويق والشد الدرامي المطلوب في مثل هذا النوع الدرامي الجديد على عالم الدراما العراقية.