شوقي عبد الأمير متوجاً بوسام الفارس الفرنسي: عبقريَّـــــة ثقافتنــــــا تُذهل العالم
آمنة عبد النبي – فرنسا/
تخيّل أنك لا يمكنك الدخول إلى قصيدته الفذَّة حافياً وعارياً عن المعرفة، أو على الأقل خبيراً بفكرة الترميز العميقة، باعتبار أن نتاجاته ممتلئة بطبقات متعددة من المرجعيات الثقافية.
لهذا فهي تحتاج قارئاً صبوراً ومتأنياً وحاذقاً بمؤونتهِ المعرفية وغربته التي كان يصهرها وحيداً وبعيداً عن السرب المتكرر، لتشكيل كينونة يواجه بها قسوة العالم وتوحشه وتحولات الذات وإرهاصاتها في الغربة مستعيناً بأدواته التي لا تزال تتنفس ميثولوجيا الأساطير السومرية وروح الهور الجميل وملوحة أهلنا بالمشاحيف.
شوقي عبد الأمير، “كشختنا” الشعريَّة والجمال الذي يطل بثياب الأدب، ولد في مدينة الناصرية جنوب العراق، تلك البقعة المملوحة التي لا تزال آثارها في أور تتنفس داخل قوافيه، اختارته وزارة الثقافة الفرنسية ليكون شخصية العام 2023 الثقافية في فرنسا على المستوى العالمي، وذلك بمنحه وسام الفارس في الفنون والآداب، وهو أول عراقي يحصل على هذا الوسام الذي يعتبر أرفع وسام ثقافي فرنسي، وقد خصّ “مجلة الشبكة” بتعبيره عن هذا التكريم:
“بلا شك، هذه الجائزة هي تأكيد عالمي على عبقرية ثقافتنا ودور الفرد في التأثير عالمياً عبر الثقافة وحسب، العراق يظل رائداً في ميادين الإبداع الثقافية منذ جلجامش”..
تذوب الأضداد بالأفكار وتتخلص من خشونتها التاريخية لدى هذا الدبلوماسي المتأنق والشاعر من طراز لغوي فخم، حروفه نابضة بروح بروميثيوس وقافياته مُعمدة بجمرته المقدسة، أصدر أكثر من عشرين ديواناً شعرياً وكتاباً في السرد والنقد، إذ صدر له بالفرنسية: “مسلّة أنائيل”، و”محاولة فاشلة للاعتداء على الصمت”، وبالإنكليزية “محاولة فاشلة للاعتداء على الموت”، ومن مؤلفاته: “في الطريق إليَّ”، و”كتاب نادو” في الشعر، و”جهة الصّمت الأكثر ضجيجاً”. يؤمن بحتميّة وقدرة التاريخ على صنع الأمكنة وملامح الأزمان، لذلك لا يقاس من وجهة نظره بعداد الزمن في «حجر ما بعد الطوفان»، أما في كتابه «الوجه الخامس لمسلّة الأنا»، فقد اختار عبد الأمير إعادة إنتاج ذاته، ساعياً إلى تأويلها وإعادة إنتاجها عبر قراءة متروِّية ومبتكرة لأساطير فرعونية قديمة تنفتح على مخيلات وحقب تاريخية مختلفة، لذلك لا غرابة لديه في أن يجتمع ديوجين الإغريقي وجيوش الإسكندر ورأس الحسين داخل بنية شعرية متماسكة، طالما تنوعت أشكالها التجريبية والتعبيرية.
عبرت تجربته أشكال الكتابة الشعرية المتعددة، فقد كتب الموزون والتفعيلة وقصيدة النثر، وأصدر فيها عناوين متعددة فاقت المجلدات الثلاثة على مدى أربعين عاماً، من عناوينه: ” أبابيل” – ” حديث نهر” – ” ديوان الاحتمالات ” – “ديوان المكان” – “خيلاء” – “مقاطع مطوقة” – ” أنا والعكس صحيح” وعناوين أخرى عديدة متنوعة في السرد والترجمة.
ترجمت مختارات من قصائده وبعض دواوينه إلى الفرنسية والإنكليزية، وحاز جائزة ماكس جاكوب للشعر المترجم في فرنسا، حيث شكل جسراً ذا اتجاهين وصلة وصل بين الثقافة الفرنسية والمشهد الثقافي العربي. كما نقل من الفرنسية ضمن سلسلة نشر التراث الثقافي العربي الإسلامي التي حملت عنوان “رقائم الهجرة” أعمال الحلاج الكاملة. كما ترجم إلى العربية بيكيت وغيوفيك وإكسيلوس، ونقل عن الفرنسية تجربة الشاعر الصيني يو جيان تحت عنوان “الطائرة المؤمنة”.
شغل مناصب دبلوماسية عديدة كان أبرزها مندوب دولة العراق الدائم لدى منظمة اليونيسكو، ومستشار ثقافي لرئيس الوزراء العراقي، وأيضاً مستشار وناشط في مجال العلاقات الدولية لمنظمة اليونسكو، ومن خبراء العلاقات الثقافية الدولية فيها. أسّس مشروع “كتاب في جريدة” الذي يعدّ أكبر مشروع ثقافي عربي تحت رعاية منظمة اليونسكو، ولا يزال إلى الآن رئيس تحريره منذ انطلاقه عام 1996.
شكلت تجربته الشعريّة علامة فارقة في خريطة الشعر العربي المعاصر تمتد على أربعة عقود ونيّف من الكتابة الشعرية والتجريب والترجمة، وتشكيل حلقات وصل بين الثقافة العربية المعاصرة والمشهد الفرنسي، رأس تحرير عدد من الصحف العربية والمجلات مثل “الصباح” و “بين نهرين”. كما عمل ضمن هيئة تحرير مجلة “مواقف” ولا يزال عضواً في هيئة تحرير مجلة “poésie” الفرنسية.