عزيز الشعباني: حين أيقنت بانتهاء الطاغية أدركت أني أستطيع الكتابة

452

مجلة الشبكة /

لم يظهر القاص والروائي عزيز الشعباني ضمن المشهد الإبداعي العراقي بعد إسقاط النظام فجأة، وإنما كان معروفاً لدى العديد من الأصدقاء بقدراته الكتابية لنصوص القصة القصيرة، فقد أصدر أربعة منها، ثم ليتحول كلياً الى كتابة الرواية القصيرة، وجد في الربواية القصيرة ذاته الإبداعية في التعبير عن ما يراه وما يختزنه من عذابات الإنسان العراقي.
يقول في بداية حديثه: “في اللحظة التي أيقنت فيها أن الطاغية انتهى، قلت في نفسي إن الوقت قد حان لتكتشف فيما إذا كنت قادراً على أن تكتب، مع ذلك لم أكتب، أخاف أن أكون حراً. لكني بعد فترة صمت كتبت، هكذا بكل بساطة، كتبت مخطوطتي (أنا والحرية ذاكرتان لمدينة واحدة)، كان فصلها الأول (مذكراتي مع صدام حسين) التي لا أرى لغاية الآن أن الوقت مناسب لنشرها. هي على العموم مذكرات ليست مباشرة، تضع يدها بأسلوب ساخر وبنوع من التخيلية والهجائية، مع مراعاة تنامي الحدث درامياً، على ممارسات النظام آنذاك، إذ تتناول -بأسلوب قصصي- تدهور وضعنا تحت الحكم الشمولي، يفهم القارئ خلالها أننا كنا إزاء دكتاتورية من نوع خاص، مثل سرطان خبيث، لا نستطيع أن نرصد هول خرابه إلا بعد فوات الأوان.”
*هل يعني ذلك أنك أنت متفائل بفضاء الحرية المتاح حالياً؟
-التفاؤل في ذلك الوقت كان شكلاً من أشكال الغباء، المتفائل في ذلك الوقت متواطئ دنيء، والديمقراطية في الوقت الحالي هي ليست نقطة وصول وإنما نقطة انطلاق، وها هي الأعوام تمضي من دون أن نلمس الأفضل، من دون أن يغيب عن وعينا الخوف، أقصد أن ملاك الخوف ما زال يرافقنا، يظهر في الفساد والبطش والجشع.
* لم تظهر لك في الزمن السابق كتابات، وإنما احتفظت بها ضمن أوراقك الخاصة ولم تظهرها في هذا الوقت.. لماذا؟
-لماذا نكتب في ذلك العهد؟ هل نستطيع أن نفعل شيئا؟ أن نحتج؟ فظائع مرعبة كانت تدور حولنا، اليوم أيضا لماذا نكتب؟ ندرك الصدمات العنيفة لحياتنا، مع ذلك نعبر عن ردود أفعالنا بشكل مؤقت، بعد أيام نعود الى روتيننا الأعمى الأبكم، هذا ما جعلني أكتب لنفسي، الى درجة أن ماتت عندي رغبة الانتشار.
* وما طموحك الآن؟
-لا أدري ما هو طموحي ككاتب، هل هو فعلا مشروع كتابي؟ لا أرى الأمور هكذا، إنها مجرد رغبة أو نزوة، كتبت لكي أتيقظ، أو أثير الأسئلة.
* أين ترى نفسك الآن: في القصة القصيرة جداً أم في الرواية القصيرة؟
-هل يحق للأم أن تميز بين أبنائها، أو الشجرة بين أغصانها، الجواب لا، لكني أشذ عن هذه القاعدة الاخلاقية دون أدنى عقدة ذنب، لأقول إن الرواية القصيرة صارت أنقى ملاعيني من أصناف الكتابة، لم تكن القصة سوى عتبة أسئلة، وما زلت كلما زاحمتني الأسئلة أطرحها بأسلوب قصصي. الرواية القصيرة أكثر إصداراتي المتحققة إصراراً على الحلم، صنف ملعون استكانت له مخيلتي. كلما تكلمت بصوت قصصي، كان يرافقه صدى صوت روائي يتردد في داخلي، فتح هذا الصنف من الكتابة مرحلة جديدة ما كانت في الحسبان.
* ما الذي أضافته لك تجربة كتابة الرواية؟
-في روايتيّ (تختبئ في عينيها الملائكة) و(طاعن في السر) تلمست نبض الكائن الحي، الجوهري منه، والعلامات التي تربطه بالمجتمع، تجولت في دواخلها بحثاً عن النقطة التي لا يعرف فيها الكائن الحي فيما إذا كان إنسانا أم جداراً. أحيانا ترتقي بنا الحياة، فنشعر برغبة الكتابة، لذلك لا تخضع مسيرتي –ككاتب- الى المنطق ولا الى زمن، لكني لا أنكر أنني حلمت يوماً ما أن أصبح كاتباً، مجرد حلم، كل ما فعلته هو أني جعلت الحلم ينضج، لم أرغب باقتطافه وهو فج، وما كنت لأكون روائياً لولا تلك الهويات الأولى، القصة القصيرة جداً مع تنبيه مهم جداً: لا أقصد أنني أصبحت روائياً حقاً، أنا رجل شرع في كتابة الرواية.
* ما الذي غرفته من الحياة اليومية لتضعه في كتاباتك؟
-الحياة اليومية تسرق -باحتراف ولؤم- وقت الكتابة، بنظرة صغيرة في عيني أي كاتب حقيقي سنكتشف حجم القلق الذي يسكنه حيال هذا الأمر، مثل من يركض ليسبق فوات الأوان، في كلتا الروايتين كنت أشعر بصدى في رأسي أو بصوت في داخلي يقول كل شيء دون إذن مني.
*كيف تقرأ المشهد الابداعي الان؟
-أنا كاتب غير واع، لكني متحمس جداً، لذلك لا أستطيع أن أقرأ المشهد قراءة نقدية ملتزمة، لكني كأي متلقٍ فرح بهذا الكم من الإصدارات، فرح ومتخوف، يؤلمني مشهد الناس وهم بلا كتب يصطحبونها، أتصفح الوجوه في الحافلات والأمكنة العامة، لا أثر للقراءة في عيونهم ، أخاف أن يأتي يوم نكتب فيه لأنفسنا، يقرأ المعنيون بالإبداع، بعضهم فقط، لكني أعيد ما قلته للتو، أنا متحمس وهذا أثمن ما أملك، أن تشغلني فكرة ما تقيلني من كبوتي وتعيدني الى اليقظة، أتحمس لأفكاري لكني لا أفهم المشهد.