عــــن الشعـــــــر والكتابـــــــة وظــــــلال الحـــــــروب مع الشــــــاعر نصيــــــــــر الشيـــــــخ

640

حوار أجرته: مروة نور/

توزعت نصوصهُ ما بين الحب في مدياتهِ، والحرب في فجائعها، في نصوصهِ سعي للإمساكِ بجمرة الشعر وتجلياتهِ، من مساقطِ ظلهِ تناثرت علينا لذائذ الورد، وعند أعالي الكلام أزهرت اللوتس فاتحة بوابات الجمال، وعند شجرٍ من محنة الوقت أخذتنا نصوصهُ إلى البراري البعيدة.. سبراً لأغوار عوالمه في الشعر والكتابة والنقد.. كان لنا هذا الحوار مع الشاعر والناقد نصير الشيخ..
* بين الشعر والإنسان، أين أنت ؟
ــ الشعر هو المسافة الوجودية التي جبلت من حزن بعيد وحلمٍ ينأى ووقائع عشتها وخيبات تتعدد، فكان الشعر ملاذاً لحقيقة جوهرية، وكان الشعر شهيقاً أتنفسهُ ضد خراب العالم.
* يسأل الشاعر الروسي (سيرجي يسنين) : ماذا يعني أن تكون شاعراً؟
ــ أن تكون شاعراً (حقيقياً) يعني أن تمسك بصولجان من لازوردٍ وجمرٍ، على حد سواء.
* في مواطن الذاكرة والتاريخ ، أيامك البائدة تلقي التحية، حدثني عن أيامك البائدة تلك؟
ــ الأيام البائدة هي الأزمنة التي مازالت تطل عليّ من نوافذ الحياة، بحلوها القليل، ومراراتها الطويلة، تلقي علي التحية، وأراودها بما واجهتني به بكل ماهو شعري وجمالي.
* نذرت عمرك بريداً لذاكرة الحرب، لم اخترت الحرب لتوثيقها؟
ـــ الحرب هي من اختارتني وقادت خطى الصبي الجميل / الناحل/ الحالم بوجوه الحبيبات وصديق الأزقة والحمَام، قادته إلى المجاهيل والثكنات والخنادق وغبار المعارك.
* يد على الخد ويد تسندها، الى أي المواجع تأخذك الصفنات؟
ــالصفنات هي مراجعة الذات، وهي فعل مستمر للذاكرة وأنت في لحظة زمن ساكن.
* هل أخذك النقد من القصيدة؟
ــ بعد كل هذا العمر مازلت صديقاً للكتاب ونديماً للحرفِ، كأنني فلاح في بستان الكتابة، أغرس هنا بذرة، وأشذب هنا غصناً، وأسقي مساحاتٍ من الشعر، والقصيدة زهرتي المدللة…
النقد بالنسبة لي هو مساحة خضراء تحلق فيها رؤاي وأفكاري.
* يقول عدنان الصائع إن “جيل الثمانينيات، جيل الحرب”، هل تظل القصيدة ثابتة بتاريخ جيلها، أم أنها تتأثر بالزمكان المتحرك؟
ــ الشعر شاهدٌ على الأحداث والوقائع، لكنه عابر لتقريرية الكتابة الصحفية، لذا فإن ما يبقى هو الدفق الشعوري للقصيدة وهي تشير إلى الحرب وتختار زمنها المتجدد لغةً ورؤى.
* هل يمكن للشعر أن يكون مهنة؟
ــ الشعر نشاط إنساني حيوي، يمد جذوره في أرضٍ بعيدة وجغرافيا عميقة، وتطاول أغصانه نجوماً ومجرات، وتلامسها برؤاها وحدوسها، لذلك على الشعر الحق أن يكون خارج (التسليع).
* الشعر، النقد، كتابة التقارير الصحفية، والنقود الفنية عن الرسم، مساحة تعتمد الكلام، لم اخترت الكلام فيها؟
ــ ربما لأني لا أجيد مهنة أخرى في حياتي، التي جاوزت الستين من العمر، وربما هي (القدحة) السرية التي ألقتها الآلهة في صدر ذلك الفتى، ولربما ما دونه من رسائل عشق في صباه، هو ما قاده إلى حقول الكتابة في فضائها الواسع.
* عانيت من الطباعة ومقص الرقيب في زمانك، واليوم تعاني من الاستسهال، فما رأيك في هذا وذاك؟
ــ يبدو أن كل زمن يخضع لسياسات تقترح آلياته، وفيما يخص الطباعة ومقارنتها بين زمنين نجد أن انعدام ستراتيجية ثقافية من شأنها الارتقاء بالنتاج الأدبي الجيد والفكر المضيء، مقارنة بكمية النتاج العابر، الذي هو من زمن التفاهة.
* الشعر في الجنوب كالقهوة، كالماء، كالشجر، دائم لا منقطع، كيف آخاك الشعر؟
ــ تماماً كان الشعر ظلاً حقيقياً يكمل وسامة الشاعر في صباه، والشعر ظلّ لدي طيراً يعانق مدياتهِ الأرحب، خارجاً عن جغرافيا المكان (الجنوب) مختاراً مداراته الرحيبة.
* الطفولة أرجوحة لا تنام ، كيف كانت أرجحتها؟
ـــ الطفولة حقاً هي ما استعيدها الآن، في نضجي، لأني حقاً لا أمسكُ بخيط دهشتها وبراءتها، إنها ملامح شاحبة بعيدة جداً عن التذكر.
* شربت من كأس الشعر لأكثر من ربع قرن، هل ارتويت، أم ما زلت عند حافات الظمأ؟
ـــ الشعر نبع متدفق رافق الإنسان منذ البعيد، وبقي أثراً مدوناً على رُقمِ الطين منذ آلاف السنين، وأنا أحد كهنة معبد الشعر، كلما أُسقى من رؤاه وحروفه أقول: إلى مزيدْ.
* برأيك ماهي المقومات التي يحتاجها المرء ليكون ناقداً؟
ـــ مواقع التواصل الاجتماعي هي وسائط حديثة لزمن العولمة، وهي سمحت تحت مظلة (الحرية الشخصية) بإتاحة الفرصة لأي بشر كان من تدوينِ ما يريد. وفيما يخص القصيدة / عالم الشعر، فحقاً هناك الكثير من الغث الذي يثلم جذوة الشعر وحافاته الملتهبة.
* باعتقادك، ماهي المقومات التي يحتاجها المرء ليكون ناقداً؟
ــ النقد هو محاولة قراءة الأثر الأدبي، مسح شامل للنص، وفق آلياتٍ يمتلكها المقتدر على هذه القراءة، أي (الناقد)، سواء أكانت عبر منهج محدد أم بصورة انطباعية للوصول الى خلاصات فنية ودلالية وجمالية، على شرط وجود حساسية شعرية لدى هذا الناقد للغور في ثنايا النص واستكشاف بؤرهِ العميقة.
* عباءة الليل أم سفور النهار.. ما يغريك َللكتابة على سفح الشعر؟
ـــ عوالم الشاعر عابرة للزمان والمكان، من هنا يأتي التجلي الشعري في قدرة التعبير،
فالليلُ عباءة من حجر للشاعر الذي ينوء بحملهِ وأحزانهِ، والنهار لابد منه لمعانقة النور الذي يمنح الشاعر حياة جديدة، والسفوح تمثل لدي مساحة خضراء ترعى فيها غزلان قصائدي.
* قبل عالم الإنترنت، المفردات وافرة، الشباك قصيدة، الليل قصيدة، النهر/ الخضرة، الوجه الحسن .. أكانت القصيدة طيعة ، أم أن النهر ضاق اليوم؟
ـــ أروع ما في الشعر تجددهُ، وقيل إن الشعر هو الذي يجدد دماء اللغة لدى الأمم والشعوب، ولكل زمن وسائطه وقاموسه اللغوي، ولابد من أبواب تفتح، شئنا أم أبينا، كي تدخل رياح الحداثة ، لذا لابد أن نشهد تحولات في قاموس الشاعر يستوعب من خلالها روح عصره ويغادر الفطرة الرومانسية في التعبير.
* الكثير من مجايليك من الشعراء وثّقوا الغربة والمنفى في الوطن وخارجه من خلال نصوصهم، هل المنفى شرط في حياة الشاعر؟ حدثني عن تجربتك الشعرية المعاشة؟
ــــ ربما الشاعر هو أكثر الأشخاص تدويناً للغربة على مر العصور والأزمنة، بسبب توقهِ الروحي لتدوين هذه اللحظات المعاشة، وتاريخ الأدب مليء بنماذج مؤثرة من هذه الحكايات والتدوينات تجربة ونصاً. والشعرالعراقي المعاصر هو عربة في هذا القطار المسافر في مسيره الاغترابي بسبب السياسات الرعناء للأنظمة أولاً، وطبيعة المجتمعات ونكوص وعيها اللذين سببا فارقاً فكرياً وثقافياً وجمالياً على أن يكون الشاعر في وطنه.
نعم لدي من الأصدقاء، أدباء وشعراء، وثقوا الغربة والمنفى، وكانت خطاي معهم فترة التسعينيات قبل أن ينسلوا تباعاً مغادرين هذه البلاد، لكني بقيت في العراق، وهذا موقف شخصي لم أندم عليه، وإذا كان الآخر قد لامس مدن الغرب وجلس في مقاهيها وعاشر نساءها، فأنا أيضاً صنعت عالمي الشعري بصحبة (المخيلة)، الصديقة الرائعة التي لم تبخل عليّ بأية صورة شعرية باذخة وجارحة ومؤثرة.