عن القراءة وتأثيرها كتــّابٌ ومثقفون: تراجعت ولا يمكننا استعادتها بعصا سحرية
استطلاع أجراه: علي السومري – تصوير:عامر الساعدي /
لا يخفى على أي متابع للشأن الثقافي، ملاحظة انحسار فعل القراءة بسبب الانتشار الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي، وهو رأي يعترض عليه عدد من المهتمين بهذا الشأن، الذين يرون بأن هذه المواقع ساهمت بجذب قراء جدد للكتاب الورقي أو الاليكتروني في العراق والعالم العربي…
وهنا لا نناقش هذه الموضوعة فحسب، بل ارتأينا المرور على قضايا أخرى، منها تقييم المثقفين لحركة بيع الكتب في بغداد والمحافظات، متسائلين عن إمكانية تسمية الجيل الجديد بجيل الكتاب، وعن دور المكتبات المنزلية في المساهمة بتنشيط فعل القراءة، وهل تحولت بعض هذه المكتبات في المنازل إلى غرض، الغاية منه الزينة أو كلمة تصميمية داخلية؟ وأيضاً ناقشنا إمكانية استعادة فعل القراءة، وما هو الدور المطلوب من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتنشيط هذا الفعل؟
أسئلة وجهت ضمن استطلاع لمجلة (الشبكة)، كمحاولة لمعرفة مستوى انتشار الكتاب والمعرفة لما لهما من أهمية في بناء المجتمع وترسيخ قيم الثقافة المساهمة باستمرار عجلة الحضارة المدنية في الوطن.
في مديح القراءة
تحدث الكاتب والأكاديمي، الدكتور علي المرهج، عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على فعل القراءة قائلاً: “بالتأكيد هناك تأثير كبير لوسائل التواصل الاجتماعي على قراءة الكتاب، وليس شرطاً أن يكون هذا التأثير سلبياً، فكلٌّ يقرأ في هذه الوسائل عما يبحث عنه”، مشيراً إلى أن من يبحث عن فكرة مفيدة، يبحث عنها في هذه الوسائل أو الكتب التي يقرؤها، ومن يبحث عن غيرها يبقى كذلك، مضيفاً: ” وإن كنت لا أنفي ما للصورة من تأثير سريع بالقياس للمكتوب”.
أما الشاعر زعيم نصار فقال: “أخيراً انتهيت من قراءة كتاب تراثي جميل جداً عنوانه (اليواقيت في بعض المواقيت – رسالة في مدح الشيء وذمه) لأبي منصور الثعالبي، لأكتشف فيه، أن كلّ شيء في الوجود يتعرض للمدح والذم، من هنا باستطاعتي ان أمدح وأذمّ مواقع التواصل الاجتماعي، لأن تأثيرها يتناقض ويتضاد ويختلف حسب التكوين الثقافي والنفسي والعملي للمستخدمين والناشطين فيها”، مبيـّناً بأن هذه المواقع أفادته كثيراً بالتعرف على الكتب الجديدة من أجل شرائها أو القراءة عنها، بينما أضرت بحسبه بآخرين لإدمانهم الفارغ من المنفعة الثقافية، ولاستخدامهم السيئ لها.
في حين تحدَّث القاص خزعل الوصال عن التأثير الايجابي لهذه المواقع ومساهمتها بانتشار القراءة بشكل أوسع، إذ قال: “التاثير واضح تماماً فقد صارت القراءة فعلاً يومياً متواصلاً لشريحة واسعة بعد أن كانت تقريبا تخص النخب الثقافية، وصار الإعلام الثقافي منتشراً ومتاحاً لطيف واسع من الناس”، وهو أمر يراه (الوصال) بأنه أمر إيجابي تماما.
وهو رأي يتطابق مع رأي الباحث علي كريم السيد، الذي أشار لدور هذه المواقع المهم بانتشار الكتاب والقراءة، مشيراً إلى أن الكثير من القراء لا سيما الشباب، انضموا لجمهور القراء نتيجة تأثرهم بما يكتبه المثقفون والقراء، وينشرونه عن الكتب والـ (ريفيوهات) عبر هذه الشبكة العنكبوتية العالمية.
غياب المثقف
وعن تقييمهم لحركة بيع الكتب في شارع المتنبي وباقي المكتبات المنتشرة في بغداد والمحافظات، تحدث الكاتب والأكاديمي علي المرهج؛ قائلاً: ” كيف أقيّم حركة البيع وهي في تراجع، ليس بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل بسبب تردي الذائقة العامة من فرط فساد السياسة وغياب دور المثقف والأكاديمي في التأثير في أوساطه”، عازياً ذلك إلى انهماك المثقف في العيش أو بسبب خوفه من النقد لمظاهر التردي وأسبابه المعروفة، مضيفاً: “الملخص بسبب كورونا، وخراب السياسة، وضعف الوضع الاقتصادي، تراجع بيع الكتاب”.
رأي (المرهج) اختلف معه رأي الشاعر زعيم نصار، الذي وصف حركة بيع الكتب في المتنبي والمكتبات الأخرى المنتشرة في البلاد بالجيدة جداً والكبيرة، وأن المبيعات ممتازة قياساً بعدد المكتبات الكثيرة، مضيفاً بأن: “انتشار باعة الكتب الالكترونيين، وخدمة توصيل الكتاب إلى البيوت، أصبحت مهنة لمن لا مهنة له، وبابا لرزق الشباب الذين لم يجدوا عملاً آخر”.
وعدّ القاص خزعل الوصال هذا السؤال بالسؤال المهم، مضيفاً: ” للوهلة الأولى يبدو أن الإنتاج يميل لجهة التأثير السلبي، أي إن حركة بيع الكتب ستشهد انحسارا بيّنا لوجود البديل المنافس، ولكن هذا لم يحدث بسبب الاطلاع الواسع للمتلقين على العدد الهائل من عناوين الكتب المعروضة في المكتبات، والحوار المستمر بين الباعة ومتبضعي هذه النتاجات الأدبية والفكرية”.
في حين أكد الباحث علي كريم السيد تأثر حركة بيع الكتب في شارع المتنبي بشكل سلبي، نتيجة عدة عوامل؛ أبرزها الأزمة الاقتصادية، وأزمة وباء كورونا، إضافة بحسبه إلى ظهور صفحات بيع الكتب عبر (الفيسبوك).
وعيٌ سياسي واجتماعي
وفي سؤالنا عن إمكانية تصنيف هذا الجيل، بجيل الكتاب؟ قال الكاتب والأكاديمي علي المرهج: “هذا الجيل يتقن الاعتراض ولا يخاف الكبار، ولا يشعر بالخشية منهم لأنَّه يعدهم من أسباب ما هو فيه من تراجع وتغييب”.
الشاعر زعيم نصار، أجاب عن هذا السؤال بقوله: “لا أعتقد أننا نستطيع أن نسمّي هذا الجيل بجيل الكتاب، فهم لا يقرؤون كثيراً، ولم يتوغلوا في أعماق الكتب، بل يكتفون بالمعلومات البسيطة عنها كالتعرف على العناوين، والتصفح السريع، بمعنى آخر الكتب كثيرة، والقراءة قليلة”، مضيفاً: “يبدو أن عصرنا، هو عصر التسلية والسرعة”.
ولم يتفق رأي (نصار) مع رأي الباحث علي كريم السيد، إذ قال الأخير عن هذا الجيل بأنه “جيل يقرأ، ويقرا العناوين الثقيلة لكبار الفلاسفة والمفكرين، وهذا ما رفع بحسبه نسبة الوعي السياسي والاجتماعي لديهم”.
هي وجهة نظر تطابقت مع وجهة نظر القاص خزعل الوصال، الذي قال: “يمكننا وصف هذا الجيل، بجيل الاطلاع الواسع على الحركة الثقافية، والكتب من ضمنها”.
رافدٌ مهم
وفي ما يخص سؤالنا عن تأثير وجود المكتبات داخل المنازل بتوجيه الشباب للقراءة، أم إنَّها – المكتبات – تحولت إلى مجرد زينة وديكور فقط!؟ أجاب الكاتب والأكاديمي علي المرهج قائلاً: “بالتأكيد أن وجود المكتبة في البيت له تأثير، لكن بمقدار وعي من يمتلك المكتبة”، مشيراً إلى أن هناك ممن لديهم مكتبات لاستكمال شكل البيت، وذلك حسب موروثه في أهمية الكتاب ووجوده في المنزل.
أما الشاعر زعيم نصار فبيـّن أن المكتبات أينما تكون فلها تأثيرها الكبير، حتى لو تحولت إلى زينة وديكور، مضيفاً: ” فإذا أنتجت المكتبة قارئاً ذكياً واحداً في شارع ما، أو محلة أو مقهى، فهذا يسهم في تنمية القراءة والكتابة”، مشيراً إلى أن القراءة تنتقل كالعدوى من خلال الصداقات والعلاقات الاجتماعية، وأنَّها فعل فردي وشخصي، وهي موهبة عميقة تكاد تنافس الكتابة وتتفوق عليها.
في حين قال القاص خزعل الوصال: “المكتبة الشخصية تبقى على الدوام رافدا مهما للزاد الثقافي، والانشغال عنها قليلا لم يشكل لحد الآن مسوغا لترك التزود منها بالمعارف والفنون”.
ويرى الباحث علي كريم السيد في معرض إجابته عن هذا السؤال، بأن كل بيت بلا مكتبة هو بيت مظلم، وأنها تنشئ في البيت أطفالاً محبين للكتب والقراءة، متفقاً مع الرأي الذي يقول إن وجود بعضها في المنازل للزينة فقط.
عملٌ مؤسساتي
أما عن إمكانية استعادة فعل القراءة، وما هو المطلوب من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لتنشيط هذا الفعل المهم؟ تحدَّث الكاتب والأكاديمي علي المرهج عن عدم قدرتنا على استعادة فعل القراءة بمسك عصا سحرية، وأن هذا الأمر يحتاج إلى عمل ثقافي مؤسساتي، يفترض أن يشعر به المسؤول عن الريادة الثقافية بضرورة استعادتها بتوفير ممكناتها، مثل المكتبات العامة ودعم الأنشطة الثقافية كعقد الندوات الثقافية والملتقيات الأدبية والشعرية.
ورمى الشاعر زعيم نصار كرة هذه المهمة في ساحة القائمين على المؤسسات الثقافية، مبيـّناً بأن على هذه المؤسسات أن تخطط لتقديم وتفعيل إستراتيجية، لدعم الكتاب وتنميته والاهتمام به، كإعادة مكتبات المدارس، والمكتبات الحكومية العامة، ومن خلال الدعم المالي لصناعة الكتاب، والدعم المعنوي لتربيته كالطفل، بإقامة النشاطات الثقافية التي تعتني بتعميق القراءة وتدريب الآخرين عليها، مضيفاً بأن “القراءة تمرين للعقل والروح والفهم العميق للحياة والعالم من حولنا”، واصفاً القراءة بـأنها “يوغا عقلية عظيمة”.
في حين قال القاص خزعل الوصال: “هناك مسؤولية جسيمة تقع على عاتق المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، لإشاعة فعل القراءة عبر وضع الوسائل المناسبة لهذا الغرض الإنساني”.
أما الباحث علي كريم السيد فأشار إلى أهمية دعم الكتاب من قبل الدولة، عبر إنشاء دور حكومية تقدّم كتباً جميلة بسعر زهيد، مثل ما يحدث في مصر، إضافة الى إقامة مسابقات وتقديم جوائز للأطفال والشباب القراء.