غداً تخرج الحرب للنزهة

1٬025

قحطان جاسم جواد /

وراء كل كتاب حكاية تحكي قصته وظروف إصداره والممانعات أو الآراء التي وقفت أمام تأخيره مثلاً. اليوم نتناول حكاية كتاب الشاعر عبدالرزاق الربيعي المقيم في سلطنة عمان (غداً تخرج الحرب للنزهة). الكتاب يحكي قصة شعب العراق بعد الاحتلال، يقول الربيعي: كنا نراقب الأخبار بقلق شديد قبل أن تبدأ الحرب على العراق، فدعتني الشاعرة السورية جاكلين سلام للمشاركة مع شعراء عرب في مشروع يظهر بشاعة الحروب، متضمناً دعوة للسلام، فكتبت نص (غدا تخرج الحرب للنزهة)، ينطوي على سخرية مريرة من الحرب، وقبل إرساله إليها عدلت، لأنني خشيت من تأخر نشره وكتبت نصاً ثانياً هو (أسئلة بيض في أزمنة ليست كذلك)، وبعثت النص الأول إلى الدكتور حاتم الصكر في صنعاء، فقرأه في مجلس د.عبدالعزيز المقالح، وكتب لي: “يبدو أن الكوارث بقدر ما تؤلم تكون مادة متميزة لقصائد رائعة، أتمنى أن تظل قدراتك عالية وقادرة على التقاط الحدث الكارثي شعرياً من زوايا مختلفة…”، أضاف الربيعي: وكان الشاعر محمد القعود من بين الحضور، فأخذ النص ونشره على الصفحة الأولى من ملحق جريدة “الثورة” اليمنية قبل يوم من بدء الحرب! فكانت صرخة احتجاج على الحرب، التي ما إن دقّت طبولها، وبدأ الهجوم، وانقطاع الاتصالات، حتى تضاعف القلق، فالحرب هي الأولى التي أتابعها من خارج العراق، فيما شهدت حربي الخليج الأولى والثانية طالباً في الجامعة، وجندياً، وأثناءهما كنا نعرف أين تسقط القذيفة، إذ كانت الهجمات تطال المدن الآمنة، أو المعسكرات،أما في هذه الحرب، فلم نكن نعلم هل سقطت على مكان عزيزعلى الذاكرة؟ أم على تجمع بشري؟ أم بيتنا؟ أم مدرستنا؟ أم …؟ أم…؟ أم…؟ ولم يكن أمامي سوى الكتابة، لأسرّب هذا القلق، فكنت أكتب بشكل يومي، وأنشر ما أكتب، وبدأت التعليقات، والرسائل تصلني من أماكن عديدة تحثّني على المواصلة. وأشار : كتب لي الشاعر فضل خلف جبر”أشعر بكمد ينغص علي كل شيء، لحد الآن لا أعرف ما هي حقيقة الأمور في الناصرية/عائلتي”، وكانت الأسئلة تتناسل، ونحن نبحر في سفينة تتجه نحو المجهول، وهذا ماعبّرعنه الصديق الشاعر عدنان الصائغ برسالة جاء فيها “هل سنفتح عيوننا على انجلاء كابوس الطغيان؟ هل نفتح عيوننا على المذبحة؟ هل نفتح عيوننا على اللاشيء؟ لم أكتب لك منذ قرن وأحس بالاختناق عندما لا أتحدث معك.. لكن ماذا أكتب؟ ماذا تفعل الكلمات – يا صديقي- أمام ما يحدث لنا ؟ لنصرخ مثلما كنا …. لنعوِ .. لنلطم”. وكتب القاص وارد بدر السالم: “الحياة هنا في حالة حرب ولا نحسدكم على حياتكم يا رزاق في الأحوال كلها”. وبعث لي المخرج الراحل كريم جثير من كندا يقول: “لا أعرف ماذا أكتب لك وأنت تعرف أي قلق وجنون يعتريني، بودي الصراخ، البكاء البصاق بوجه آلهة العصر واحتضان أرض العراق”، وبعد التاسع من نيسان 2003 كتب لي د.حاتم الصكر: “ذهب الكابوس .. ولكنه ترك بساطيل المارينز وراءه!! يا له من صباح جميل رغم أرق الحرب!” فيما كتبت الدكتورة وجدان الصائغ: “إنه ذات الطوفان الذي داهم أوروك، نحن بحاجة مرة أخرى الى نواح عشتار، وهي ترى عياناً قتلاها كما نراهم الآن عياناً.. إنهم يسحقوننا ويطيحون بذكرياتنا وبأمكنتنا بل بمرايانا التي هشمتها بساطيل كولمبس”.
جمعت الرسائل فشكّلت مادة وضعتها في استهلال الديوان واسميته “غبار الحرف والحرب” وواصلت كتابة النصوص بذات الحماس الذي بدأت به، وكان القلق، والحيرة زادي، ولفت انتباهي صورة جندي أميركي معتلياً ظهر أسد بابل، فكتبت نصاً ينضح خيبة أسميته “على ظهر أسد بابل”، وقررت تسمية الديوان بهذا الاسم، لكن اقترحت علي الدكتورة وجدان الصائغ أن يكون باسم “غداً تخرج الحرب للنزهة” فوافقت بعد استشارة الدكتور الصكر، الذي دوّن على الغلاف الأخير من الديوان الذي صدر عن مركز عبادي للدراسات والنشر 2003 م صنعاء، كلمة قال فيها: لقد جاءت دفقات الربيعي كصرخات اللبوة الجريحة في الفن الجداري الرافديني: السهام في أنحاء جسدها الجميل، وهي تصرخ بغضب، ولوعة، وحزن ..هكذا ارتدت واقعة الحرب في هذا الديوان: صراخاً، وحزناً، بلغ ذروته في رصد مفردات دالة من تقويم الحرب .