غريبة الروح في وداع الملحن الكبير محسن فرحان

229

علي السومري – تصوير: حسين طالب/

عن عمر ناهز الخامسة والسبعين، غيب الموت واحداً من أعمدة الملحنين العراقيين، الملحن الكبير محسن فرحان بعد صراع طويل مع المرض، لم يستسلم له الراحل بل واصل تحديه له حتى آخر أنفاسه، وما كم المشاريع اللحنية والمهرجانات التي كان يستعد لتلحينها وإقامتها إلا دليل حي على أن هذا الفنان الوطني، صاحب أجمل الألحان الراسخة في ذاكرة العراقيين لم يكن يعرف الاستسلام للموت والعزلة والحزن، كيف يحزن وهو صانع سعادات أصدقائه ومنبع أفراحهم.
لكن هذه هي سنّة الحياة، رحيل أخير، محمول على أكتاف محبيه في مشهد مهيب وتشييع رسمي من مقر نقابة الفنانين في بغداد حضره جمع غفير من الفنانين والمثقفين ومحبي الفنان وعائلته يتقدمهم الجوق العسكري، مشهد يليق بملحن وطني، لم ينضم لملحني الحروب زمن الديكتاتورية، بل واصل رسالته الموشومة بالحب والسلام والغرام.
ألحان خالدة
ونعت نقابة الفنانين العراقيين الملحن الراحل في بيان نشرته على حسابها الرسمي: “ببالغ الحزن والأسى، تنعى نقابة الفنانين العراقيين رحيل الفنان الكبير محسن فرحان، الذي وافته المنية هذا اليوم، سائلين المولى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يلهم ذويه ومحبيه وزملاءه الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون”، مشيرة في بيانها إلى أن الراحل كان من مواليد مدينة الكوت عام 1947، وعرف بألحانه منذ السبعينيات.. وأسس مع فنانين عراقيين آخرين جمعية الملحنين والمؤلفين العراقيين”.
كما نعى وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور حسن ناظم الراحل عبر صفحته على (الفيسبوك): “رحمك الله فناننا الكبير الملحن الفذّ الأستاذ محسن فرحان، يرحل هذه الساعة وتبقى ألحانُهُ خالدة في ذاكرة العراق”. كذلك نعت لجنة الثقافة والسياحة في مجلس النواب الملحن محسن فرحان في تغريدة عبر موقعها الرسمي جاء فيها: “لجنة الثقافة والسياحة تعزي أبناء الشعب العراقي ونقابة الفنانين برحيل الملحن الكبير محسن فرحان في أحد مستشفيات بغداد بعد تدهور حالته الصحية”، معربةً عن أسفها لفقدان شخصية فنية أثرت المكتبة الغنائية بأعذب الألحان منذ سبعينيات القرن الماضي.
أغاني الراحل
لم يتوقف نعي الفنان الكبير محسن فرحان منذ خبر وفاته وحتى لحظة كتابة هذه المادة، إذ انتشرت صوره وألحانه الخالدة في مواقع التواصل الاجتماعي، مع (هاشتاكات) تضمنت أشهر أغانيه تلك التي أصبحت جزءاً من ذاكرتنا العراقية.
وكيف لا تكون مثل هذه الأغاني التي تعد أناشيد وطنية في اللحنية العراقية لما تحمله من هوية عراقية أصيلة، أغان مثل (غريبة الروح)، و(يا فيض)، و(مابيه أعوفن هلي)، و(يكولون غني بفرح)، و(عيني عيني)، و(البارحة) وغيرها من روائع الأغاني العراقية.
خسارة لا تعوض
مجلة (الشبكة) التي حضرت مراسم تشييع الفنان الراحل ومجلس عزائه الذي استمر ليومين في جامع الخضيري في العرصات ببغداد، التقت عدداً من الفنانين للحديث عن هذه الخسارة الكبيرة، إذ قال الدكتور جبار جودي، نقيب الفنانين العراقيين، في حديثه عن هذا الرحيل المفجع: “خسارتنا كبيرة، لا يمكن أن تعوض، لقد واكبته منذ رقوده في المستشفى، هو أحد الكبار وخسارتنا تكمن بأننا فقدنا برحيله أهم ذاكرة للأغنية العراقية، لقد كان يعرف كل شيء عن أغانينا، من مطربين وملحنين، ويعرف أجوبة كل الأسئلة المختصة بهذا المجال، رحيله غصة ستسمر طويلا.” وشكر الدكتور جودي في حديثه، وزارة الصحة لما قدمته للفنان أثناء انتكاسته الصحية، كما شكر وزارة الدفاع وقيادة عمليات بغداد والمراسم الخاصة الرئاسية لما قدموه أثناء التشييع الرسمي للراحل، طالباً في ختام حديثه ضرورة الحفاظ على منجز الراحل محسن فرحان وباقي المبدعين العراقيين من الضياع.
هوية عراقية
أما الموسيقي والملحن سامي نسيم فقال: “يكاد يكون محسن فرحان الأقرب إلى الهوية العراقية، حيث لم تتأثر موسيقاه بالمحيطين العربي والإقليمي، وآثر التمسك بهويته المحلية، وأصبح بهذا بمصاف مجايليه الكبار أمثال طالب القره غولي، ومحمد جواد أموري، ومحمد عبد المحسن، الذين تأثروا بالمدرسة المصرية، وهذه تحسب له”، ووصف نسيم الراحل بأنه مجدد الأغنية العراقيـــــة السبعينيــــة، بمقدمات موسيقية كبيرة إضافة لدعمه أصوات مهمة مثل قحطان العطار وسعدون جابر وغيرهم الكثير.
سهل ممتنع
في حين قال الملحن والموسيقي محمد هادي عن الراحل: “محسن فرحان هو الأب الروحي للأغنية العراقية، وهو فنان جمع ما بين العلمية والروحية، هو الملحن السهل الممتنع، حين تسمع ألحانه تشعر بأنها سهلة السمع، ولكنها صعبة الغناء وهي ميزة جميع أغانيه عند التحويلات النغمية والإيقاعية” موضحاً في حديثه بأن الراحل محسن فرحان كان فناناً غزيراً في إنتاجه لكنه مظلوم إعلامياً.
وبرحيل الملحن الكبير انتهت مسيرة طويلة من الإبداع، أثمرت خلالها عشرات الأغاني الخالدة، والتي ستستمر كلما استمعنا إليها بتذكيرنا بمبدعها الكبير محسن فرحان، الفنان الذي أحب الحياة وقدرها عبر مشواره الفني الطويل، وكره الحرب تلك التي لم يلحن لها لحناً واحداً.