غلطة العراقي شظايا حـرب.. صورة منفـى

32

كاظم غيلان/
“يا جيلي، انظروا إلى سنواتكم في المرآة، ستتركون كل شيء لهم..،
أيتها الأجيال انظري إلى سنواتنا التي احترقت في المرآة،
ستتركون كل شيء للذين لا ينظرون.”
غلطة العراقي ص 201

منذ أول إصدار شعري له (سهول في قفص – دار الشؤون الثقافية العامة 1994)، ووسام هاشم يستعيد الحرب بوصفها جيلاً شعرياً ابتلاه العراق بصراخ طويل، يلاحقه أمام وراء، يطوقه بقوة حلم ذبيح، يقذف به إلى المنفى، إلى حرب أخرى هناك تنتظره عبر كوابيس تعيده إلى جبهات الحرب وصافرات الإنذار، لا مفر من الحرب.. لا مفر.
برغم ما نتفق عليه، بكون المنجز الإبداعي مشروعاً شخصياً بحتاً، إلا أن (التحقيب) الذي يصر عليه أهل النقد يحمل شيئاً من الصواب في تاريخيته.
صخب الستينيين لم يزل مثار جدل منذ بيانهم الشعري 1969، وما عززوه عبر كتاباتهم عن جيلهم: “الروح الحية / فاضل العزاوي – الموجة الصاخبة / سامي مهدي – تهافت الستينيين – فوزي كريم.”
تأريخ ملتبس
الثمانينيون، وإن لم يكونوا بقصد منافسة من سبقوهم جيلياً، أعلنوا بقوة، وبما يشي، تحذيراً للأجيال كلها، منذ تلك المقدمة التي وضعها عدنان الصائغ “انتبهوا رجاءً.. الثمانينيون قادمون” لملف شعري – شهادات ونصوص – مجلة حراس الوطن ع387 – تموز 1987″، ومثلما فعلها الستينيون، راحوا لتلخيص تجاربهم عبر إصدارات شخصية، فكتب محمد مظلوم (حطب إبراهيم – الجيل البدوي – دار التكوين 2007)، ومنذر عبد الحر (بئر يوسف – سيرة شخصية لشاعر من جيل الثمانينيات في العراق – دار شمس 2024)، ولربما ما يعد له زعيم نصار ما يكمل الإحاطة أكثر بشأن هذا الجيل بمشروع يوشك الانتهاء منه، في علمي.
التأريخ، بحسب (أرسطو) “يروي ما حدث، أما الشعر فيروي ما يمكن أن يحدث، ولذلك كان الشعر أعمق وأكثر دلالة من التأريخ.”
فكيف بالأمر إن كان متعلقاً بتاريخ العراق الملتبس الذي ضج بالتزوير، وقد استدعت الحكومات نفراً من كتبة خدمات مؤسساتها لفعل ما تريد؟
هل ندين شعراء الحرب؟ هل نعلي من شأنهم؟
لا هذا ولا ذاك، لنقرأهم شعراً بدقة وحذر فهم رواة لعنة وألغام تتفجر حقائق.
جسد الشاعر
شكلت الحرب ثيمة الإصدار الشعري الجديد وليس الأخير لوسام هاشم (نصوص السبورات- غلطة العراقي – منشورات اتحاد أدباء العراق 2024). فقد وردت مفردة (الحرب) لوحدها (62) مرة، فكم من شظاياها ظلت تلاحق جسد الشاعر؟
ربما أجاب الناقد طراد الكبيسي في مقدمته لمجموعة الشاعر الأولى (سهول في قفص) بالقول:
” ذاكرة حرب متشظية في ذاكرة حرب ومجاز في ذاكرات تلفها ذاكرة.”
(أكلتك الحرب، الثعالب قادمة)، أليس في جملة وسام هذه وحدها إجابة مفزعة لما قاله أرسطو في ثنائية الشعر – التأريخ؟
إدانة الديكتاتور
انتهت الحرب ببيان مثلما ابتدأت، لكنها استمرت، فكان حصار أشد من الحرب، اشتد أواره فراحت البلاد تقذف أبناءها باتجاه الشتات، وكان وسام هاشم واحداً منهم، يجلس هناك قبالة جاره الدنماركي ليسترد الحرب مرة أخرى:
“أحسد هذا الرجل الدنماركي الذي يدخن غليونه ويراقب القوارب، لا تلاحقه نشرة الأخبار بالقنابل، ولا يعرف بلداً آخر سوى بلاده، يرفع علمها كل عام في عيد ميلاده فوق سارية بحديقته.”
وبمزيد من الإدانة يلعن سنوات العمر التي وقعت في قبضة حاكم متهور، يسارع لتسليم بلاده إلى من يحتله ليعبث به وبما يشاء في شهوة مفرطة:
“هذا الرجل لم يسمع طوال حياته صراخ أمهات قتل الدكتاتور أبناءهن وطالبهن بثمن الرصاصات، لم يسمع أن سيارة مفخخة تسعل الجثث كل مساء.” ص 102.
المجموعة ضمت العديد من القصائد عتبتها الأولى – السبورات – التي أسقطها وسام، إلا سبورة الحب.