فريال حسين: أحرقتُ مذكراتي في التنور

1٬375

حيدر النعيمي /

غادرت العراق مرغمة عام 1995 وتنقلت بين بلدان عدة، فكانت المحطة الأولى الأردن لتغادر بعدها الى مملكة السويد عن طريق “اللجوء السياسي”، لتنطلق في رحلة عمل جديدة في عالم الإعلام، إذ استقرت فترة من الزمن في جمهورية التشيك لتعمل في إذاعة صوت العراق الحر .
إنها مقدمة البرامج فريال حسين التي وضعت بصمتها في تلفزيون العراق من خلال برامج كان لها الأثر الكبير في إثراء المشاهد العراقي وخصوصاً فيما يعنى بالفن التشكيلي، استغلت مجلة “الشبكة العراقية” تواجدها في بغداد لتحقق معها هذا الحوار :

* في زيارتك الأولى للوطن العام الماضي، بعد غربة طويلة، هل كانت لغرض الاستكشاف أم العمل أم أنه الحنين؟
– لا استكشاف ولا حنين ولاعمل، كانت فقط لإكمال أوراق خاصة بمرتّبي التقاعدي .
* ماسبب زيارتك اليوم الى بغداد؟
– لنفس مضمون الزيارة الأولى، جئت لاستكمال أوراقي، ولكن لايمكن تجاهل رغبتي في الاستكشاف من خلال تواجدي في الوطن، هنالك استرخاء في داخلي وعدم الشعور بالخوف والقلق بالعكس من زيارتي السابقة التي كان ينتابني فيها الإحساس بالخوف والخطر لكوني عملت في إذاعة معارضة وهذا ما قد يصنع لي الأعداء، أما اليوم فأشعر بالراحة والاطمئنان والأمان لي ولعائلتي.

* هل قُتل الحنين في قلب فريال حسين؟
– لايمكن أن يقتل الحنين، بل هو إحساس بالأسى للعيش مجبراً خارج البلد، ولا يتصور أي إنسان أن الحياة خارج الوطن ستوفر له الاستقرار النفسي، أبداً، هذا التصور خاطئ وبعيد عن الحقيقة، ولكن من شدة ما تعرضنا له نحن كعائلة من ضغوط نفسية واعتقالات في الزمن الماضي صنعت الكثير من الشروخ بيننا وبين الوطن.
في العودة الأولى العام الماضي رسمت في عقلي وقلبي الكثير من الصور المؤلمة، حتى الدار التي بنيناها أنا وزوجي أسميتها “بيت الأحزان”، وهذه المرة حتى “بيت الأحزان” لم أزره لأسباب خاصة، وأصبحت لدي علاقة متينة بيني وبين البلد من جديد، وهنالك بشائر أمل وخير من خلال رؤية الناس في الشارع والمطاعم والكوفي شوبات وبأعداد كبيرة على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة وزحمة الأمكنة، وفي هذه الزيارة جاءت معي ابنتي الممثلة ريام الجزائري التي لم تزر العراق منذ 24 عاماً، وكانت فرِحة جداً باستقبال الناس لها باعتبارها ممثلة وفنانة عرفت بدور “سارة خاتون” .

* يعني اختلفت تصوراتك في الأمس عما هي اليوم؟
– بالتأكيد، أنا الآن أتوق للبقاء في بغداد، بشرط توفر فرصة عمل من ضمن اختصاصي كوني خبيرة في المجال الإعلامي وخبيرة تدريب مذيعين ومذيعات، وقد مارست هذا الاختصاص سابقاً في تلفزيون العراق وأيضاً في إذاعة العراق الحر.
ويعجبني جداً أن اقوم بتدريب المذيعين الشباب وتعليمهم الذوق في الظهور على الشاشة وطريقة الكلام، وليس من الضروري أن يكون الشخص خريج إعلام حتى يكون قادراً على ممارسة هذا العمل بل يحتاج الى الثقافة الواسعة والذوق في الملبس والذوق في وضع الميك آب، فقد لاحظت أن هنالك مبالغة في عمليات التجميل في الوجه مثل البوتكس والفلر والتاتو المبالغ فيه وكذلك نفخ الخدود واستخدام الرموش الصناعية، لماذا هذا التشويه للجمال …؟ طيب إذا في العشرينات وتعمل كل هذا في عمر الخمسين ماذا ستفعل؟ وهذا كمثل المحال المغلقة أبوابها تجهل محتواها الداخلي وبالتالي تفاصيل تلك الوجوه ضائعة في خضم هذه الأمور .
من غرائب الأمور التي سمعتها أن إحدى الإعلاميات طلب منها مديرها زيادة في وضع الميك أب؟… سألتها ما دخل المدير بذلك هل هو اختصاص بتلك الأمور مثلا؟ …. قالت كلا، فقلت لها لماذا تسمعين كلامه إذن… أجابتني لأنه مدير !… ناهيك عن الأخطاء اللغوية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأقولها باللهجة الشعبية وأضعها بين قوسين “انجفص باللغة العربية” .

* ماذا عن سيرتك الذاتية؟
– كتبت 400 صفحة من سيرتي الذاتية ولكن رميتها في التنور !

* لماذا؟
– أنا لست منسلخة عن المجتمع والوضع السياسي، لذلك أحرقتها.

* هل ستحاولين كتابتها مرة أخرى؟
– نعم، وأنا حالياً أكتبها من جديد.

* وماذا سيكون عنوانها؟
– عنواناً طريفاً، فكوني من محافظة ديالى أسميتها ” قلائد القداح”، بسبب ما تختزنه ذاكرتي لتلك الأيام حين كانت البساتين والورود تحيط بنا من كل جانب وكنا نعمل من ورد القداح “قلائد” كهدايا لبعضنا البعض.

* عملتِ حواراً مع الفنان التشكيلي الراحل فائق حسن.. ما هي أهم المحاور التي دارت مع صاحب جدارية السلام؟
– صادف أنني التقيت به في جمعية الفنانين التشكليين في مهرجان كان قد أقيم هناك وشملت المناسبة تكريمي بشهادة فخرية بسبب مساهمة البرنامج في دعم الفن التشكيلي واذا به يسلم علي ويقول لي معاتباً : “أنا لست راضياً عن الحلقة التي استضفتِ فيها الفنان التشكيلي حافظ الدروبي لكونك لم تفسحي له المجال في الحديث… فأجبته : قبل اللقاء مع أي فنان أقرأ عنه بشكل مكثف حتى يكون مطمئناً، فكل حلقة أقرأ عن الضيف قرابة الأربعة ايام متواصلة، وحافظ الدروبي كان في أيامه الأخيره وكان مريضاً وكبيراً في السن وكان يسعد حين أذكره بمسيرته وبأعماله وبلوحاته، ولهذا السبب كنت أتكلم عنه أكثر مما تحدث هو عن نفسه، وأنت تعرف الوضع الصحي له جيداً… وبعد نهاية الحديث طلبت منه إجراء حوار معه، رفض قائلاً ليس الآن، وبعد أسبوعين اتصل بي طالباً الحوار وكان الفنان كما عرفناه بسيط جداً .

*”بعض” إعلاميات اليوم يهتمّن ببرامج السناب شات ويسألن المتابعين عن رأيهم بالطلّة والميك أب اللذين يظهرن بهما أكثر من مضمون الضيف، بينما في وقتك آنذاك تقولين كنا نقرأ عن الضيف بكثافة واهتمام، بين الحالتين ما هو رأيك بالإعلام العراقي اليوم؟
– أنا سعيدة اليوم لأنك أنت من تحاورني، لأنك تزودني بمعلومات أنا لا أعرفها، فالحياة تغيرت، ولكن هل الطلّة هي الأساس؟ الإعلام مشتت مثل حياتنا السياسية، أشعر أن الذي يقدم الآن من أسئلة وأجوبة بين المقدِّم والضيف يظهر تردياً في كل مناحي الحياة، فنسيج المجتمع ممزق والأخلاقيات ربما تأثرت، أعتقد أن الشعب العراقي من بين شعوب العالم كلها هو الوحيد الذي تعرض لحروب عدة ودمار وهذا ما أثر في أمور كثيرة.

* برودة السويد.. ماذا قتلت في داخلك؟
– لم تقتل شيئاً، ربما وجودنا كعائلة قلل علينا الإحساس ببرودة الجو الخارجي، نحن اعتدنا عليها .

* أي الأصوات ترافقك عندما تريدين أن تسمعي شيئاً؟
– محمد عبد الوهاب، إلهام المدفعي، حسين نعمة، رضا علي، عباس جميل، ورياض أحمد يثير في الشجن بسبب طريقة غنائه وعندما أريد البكاء استمع له .

* هل أنت محظوظة؟
– أجاهد حتى أكون محظوظة، وكحظ للإنسان على العموم أنا غير محظوظة .

* أخيراً ماذا تقول فريال لفريال في انفرادها مع نفسها بعد هذه المسيرة الطويلة؟
– أصبري أكثر.

* على ماذا؟
– النوايب، “مع ضحكة حزينة”، الذي يعرفني فعلاً لم يشاهد امرأة صبورة مثلي، أنا أستطيع عبور المأساة ولدي القدرة على ذلك، قد أبدو رقيقة في التعامل وشخصيتي هادئة، لكني أمتلك صلابة في الداخل جعلتني أنقذ عائلتي وأتحمل الحياة في الغربة، والأشخاص المحيطين بي يعرفون طبعي بالسماح وأعطي العذر لكل من أخطأ بحقي، وهذا ليس من أجل الشخص بل من أجل نفسي، وأغلب النساء العراقيات يمتلكن قدرات حديدية وصلبة .