فهد البدري يتألق على مسرح شاطئ الراحة

360

نجلاء الخالدي /

في أرض سومرية، يتنفس أهلها الشعر والفن والأدب، منذ أن شعت حضارتها قبل آلاف السنين، ولد الشاعر النبطي فهد البدري، وعلى نهرها الذي يحتفظ بالكثير من أسرار المدينة الغافية وتحت أشجار النخيل الباسقة التي تتفيأ بظلها بيوتات الطين الصغيرة، حيث يتبارى الشعراء والمهاويل بسجال الشعر المرتجل والأبوذيات، نمت موهبته.
استحوذ الشعر على هواجسه الغضة حينما كان يرافق كبار الشعراء والمهاويل في مضايف المدينة ودواوينها، فأصبح شغوفاً بالقوافي، حافظاً للكبار من الشعراء، قبل أن ينظم قصيدته الأولى وهو في مراحل دراسته الثانوية.
كبر الطفل وغدا شاعراً يساجل الشعراء في أشهر مسابقات الشعر النبطي، ويعبر مراحلها وسط ثناء النقاد والجمهور ولجنة الحكام، ولم تتبق بين فهد البدري واللقب سوى مرحلة واحدة ليعود إلى بغداد حاملاً بيرق شاعر المليون، كأول عراقي يحصل عليه.
تميز البدري بحضوره اللافت وأدائه العالي ولغته الشفافة، ووضع بصمته في أول إطلالة له في المسابقة بقصيدة هزت مسرح شاطئ الراحة ووجدان الجمهور عندما أنشد “ذي قار يا قبلة التاريخ”، لم يحتج الشاعر سوى إلى تلك الثقة والبراعة التي سرد فيها تاريخاً مؤثراً لمدينته التي تحتضن أقدم الحضارات على وجه البسيطة، تلك المدينة التي يتعلم فيها الأطفال الشعر وهم في المهد، من موالات وأبوذيات أمهاتهم، بتلك الموسيقى الحزينة التي تلقيها الأمهات على مسامع أطفالهن قبل النوم، التي يقول المتخصصون إنها تمتد إلى جذور سومرية.
لم يواجه البدري صعوبة في إيصال رسالته، فالعرب يعرفون ذي قار ويسردون قصص كرم رجالها وسيرهم، فهي الرئة التي يتنفس منها الشعراء الإبداع، وعلى ألواح طينها كتب السومريون ملاحم الخلود شعراً.
ينسج البدري، بلهجته العراقية الرقيقة، أشعاره التي تلامس شغاف قلوب السامعين، بلهجة يحبها العرب وتأسر قلوبهم وتلامس مشاعرهم، ويسعى لبذل كل ما بوسعه ليقدم أفضل مالديه، متسلحاً بموهبته وأسلوبه في الإلقاء، اللذين يساعدانه في إيصال رسالته للمتلقين فتجعلهم يتفاعلون مع مضمونها ومفرداتها الجنوبية المحببة.
لقد بات فهد البدري قريباً من اللقب بعد أن توَّجه الجمهور العراقي بأكاليل الإعجاب وهم يتابعون مسيرته لتسلق منصة الفوز، في منافسة رائعة يصفها البدري بأنها مزيج من الحماس والمنافسة الشريفة والحب الأخوي الذي يجمع المشاركين في إطار ودي ونزيه.
يقول البدري إن “الشعر العراقي بأنواعه في الصدارة، وكما نعلم فإن العراق بلد الشعر والشعراء، مع كل الاحترام للشعراء في الدول الشقيقة، وما يميز الشاعر العراقي عن غيره هي اللهجة الرقيقة والمرنة التي يملكها كل شاعر عراقي، فهي بحد ذاتها مزيج من المشاعر والأنغام التي تلامس مسامع كل من سمعها.
أما عما يميزني عن بقية الشعراء، فهو السعي الدؤوب الذي أبذله لأمثل ذاتي، علمًا بأن من يمثل ذاته سيتميّز، لأن الذوات لا تتشابه.”
يدرك البدري أهمية الإلقاء الذي برع فيه، ويؤمن أنه هبة الله لمن يشاء من عباده، ويمكن أن يعززها الشاعر بالتعلم والتمرين والممارسة، وفهم تأثير الصوت ولغة الجسد، لهذا ينبغي على الشاعر أن يتحلى بهذه الموهبة لإيصال رسالته بالشكل المطلوب وجذب أنظار الناس حوله.
تأهل فهد البدري إلى المرحلة الـ 24 من شاعر المليون. بقصيدة “ذي قار يا قبلة التاريخ”، التي يقول مطلعها:
“مهد العظام ..
أورك سكنها الخليل وزاد تبجيلها.. أبوك مهبط وعي وأقدم رسالة سلام .. هز السما وأمطرت حروف مخاييلها.” وهي القصيدة التي نالت إعجاب الجمهور، وكذلك لجنة التحكيم المتكونة من عدد من الأدباء والشعراء العرب، من بينهم سلطان العميمي، والدكتور غسان الحسن، والشاعر حمد السعيد، الذي أثنى على القدرات الهائلة للشاعر البدري في نسج القصيدة النبطية، وطالبه بقراءة المزيد من “الأبوذيات العراقية” التي يعشقها محبو الشعر الشعبي في كل مكان .
كما نالت قصيدته المؤثرة “طفل للبيع”، التي تأهل البدري، على إثرها، إلى مرحلة الـ 12 في شاعر المليون، وهي من المراحل الحاسمة لنيل اللقب، اهتمام لجنة الحكم التي بدا فيها البدري واثقاً في الوصول إليها، وفي هذا الصدد قال: “إن إطراء الجمهور ولجنة الحكم كان له الأثر الكبير في بث روح الحماس لدي، لأقدم المزيد من القصائد المؤثرة على المسرح، ولا أنسى دعم الجمهور العراقي والسفارة العراقية التي ساندتني في كل حلقة من حلقات البرنامج، وهو شرف كبير لي أن أمثل وطني في هذا الكرنفال الشعري الكبير ‏المقام على مسرح شاطئ الراحة في دولة الإمارات العربية.”
وتشهد الحلقة الأخيرة من البرنامج تتويج حامل بيرق ولقب شاعر المليون، وترتيب الفائزين من الأول إلى السادس، بحضور أعضاء لجنة التحكيم المؤلفة من سلطان العميمي، والدكتور غسان الحسن، والشاعر حمد السعيد، إذ يجري في ختام الأمسية جمع درجات لجنة التحكيم من 60 %، بالإضافة إلى نسبة تصويت الجمهور عبر الموقع الإلكتروني والتطبيق الخاص بالبرنامج (40 %)، ليكتمل ترتيب الفائزين في المسابقة من المركز الأول إلى السادس.