(في المسكوت عنه) الشعراء بوصفهم متمردين وخونة ومرتدين!
سعد جاسم /
عالمنا عجائبي وغامض وغريب. يأخذ مرةً شكل جحيم أكثر قسوة ورعباً من جحيم (دانتي) ومرة يأخذ شكل سجن ليس له توصيف؛ ومراراً يأخذ شكل مقبرة مترامية الأطراف نسكنها على مضض ونعيش فيها مجبرين لأننا لانملك أية بدائل عيش أخرى.
الشعراء كانوا ومازالوا وسيبقون يعانون من الاتهامات الجاهزة بوصفهم متمردين أو خونة أو مرتدين . وكذلك فهم يعانون من الشكوك والمطاردات والتعذيب والتغييب من قبل الحكام ورجالاتهم؛ حيث أشد مايكرهه هؤلاء هو المثقف بشكل عام والشاعر بشكل خاص لأنهما الأكثر جهراً في قول الحقيقة.
ملاحقة الفكر الداعشي
ولم تتوقف مصائر الشعراء والمثقفين عند ما فعله بهم حكامهم وسلطاتهم؛ وإنما أصبحوا الآن يعانون من ملاحقة الفكر الداعشي لهم وتربصه بهم من كل ناحية، فالتطرف يتطلع إليهم بعيون حادة يريد أن ينفيهم من المجتمع وكأنما هناك خطة ممنهجة لقتل الإبداع فى مجتمعاتنا، حيث إن آخر الحلقات كانت هي ما فعله تنظيم داعش بإعدام الشاعر السوري (محمد بشير العاني) وابنه (إلياس) في مدينة دير الزور السورية بتهمة “الردة”.
ولم تقتصر هذه الهجمات على تنظيم داعش، بل امتدت لتشمل بلداناً عربية تحاول قمع وقتل حرية الفكر والتعبير، وهذا ما حدث في السعودية التي أصدرت حكما على الشاعر الفلسطيني (أشرف فياض) بتهمة الردة، وحكمت عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات وثمانمائة جلدة، وهو حكم تعويضي عن الإعدام الذي صدر ضده. وكانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد اعتقلت الشاعر (أشرف فياض) في مطلع كانون الثاني 2014، في مدينة أبها، جنوب غرب السعودية، على خلفية نشره ديوان شعر في العام 2008، بعنوان “التعليمات بالداخل”، وكانت المحكمة ذاتها أصدرت في الـ 17 من نوفمبر- تشرين الثاني حكماً بإعدام الشاعر فياض بتهمة الترويج لأفكار إلحادية وسبّ الذات الإلهية.
تهمة المحاربة ونشر الفساد
وكذلك فقد حدث الأمر مع هاشم شعباني شاعر عربي من منطقة الأحواز وهو ناشط في الثقافة العربية، وكان يكتب الشعر باللغتين العربية والفارسية، وقد سبق أن اعتقلته السلطات الإيرانية في شباط 2011، وحكم عليه بالإعدام في عام 2012، بتهمة المحاربة ونشر الفساد في الأرض وتهديد الأمن القومي ونشر الإشاعات الكاذبة، وتم تنفيذ الحكم عليه هو وزميله الشاعر العربي الأحوازي هادي رشيدي في 27 كانون الثاني عام 2014. وقد حدث المشكل ذاته مع الأديب (محمد الشيخ ولد مخيطير) الذي قامت السلطات الموريتانية باعتقاله في كانون الثاني عام 2014 بتهمة الإساءة الدينية على خلفية نص كتبه ونشره في عدة مواقع إلكترونية موريتانية، وبعد الهجوم عليه كتب مقالاً توضيحياً، أكد فيه عدم توجيهه الإساءة، وإنما الغرض من كلامه توضيح وقائع تاريخية. وأصدرت محكمة مدينة (نواذيبو) حكماً عليه بالإعدام بعد توجيه الاتهام له “بالردة”، بينما أكد المحامون أعضاء لجنة الدفاع عن الأديب الشاب أنه قد أعلن توبته عن هذه الكتابات وأنه لم يقصد أي طعن في الدين. ولكن المحكمة لم تأخذ هذه التوبة بعين الاعتبار أثناء إصدار الحكم عليه وللاسف فقد تم إعدام شاعر آخر؛ وهكذا تصبح مصائر الشعراء، إما العيش في جحيمات اسمها أوطان أو في غيابات السجون والزنازين أو في مقاصل الإعدام.