في ظل استشراء عشوائيات الحياة وفساد نظمها ماذا يريد المثقف العراقي من رئيس الوزراء؟

364

استطلاع – صلاح حسن السيلاوي

يحلم المثقف بشموس كثيرة تواجه الظلمات التي تعصف بحياة المجتمع، كالتطرف، والجهل الناشئ عن تراجع منظومات التربية والتعليم، وانخفاض مستويات الجامعات العراقية عن مثيلاتها في العالم، والعشوائيات في نظم الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والعمرانية.
ما الإصلاحات الثقافية التي يمكن لرئيس الوزراء أن يحققها؟ هل سينتبه إلى تلك الثقافات المتردية التي وقفت وراء كل ذلك النكوص؟ هل سيسعى لإعادة الحياة للمسرح والسينما والدراما؟ هذه الفنون التي تبث ثقافات متعددة، وتعمل على تنقية الذائقة من شوائب السوداوية التي تغلغلت في قاع حياة المجتمع العراقي؟ هل نُذكّره بأهمية الكتاب؟ أهمية أن نمتلك دور نشر كثيرة ومهمة؟ فضلاً عن دار توزيع تعمل على إيصال ذلك الكتاب إلى كل بقاع العراق والعالم؟ أنذكره بأهمية طباعة ما تصدره الجامعات العراقية، من مئات الأطاريح السنوية التي يمكن أن تؤسس لها دار نشر في كل جامعة؟ هل نطالبه بضرورة تأسيس مجلس أعلى للثقافة العراقية؟
تحقيق السلام ثقافياً
الفنان التشكيلي (الدكتور شوقي الموسوي)، يرى أن “مهمة رئيس الوزراء ليست بالمستحيلة، إذ أن ترميم الحياة الثقافية عبر الاهتمام بالمؤسسات المعنية والانتباه إلى الجانب الثقافي في وزارات التربية والتعليم العالي والثقافة والسياحة والآثار، عمل يدر على البلاد سمعة طيبة ويسهم في تذويب الانكسارات النفسية الاجتماعية من خلال تطوير الجوانب العلمية وتقديم أعمال فنية وأدبية ومسرحية وتطوير الجوانب السياحية لآثار بلاد الرافدين.”
وأضاف قائلاً: “مشكلات مرحلة (ما بعد 2003م) التي عصفت بمجتمعنا لا تقل شراسة عن ويلات النظام المقبور. فقد أسست تلك المرحلة مصانع للتجهيل والتكفير أسهمت في صناعة داعش الإجرامي، وأنتجت ثقافة الظلام، فتراجعت المنظومات الأخلاقية والقيَمية والمؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية بسبب إهمال بعض القيادات الحاكمة للثقافة وعلومها وآدابها وفنونها. ولهذا فإن أثر داعش وثقافته الظلامية يجب أن يواجها بعمل ثقافي منظم.
أقترح على الحكومة، ممثلة برئيس الوزراء، إنشاء دار نشر وطنية عالمية بواقع واحدة في كل مؤسسة (الجامعة، الجمعيات، الاتحادات، المسارح، النقابات)، فهنالك مشاريع علمية وأدبية وفنية ونقدية كثيرة على الرفوف، سواء أكانت أطاريح الدكتوراه أو الماجستير أو دراسات نقدية بأقلام المبدعين في اتحاد الأدباء والكتّاب والجمعيات الفنية، بوصفها جميعاً ذاكرة تراث وحياة. علينا جميعاً أن نتعظ من الدروس ونعمل للحفاظ على ما تبقى لأجل صناعة السلام.”
دور المبدع الإيجابي
من جانبه، الناقد (صباح محسن كاظم) يرى أن “رئيس الوزراء يستطيع أن يهتم بكل جوانب الثقافة من طباعة المؤلفات والدراسات البحثية في جميع الجوانب العلمية والتاريخية والأدبية والفنية عبر توسيع عمل دار الشؤون الثقافية وتأسيس فرع لها في كل مدينة، مع بناء قصور ثقافية تحتوي قاعات سينمائية ومسارح حديثة، والاهتمام بالآثار العراقية والمتاحف، إذ لابد من تأهيل كل المواقع سياحياً، فالسياحة نفط دائم، وبمردوداتها المالية يمكن دعم الميزانية والناتج القومي.”
أضاف كاظم قائلاً: “مسؤولية النخب الثقافية جوهريّة بتشخيص علل الواقع وطرح المعالجات، في المقابل على السياسي والحكومة سماع صوت المثقف وقراءة مناشداته التي تمثل الهم العام وليس الذاتي. دورالمثقف الإيجابي لا يقل أهمية عن دور السياسي بل يوازيه، ويسانده في الطموحات للنهوض بواقع التعليم المقدس، والواقع الصحي المتهرئ، والجانب العمراني الذي يجب أن يكون مستوحى من حضارة بلاد ما بين النهرين.”
تهدئة الانقسام الاجتماعي
الشاعر (عادل الصويري) قال: “الأهم في رأيي، قبل مطالبة رئيس الوزراء وجهازه التنفيذي بالإصلاحات الثقافية، أن نتوجه إلى تهدئة الانقسام الاجتماعي حول الخطوات الحكومية. كلنا شاهدنا كيف احتفل الجمهور المؤيد للجهة السياسية التي جاءت برئيس الوزراء بخطوة مكافحة المحتوى الهابط، قابله تذمر من جمهور منافس، وصل إلى حد التنظير الثقافي والإعلامي للهبوط، مصحوباً بهبّة إلكترونية متنمّرة على هذا القرار. ما لم نواجه هذا الانقسام، ونضعه على طاولة نقدية فاحصة، فلن تنفع كل جهود الإصلاح؛ لأن المؤيّد سيعتبر أية خطوة صغيرة فتحاً من فتوحات الحياة العصرية، أما المعارض الآيديولوجي المتحزب فلن يقتنع، وسيبقى يتنمر وينظّر ويشكك حتى لو صارت بغداد مقراً لهوليود!
ومخطىءٌ من يعتقد أن الانقسام الاجتماعي هو انقسام الطبقات البسيطة أو المتوسطة التعليم، فالواقع يقول إن أساتذة الجامعات منقسمون بين مؤيد ومعارض، وكذلك الأدباء والإعلاميون والأطباء والمحامون. ولابأس إن حدث الانقسام في سياق الاختلاف الطبيعي المقبول، لكن الواقع يقول غير ذلك مهما بالغنا في التفاؤل.
رئيس الوزراء مسؤوليته دعم الفن والثقافة، نعم، لكنه غير مسؤول -في رأيي- عن الآليات الخاطئة التي تنتهجها المؤسسات والنقابات المعنية حين تقيم فعالياتها، التي غالباً تقام على وفق ثقافة الاستقطاب إلا ما ندر. المسؤولية الأكبر تقع على عاتقنا نحن في تهدئة أنفسنا أولاً، ثم تهدئة المجتمع، وتقليص أسباب انقسامه على الرغم من صعوبة المهمة؛ لأن الانقسام مشروع كبير لا أبالغ إن قلت إنَّ دولاً تعمل عليه؛ لوأد أية لحظة وعي، وتصرف عليه مئات الملايين، عبر مسلسل تاريخي ليس له إلا أن يقدم الكذب بصورة يظنها مقنعة.”
ثقافة محمد سعيد باشا
الشاعر (الدكتور وسام حسين العبيدي) قال: “عندما نتحدّث عن ماهية الحلول، تحضر أمامنا مقولةٌ محمد سعيد باشا الذي تولّى حكم مصر خلفاً لوالده محمد علي باشا، بعد أن أمر بإغلاق المدارس العليا التي أنشأها والده، وهي: (أمةٌ جاهلةٌ أسلسُ قيادةً من أمةٍ متعلِّمة). هذه المقولة على وجازتها، تنطوي على خطرٍ تترقّبه كلُّ سلطةٍ مُفسدة تعمل على وفق منطق الغنيمة والاستئثار، وإذا كانت هذه المقولة تكشف عقدة السلطة من العلماء والتعليم؛ فلأنها تُدرك تماماً أنَّ الجهل لا يُشكِّل خطراً عليها؛ لأنه سيمنحها فرصةً أطول للاستمرار. ولأن مراكز التعليم (الحقيقية) تعمل على إنتاج طاقات علمية تأخذ وظيفتها في المجتمع، وتقطع على الفاسدين الطريق للتمادي في فسادهم.
وإذا كانت مقولة (محمد سعيد باشا) –المذكورة آنفاً- تكشف الوجه القبيح للسلطة، بما لا يدع لها العذر في تمرير شعاراتها البرّاقة التي تعمل على تخدير قطّاعات واسعة من المجتمع المُدجّن على تصديقٍ ساذج بكل ما يصدر عن السُلطة ومُمثِّليها من خطابات، فإنّها تعمد إلى تجهيلٍ منظّمٍ ينال مراكز التعليم، عبر قراراتٍ مرتجلة، فالمناهج المعتمدة للتعليم غير مُحدّثة بما فيه الكفاية، والعالم يتطوّر بين سنةٍ وأخرى، وفي مثل هذه الحالة يكون الطالب – أيًّا كان اختصاصه- غير مؤهِّلٍ فيما بعد التخرّج ليقدِّم إنجازاً يرتقي بوطنه، كذلك ما كان لأكثر الجامعات الأهلية – وقد زاد عددها وصارت توازي التعليم الحكومي- من مخرجات كمّية لا نوعية، من أثرٍ في ازدياد أعداد الخرِّيجين الذين يبحثون عن فرص التعيين، بغضِّ النظر عن المؤهِّلات العلمية الكافية. أما الحال بالنسبة للطواقم المسؤولة عن التعليم، فهي بحاجة إلى إعادة نظر في مؤهلاتها العلمية، ولاسيما مع الانفتاح غير المسؤول للشهادات العليا القادمة من خارج العراق.”