في معرض الفنان الإماراتي محمد الأستاد دانات الشواطئ.. حكاية لا تنتهي

408

دبي – زياد جسام/
لا شك في أن الخامات هي أساس الأعمال الفنية التي ينجزها الفنانون التشكيليون، وبها تتضح اتجاهاتهم الفنية المطروحة، ربما خامات ليست بجديدة، بل هي موجودة في متناول الجميع منذ سنين، لكن المتلقي يراها من خلال الأعمال الفنية كأنها خلقت اليوم.
مواد عالقة على الشواطئ.. هي الخامة الأساس التي اشتغل عليها الفنان التشكيلي الإماراتي محمد الأستاد، ليحولها الى أعمال إبداعية تحمل افكاراً ألفها، وخرج بها عن المألوف وعن ظروف الزمان والمكان، فأصبحت نتاجات إبداعية يمكننا أن نصفها بالسهل الممتنع، ومن خلالها يدرك المتلقي أن النحت لم يعد محكوماً بخامات الكرانيت أو الحجر أو المعدن أو ما شابه ذلك، فقد تغيرت المفاهيم الجمالية والبصرية مع تغير العصر لدى الفنان والمتلقي معاً.
امتداد التجربة
أقام الفنان محمد الأستاد معرضه الأخير في صالة عرض خاصة بالمنطقة الخضراء في مدينة إكسبو دبي، حمل المعرض اسم (دانات الشواطئ)، وهو ضمن فعاليات مؤتمر (كوب 28)، وقد قدم فيه امتدادات لتجاربه، ومنها لوحات قماشية طويلة دون أي تأطير، فمرة تجدها معلقة من الأعلى الى الأسفل أو من اليمين الى اليسار. أقمشة رسم عليها من خلال (الصدأ) لوحات تعبيرية أكثر من رائعة، فضلاً عن عرض رسومات واقعية مدروسة بشكل متقن، مؤطرة بطريقة كلاسيكية تحاكي قصة فن حديث يقف أمامها المتلقي مشدوهاً من تفاصيلها الدقيقة التي خطّها صدأ الحديد.
لا شك في أنها تحفز المتلقي للتساؤل عن مغزى الفن الحقيقي، بكل جوانبه التعبيرية والمعرفية، فقد تميزت فيها الرؤية الفنية عن الرؤية التقليدية التي تعوّد عليها عن طريق الحواس، وهذا النوع من الإبداع الفني وحده يستطيع ترجمة الرؤية المختلفة وإيصالها إلى المتلقي، فقد نقل الفنان الأستاد للمتلقي عالماً تعبيرياً برؤية بصرية حديثة لها أبعاد تبنى على أشكال، تجمع بين الواقع والخيال وتتشابك في أعماقها.
لا يعدّ الطرح الجمالي لـهذا الفنان جديداً على مستوى التشكيل العالمي، فالعالم اليوم يواجه ثورة كبيرة في الإبداع والتقنيات على جميع الأصعدة، لكننا لا ننكر أن رؤية الفنان الأستاد جاءت متسلسلة بالمقارنة مع تجارب أخرى ثرية.
تهشيم الحدود
يعد الفنان محمد الأستاد أول الفنانين الإماراتيين الذين أكملوا دراستهم في الجامعة الأمريكية باختصاص الكرافك، من الفنانين المعاصرين، إذ إن حسه البصري جعله ينتج بغزارة، كما أن لأعماله طابعاً مميزاً في جميع الأوساط التشكيلية في العالم، ولاشك في أن التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي أوصلت أعمال هذا الفنان إلى تهشيم الحدود بين الرسم والنحت، كما أنه أسس لنفسه كياناً ومنطقاً خاصاً به، فأصبحت مادته البنائية مستعارة من مواد موجودة ومستهلكة من الحياة اليومية.
كذلك يتضح للمتابع في تجربة الفنان محمد الأستاد أنه ركز على دراسة خصائص وإمكانيات الخامة ووصل فيها إلى فهم أكبر ساعده على تطويعها لفكرته وجعلها أكثر قوة في التعبير، كما امتازت أعماله بخصوبة الرؤية وحرية التعبير والاعتماد على معايير جمالية وإبداعية معاصرة في التشكيل، لأنها تحمل لمسة شخصية في الخامة واختيار الموضوع. وهو بذلك يتعمق بإبداعاته في عوالم عدة.. من تعبيرية الى تجريدية، يلتقط من الواقع كخبير في اختراق المجهول، ما فتح له مجالات أوسع، وإمكانيات أكبر، وبدائل تمكنه من التعبير بحرية تامة، وبما يتفق مع رغبته واتجاهه الفني الواسع.
معروف أن المدارس المعاصرة متداخلة تداخلاً واضحاً في طرق العمل، وفي التبسيط والتجريب بالخامات المختلفة الحديثة، فمنذ مطلع قرننا هذا أصبح من العسير على المختصين في النقد، او المثقفين، تمييز اتجاهات الفنانين بأعمالهم، ولاسيما أن الفنان قد يبدأ بمدرسة ثم يغادرها الى اتجاه آخر، من دون أن يعلم احياناً.
لبصيرة هذا الفنان رؤية أخرى قد يكون من خلالها متفرداً في طرحه البنائي، إذ صار ينتج بشفافية ومرونة غريبة أعطت لأعماله طابعاً مميزاً في مجال فن الرسم و(الأنستليشن)، وبدت كتله الثلاثية الأبعاد كأنها قطع هندسية تتحرك في انسيابية عالية.
الأصالة والحداثة
كما يبدو أنه اشتغل على فلسفة خاصة في تأويل أعماله، إذ يؤكد بأنه لا يتخلى عن الحس الإنساني والبصري والجمالي في نتاجاته الإبداعية منذ بداياته الفنية.
حاول الأستاد أن يمزج بين الأصالة والحداثة، مختزلاً جميع الملامح الدقيقة للأشكال، وحول أشكاله الى نوتات موسيقية، أو ابتكارات ينحني لها المتلقي، فهو يحفر ويضيف ويتعامل مع الخامات ويطوعها كيفما يشاء.
أسلوبه الجديد هذا يندرج ضمن قائمة جماليات الحس البصري ذات الشحنات التعبيرية، وهي تمثلت بحالات من الأحاسيس والانفعالات. أعماله تستوقف الجميع، وهي ليست بحاجة الى إعلان مسبق، فلها معان ودلالات كثيرة وهي في حركة ديناميكية تنطلق نحو الأعلى لتحاكي كل ما هو مثالي.
إن هذا التداخل بين طبيعة الخامة يسهم في تحديد الشكل للعمل الفني، ويجبرنا على البحث عن وسائل وطرق تحقيق هذا الشكل، لأن استخدام أية مادة يخلق بالضرورة وسائل معينة من حيث معاملتها عند التنفيذ، كما يجب على الفنان أن يكون على دراية بالتقنية التي يريد أن يتعامل معها، ولاسيما الخامات الحديثة منها، كما هي عند الفنان محمد الأستاد، التي يمكن أن تحدث تأثيرات غير متوقعة او مقصودة تؤدي الى تغيير مسار النشاط الإبداعي لديه، ما يجعله جاهزاً للاستفادة من عنصر الصدفة الذي واجهه خلال ممارسته للعملية الإبداعية.