في وداع مروان وطيوره المحنّطة

417

علي السومري /

كان مبتسماً على الدوام، وكأنه أسعد إنسان على وجه الأرض، هو الذي كان يكابد الألم والوجع ومرارة فقد أحبته طوال سنوات الحرب والجوع والإرهاب، شاعر آمن بأن عليه أن يكون صوتاً لمن لا صوت له، لا يتنازل عن موقفه، مدافعاً عن حق الحياة والحرية لأهله في الوطن.
رحيلٌ مفاجئ
من عرفه حق المعرفة، شعر بفداحة خسارته، شاعراً وإنساناً وتربوياً حقيقياً، مروان عادل حمزة، الشاعر الذي رحل عن عالمنا الأسبوع الماضي، وما زالت آثار صدمة رحيله المفاجئ على الجميع حتى اللحظة، غادرنا لينتقل إلى جوار مَن كتب عنهم كثيراً، الموتى، الذين كان يموت مراراً مع كل واحد منهم:
“نسيت أن أخبركم
بأني شاعر
وبأني أموت في كل الانفجارات..
مع كل الميّتين..
حتى إن ملائكة الموت ملّت قبض روحي
متُّ سابقاً في (حلبجة) في الشمال
ورافقت أصدقاء كثيرين في مقابر جماعية في الجنوب
حتى إن أمي
أخبرتني أني متُّ في (هيروشيما) عندما كنت صغيراً”.
شاعرٌ محُتج
هذا هو مروان كاتب القصائد الجميلة، مُحب الحياة بإفراط، عاشق أغاني المقام بجنون، عازف الكيتار، وهاوي الرسم، صانع الابتسامات الأمهر على وجوه أصحابه، مُبدع اختار الشعر من بين كل هذه الفنون فكان شاعراً.
مروان المُحتج على واقع العراق الخرب، الذي صدح صوته من أجل الحرية مع جموع العراقيين في تظاهرات ساحة التحرير، لم يكن صديقاً وسنداً في كل هذا، بل كان مُبادراً وشجاعاً على الدوام وهو يهتف للحياة بوجه الموت وتجاره وأمرائه.

صديقُ الجميع
لن أنسى يوم استضفته في برنامج (شارع الثقافة)، الذي كنت أخرجه وتقدمه الزميلة فيفيان غانم، وكان يُبث من على شاشة القناة العراقية، يومها جاء بدراجته الصغيرة، متعباً من قطوعات الشارع، منهكاً من زحامات يوم الجمعة في شارع المتنبي، ولكنه ما أن وصل إلينا حتى ابتسم وقال: “علمودكم أجي مشي مو بس بدراجة”، هكذا كان مروان انعكاساً حقيقياً للشاعر الإنسان، المتطامن مع ذاته ومع الآخرين، الزاهد بكل شيء إلا حريته.
سأتذكر حديثه حينها عن بغداد المولود فيها عام 1965، المدينة الساحرة التي عاش في واحدة من أقدم محلاتها (الفضل)، وتنفس أفراحها وانكسر لأحزانها، وأحب قصصها ومقامها وموسيقاها ولهجاتها وتنوعاتها، كيف لا وهو صديق الجميع، صغارهم وشيوخهم وحافظ حكاياتهم:

” لا أريد
أكثر من أن يتنبه إلى وجهي المؤرّخون
ليرَوا
كم أنا متحدّر من سلالة طيّبة
أنا الذي بقيت خالداً
أحفظ كل أساطير المغنّين الذين استدرجت أغانيهم الغيوم
وفي دمي
تحجّر كلّ السلاطين الذين تعاقبوا على جَلدي
أرتبهم منكسرين
وفق أحرفهم الدمويّة..”

نجمُ المهرجانات
مروان لم يكن شاعراً فحسب، بل كان نجم جميع المهرجانات التي كان يقيمها الاتحاد العام لأدباء وكتّاب العراق، عريف حفل مفوه، يقدم المهرجانات ويستقبل الشعراء بالشعر، وحين يعتليها شاعراً ينصت الجميع لسلاسة قصائده وعمقها، قصائده المتخمة بفواجع وطن ابتلي بموت مجاني، ورائحة شواء مستمر، وهول انفجارات لا تكاد تختفي حتى تعود من جديد لتقطف أرواحاً جديدة، أرواحاً طالما سكنت أبيات قصائده، أيتام طالما أخذ بأيديهم مثل أي أب منكوب، كتب يوماً (لطفل ما):

“لكي لا يكون عليك
أن تمرّ بما نمرّ به الآن
لكي لا يتوجّب عليك
أن تعاني ما نعانيه
سنصنع لك أجنحة
تطير بها بعيداً عن هذه الضجّة العمياء
فإذا وصلت إلى هناك
أحفر أسماءنا
على أية شجرة في تلك الأرض
وقُلْ
لأؤلئك الناس
إنك تركت وراءك أناساً
ماتوا
وهم يحلمون بالطيران”.

رثاءُ الأحبة
لم يمض رحيل الشاعر مروان عادل حمزة بصمت، إذ نعاه الجميع، الأصدقاء والمؤسسات الثقافية، ووضع أصدقاؤه صورته على صفحاتهم الخاصة في الفيس بوك، ورثوه، هو الذي لم يكن يُحب المراثي، رحل الشاعر الذي حصل على جوائز عدة في الشعر، بينها الجائزة الأولى من دار الشؤون الثقافية عام 2006، والجائزة الأولى مناصفة من محافظة بغداد عام 2008، كما حصل على الجائزة الأولى من (ديوان شرق غرب) عن مجموعته (تراتيل طيور محنطة) الصادر في عام 2009.
جدير بالذكر أن الراحل عضو في الاتحاد العام لأدباء وكتّاب العراق، وترأس نادي الشعر فيه، حاصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة الموصل، وعمل تدريسياً في معهد إعداد المعلمات، وشارك في كثير من المهرجانات داخل العراق وخارجه، وله مخطوطات شعرية عدة.