قاسم محمد عباس.. الخلود بالمحبة والعمل الصالح

33

علي السومري

رسوم / علاء كاظم

كيف يمكن للغياب أن يمتلك كل هذا الحضور؟
سبع سنوات مضت منذ رحيلك، وأنت تأبى أن تغادر مجالس الأصدقاء، صدى كلماتك تتردد في حواراتهم، ألَمِهم، وحتى ابتساماتهم، أيها الكثير جداً، يامن وزعت وجهك بين وجوه أحبتك، ليرتسم كلما التقوا معاً.
لم تكن حياتك سوى حيوات متعددة، أيها الباحث عن المعنى، كمن يبحث عن نبع في صحراء. هكذا كانت مجالستك، مثل رحلة في بغداد القديمة، وسجالات حكمائها الباحثين عن الطمأنينة، يا آخر المتصوفة.
كان الأمل سلاحك الوحيد بوجه القتلة الظلاميين، الطامحين لإغراق البلاد بالدم، وكيف يمكن أن يكون رهاننا الوحيد، وأن علينا أن نتحلى به بالرغم من كل شيء، حتى آخر لحظة. لن أنسى ما قلته لي يوماً، في وقت كان اليأس يخيم فيه على الجميع: “وكأننا أولئك الذين بقوا يعزفون الموسيقى حتى آخر لحظة من غرق (التايتانك).” إذاً يا صديقي، سنصمت وننصت لهذه الموسيقى الكامنة فينا، تلك التي تمنحنا القدرة على احتمال كُل هذا ونحن نبتسم.
هكذا كان يراك من عرفك أو سمع بك، كائناً مدهشاً، باسماً على الدوام، لحزنك الشفيف سحر العارف بالنهايات، شغف الطالب للمعرفة.
ما زالت آثارك المطبوعة تزين مكتباتنا، أربعون كتاباً عن الأديان والتصوف والسرد، أعدت فيها اكتشاف الأولين، وحققت أعمال المتصوفة العرب، الحلاج، السهروردي، ابن عربي، والبسطامي، أما روايتك (المحرقة) فكانت من أهم الوثائق الدامغة على جرائم الطاغية وبعثِهِ بحق العراقيين.
قال أحد أسلافنا، وهو يبحث عن زهرة الخلود يوماً، إن “لا خلود سوى بالعمل الصالح”، وها أنا أهمس بأذنك، الخلود به وبالمحبة أيضاً، أيها الكاتب النبيل، المُحب، العارف، الخالد فينا بأعمالك ومواقفك.
ها نحن نستذكرك الآن، لا كدلالة على غيابك، بل حجةً واضحةً على حضورك البهي..
حتى اللحظة.