قانونُ الملكيةِ الفكرية.. جدارٌ لحماية حقوقِ المبدعين

3٬418

ذو الفقار يوسف /

تضمنت العلاقات التي تنحصر بين دور النشر والمؤلفين والمبتكرين الصناعيين وغيرهم من المبدعين، العديد من المشاكل بسبب قلة معرفتهم بقوانين تحمي إنجازاتهم الفكرية، فالسرقة والنسخ واشتقاق النص وتجزئته وغيرها من الاعتداءات، جعلت العديد من الإنجازات تهدر وتختفي وتندثر تحت مسمى الخوف من السرقة.

ولضمان حقوق المنجزات والابتكارات، يأتي دور المركز القانوني المختص بحماية الملكية الفكرية في وزارة الثقافة كجهة مختصة بإصدار القوانين التي تضبط حق ملكية الفرد للنتاجات الفكرية والثقافية سواء الأدبية أو المصنفات الفنية وما يتبعها من تحديثات الكترونية.
كان لـ”الشبكة” حوار مع رئيسة قسم الملكية الفكرية الأستاذة هند الحديثي:

قانون إخضاع

*لنتكلم اولاً عن ماهية الملكية الفكرية في العراق؟ وماهو دورها للحماية من الاستغلال الفكري؟

– الملكية الفكرية هي حق من الحقوق الممنوحة للبشر والتي تعطى لهم مقابل نتاجهم الفكري “الأدبي والفني والعلمي”، وقد عرفها الكثيرون ايضاً على أنها كل ماينتجه ويبدعه العقل والذهن الإنساني، وهي الأفكار التي تتحول او تتجسد في أشكال ملموسة يمكن حمايتها وتتمثل في الإبداعات الفكرية والعقلية.

للحماية أشكال

* الملكية الفكرية جسر حيوي للحفاظ على حقوق المبدعين.. كيف يمكنكم، كمختصين، الحد من التجاوزات في هذا المجال؟

– تكمن أهمية الحماية بالمحافظة على الجانب المادي بالإضافة الى المعنوي لصاحب العمل والابتكار، وهي بالتالي تحمي المستهلك من الغش والتقليد التجاري، حيث يكمن دورها أيضاَ بالحد من انتشار الأعمال المقلّدة والمنسوخة التي ترد الى الأسواق، وبالتالي تسبب خسائر لأصحاب الأعمال الفكرية، وهذه الحماية تتم بطريقتين: الحماية الوقائية والتي أهدافها منع نشر المصنف المقلّد او صناعته او نسخه، وحجز المصنف المقلّد، ومن ثم إثبات واقعة الاعتداء، وبالتالي حصر الإيراد الناتج عن استغلال المؤلف وتوقيع الحجز على هذا الإيراد.

هناك أيضا نوع آخر من الحماية وهي الحماية العلاجية التي تخص حماية الشخص المعتدى عليه وتكون إما بالجزاء الجنائي الذي يكون إما بالغرامة او الحبس او الاثنين معاً، حيث حدد القانون العراقي الخاص بحق المؤلف لسنة 1971 والمعدل في2004 بأن الغرامة لاتقل عن 5 ملايين دينار ولاتزيد عن 10 ملايين دينار عراقي، وفي حالة الإدانة للمرة الثانية، يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن خمس سنوات، ولاتزيد عن عشر سنوات، وبغرامة لاتقل عن 100مليون دينار عراقي ولاتزيد عن 200 مليون دينار عراقي او بإحدى هاتين العقوبتين، وللمحكمة صلاحيات اخرى.

أما الجزء المدني منها فيتمثل بالتعويض حيث يلتزم به المعتدي على حق المؤلف او مرتكب مخالفة ينص عليها القانون.

* بدأ مفهوم حماية الحقوق الملكية الفكرية بحماية حقوق مؤلفي الأعمال الأدبية والفكرية، لكنه الآن يستوعب مجالات أخرى.. فما هي هذه المجالات؟

– اولاً يجب أن نذكّر بأن الملكية الفكرية تحمي العديد من مجالات الأعمال العلمية والأدبية حيث أنها بالأساس تتكون من شقين أساسيين هما حق المؤلف والحقوق المجاورة، وحقوق الملكية الصناعية، حيث تشمل: براءات الاختراع, والعلامات التجارية, والمؤشرات الجغرافية بالاضافة الى الأصناف النباتية، وكل ماذكر يندرج تحت مسمى “الملكية الفكرية”.

*برامج التوعية والإعلام سلاح مهم للحفاظ على الملكية الفكرية وحق المبتكر والمبدع، فما هي برامج التوعية المستخدمة من قبلكم؟

– إن مركزنا يقوم بنشر ثقافة الملكية الفكرية من خلال اقامة ندوات، وورش عمل، ودورات خاصة في هذا المجال، وايضاً إجراء اللقاءات المرئية والمسموعة والمقروءة للتعريف بأهميتها.

خبراء الملكية

* بعد انطلاق الشبكة العنكبوتية في العراق ومواقع التواصل التي تسهل عملية النسخ والنشر بصورة غير مشروعة، كيف تعالجون هذه المشكلة؟ وهل هناك قوانين بهذا الخصوص؟

– حقيقة الأمر أنه لايمكن وليس من الصلاحيات الممنوحة للمركز، إيقاف مثل هكذا اعتداءات او تجاوزات، حيث يجب في بادئ الأمر أن يقوم صاحب العمل والمعتدى عليه بالجوء الى القانون لإثبات الحق، أما دور المركز فهو فقط كخبير قضائي يثبت أحقية المعتدى عليه، عن طريق القوانين الخاصة بهذا المجال، حيث تسري عليه ويطبّق قانون حق المؤلف بالمواد (44-45ـ46) من هذا القانون.

*هناك عدة حقوق لحماية الملكية الفكرية كحق المؤلف والحقوق المجاورة، ماذا تعني هذه المصطلحات؟

– تأتي هذه المصطلحات على رأس القائمة في قانون الحماية الفكرية، فحق المؤلف مصطلح قانوني يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين، فيما يخص مصنفاتهم الأدبية والفنية، وهو حق استئثاري يتمتع به صاحب المصنف المبتكر عن استغلال مهنته دون الإذن والترخيص، حيث يشمل المصنفات الأدبية والمسرحية والموسيقية والفوتوغرافية والأعمال المعدّة للإذاعة والتلفزيون، ويشمل ايضاً الأشكال الهندسية، وبرامج الحاسوب، والتسجيلات الصوتية،
وتشمل الحقوق التي يتمتع بها فنانو الأداء ومنتجو التسجيلات السمعية والبصرية والهيئات الإذاعية والتلفزيونية.

انحراف الإبداع

*هناك العديد من العقبات التي واجهت العراق ومبدعيه كالحروب والأزمات المتعاقبة، فهل أثر ذلك على عملكم في حماية حق الملكية وماهي التجاوزات التي حصلت في الآونة الأخيرة؟

– ترتبط الملكية الفكرية ارتباطاً مباشراً مع واقع البلد، فهي تتعرض وتتأثر بالواقع الذي يمرعلى المجتمع، وإن أغلب مبدعي العراق أرهقهم واقع الحروب والأزمات التي مر بها البلد، حيث حرفهم عن مجالات الإبداع والابتكار، وجعل الساحة مفتوحة لضعاف النفوس أن يستغلوا هذه الأوقات بالسرقة والغش والتزوير والاعتداء على حقوق المبدعين الفنية والأدبية والعلمية، وبالتالي فرض الركود والسكون على الواقع والمشهد الثقافي، وقلص من العمل في هذا المجال. وقد تم انشاء المركز عام 2008، بعدما كان على شكل لجنة معنية بحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة تابعة لوزارة الثقافة والإعلام قبل عام 2003، وبإشراف الوكيل الأقدم الدكتور جابر الجابري.

* ماهي ضمانات حق المؤلف في الحد من عبث السارقين لنتاجاتهم الفكرية والأدبية؟

– بالنسبة لضمانات حق المؤلف فهي تكون إما عن طريق التسجيل وتوثيق الحقوق، او أن تكون محميّة اوتوماتيكياً من خلال النشر والبث لأول مرة، او من خلال التعاقد بين المؤلف والمجاور، على سبيل المثال لا الحصر، الأعمال الغنائية، فإن الشاعر يكون نصّه الغنائي محمياً من تاريخ النشر، او بث العمل، أما المؤدي فهو من تاريخ التعاقد.

*هل تدخل براءة الاختراع في قانون الحماية؟ وإن دخلت ما هو دوركم في حماية ملكية الإبداع؟

– نعم، إن براءة الاختراع هي احدى مفاصل الملكية الفكرية الصناعية، وهي بالتالي تدخل ضمن المحميات، لكنها ليست ضمن قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة، حيث تتبع قانون الملكية الصناعية كما ذكرنا على اعتبارها تنتج مواد او اشياء مصنعة، تستخدم لغرض العرض، او البيع وتختلف عن النتاج الفكري والذهني الخاص بحق المؤلف.

استحقاق الحماية

*لكل فكرة او ابتكار مستويات من الأهمية، فهل هناك مستويات من الاستحقاق لحماية الملكية؟

– إن أحد شروط ما يمكن أن يدخل ويندرج ضمن الحماية الملكية، هو أن يمتاز العمل بالإبداع والابتكار، حتى يستحق أن يندرج ضمن حقوق الملكية الفكرية، وكل مادون ذلك فهو لايستحق الحماية ولايندرج ضمن حماية الملكية الفكرية، علماً أن مركزنا هو الوحيد في الوطن العربي التي يكون فيها التسجيل بدون رسوم.

“الويبو”

*هل هناك ارتباط مع مكاتبكم من حيث السياق والقوانين مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية؟

– يرتبط المركز الوطني لحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة كغيره من مكاتب واقسام الملكية الفكرية بالمنظمة العالمية “الويبو” على اعتبارها المنظمة الأم في هذا المجال، ولأنها منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، فعملها هو من أجل حماية حقوق الملكية الفكرية، ظهرت سنة 1967 وتأسست في 1970 وانضم لها العراق سنة 1976، ومن مهامها فرض الاحترام لخصوصية العالم بأسره، وان مركزنا على تواصل دائم ومباشر مع هذه المنظمة.

* الاتفاقيات المعمول بها لابد أن تكون ملزمة بعقد ما يضمن الحق لجميع الأطراف فما الذي يمنحه مركزكم للمبتكر؟ ومامدة صلاحية هذه الحماية؟

– انضم العراق أيضاً الى معاهدة سنغافورة الخاصة بالعلامات التجارية وحقوق باريس الخاصة بالملكية الصناعية، كذلك اتفاقية حماية الملكية الفكرية في حالة نشوب صراع مسلح وحماية الملكية الثقافية، وتم الاتفاق على حماية الأعمال طيلة حياة المؤلف، ولخمسين سنة بعد وفاته.
وصايا المركز

* الإفصاح المبكر عن فكرة ما يؤدي الى الإخلال بحقوق حمايتها، ماهي وصاياكم للمبدعين والمبتكرين للحد من سرقة حقوقهم الفكرية؟

– وصايانا للمبدعين والمبتكرين بصورة عامة، هي عدم الإفصاح ونشر كل مايخص أعمالهم، أدبية كانت أم فنية أم علمية، إلا بعد تسجيلها وتوثيقها قانونياً، لضمان حقوقهم وعدم استغلالها من قبل ضعاف النفوس، كما نرجوهم عدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في نشر وتقديم نتاجاتهم، لأنها ستكون في متناول ايدي الجميع، وبالتالي تصعب حمايتها والسيطرة عليها، كما نرجو جميع المبدعين بكافة اختصاصاتهم ومجالاتهم مقاضاة المعتدي، لكي يكون مثالاً أمام الجميع، وعدم الاستخفاف والتجاهل او التقليل من قيمة هذه الحقوق.