كتّاب عراقيون شباب لـ “الشبكة”: الكتابةُ توثيقٌ للتأريخ وتدوينٌ للحياة

864

استطلاع أجراه: علي السومري /

منذ اختراع الكتابة في بلاد سومر العظيمة وظهور فنون الأدب بمختلف صنوفها في هذه الأرض العريقة، والعراق لم يتوقف عن إنجاب المبدعين في مجالات الفنون والآداب كافة، حتى أنه عُرف ببلد القراءة والمكتبات والكتب.
ومن يقرأ تأريخ هذا الوطن المنكوب بالغزوات، سيجد أن أول ما يُستهدف فيه بعد أي غزو، حرق مكتباته وهدم معالمها.
هنا سنتحدث عن تأريخ هذه الرقعة الجغرافية الحديث. فمنذ تأسيس دولة العراق في عشرينيات القرن الماضي، كان الاهتمام واضحاً بالعلم والمعرفة، لذا برزت فيه أسماء كبيرة في كل الفنون، ولاسيما في القصة والرواية والشعر والمسرح.
لا يمكن الحديث عن العراق من دون الخوض في ثقافته التي أصبحت رافداً مهماً من روافد الثقافة العربية، كيف لا وهي ممتدة في عمق التأريخ وصولاً إلى يومنا هذا، مروراً بالدولة العباسية التي كانت بغداد عاصمتها ومركز الحضارة والعلم والمعرفة والترجمة للعالم أجمع.
ولأن دورة الحياة مستمرة، لذلك نرى أن كل جيل يسلّم مهامّه للأجيال الجديدة، هكذا يتواصل نهر الإبداع في تدفق دماء جديدة لكتّاب جدد، آثروا أن يكونوا امتداداً لمن سبقهم من المبدعين.
ولأن خيار الكتابة خيار صعب في بلد لا تعير مؤسساته الرسمية أية أهمية للثقافة ودورها في المجتمع، ارتأت مجلة “الشبكة” إجراء استطلاع مع عدد من الكُتّاب الشباب عن سبب اختيارهم هذا الفن، فن الكتابة، وعمّا يميزهم عن غيرهم من الكتّاب الكبار سواء في طريقة كتابتهم أم في طرق تفكيرهم، وعن دعم المؤسسات الرسمية لهم، وأحلامهم.
أرشفة حياتنا
يقول الكاتب (حارث الهيتي) عن سبب اختياره الكتابة دون باقي الأجناس الأخرى: “هنالك علاقة بين التربية والنشأة والتخصص، فأنا مولود في بيت منشغل بالقراءة والكتابة، وشهادتي الجامعية كانت مختصة بالتاريخ، الذي هو كتابة في وجهه الأبرز، التدوين واحد من القضايا المهمة التي تؤرشف قضايانا ومشاكلنا وأحلامنا وتؤرخها، علاوة على أنها تثبت طريقة تفكيرنا في الزمن الذي عشناه.”
أما الكاتبة (رشا الربيعي) فتقول: “في إحدى مراحلنا العمرية حينما نبدأ باكتشاف ذواتنا، سنحاول التجريب ونخوض غمار تجارب مختلفة ككتابة الخواطر، التي نسميها شعراً على سبيل المثال،” مشيرةً إلى أن هذه التجارب هي التي سترشدها إلى موهبتها الحقيقية في الأخير، مضيفةً: “ومن ناحية شخصية أخرى أرى أنني كائن غير اجتماعي تقريباً، لذا فالكتابة هي ملاذي وعزائي الروحي، إذ منحتني تلك العزلة الصحية التي توفرها الكتابة مساحة من التأمل الذاتي كما التأمل في النص.”
عالمٌ ساحر
في حين تحدثت الكاتبة (آيات أسامة) عن أهمية الكتابة وسحرها، إذ قالت: “الكتابة من أفضل الطرق التي تصل إلى قلوب الناس، فهي مرآة لأرواحنا، وبها يمكننا التعبير عما يجول في صدورنا وعقولنا من مشاعر وأفكار، فهي عالم ساحر، يمكنك فيه خلق شخوصه وحيواتهم، وبناء مجتمعات نحلم أحياناً أن تكون حقيقية، وما كتابة القصص إلا محاولة لخلق هذه العوالم التي نشيدها في المخيلة لمراقبة مصائر أبطالها وكيف ستكون نهاياتهم،” وتضيف: “عالم الكتابة عالم جميل لا يتقن أسراره إلا القلة.”
أما الكاتبة (بنين محمد جابر) فقالت: “لأن الكتابة تفتح آفاقاً كثيرة للإبداع والتعبير عن مكنونات النفس دون قيود، كما أنها تحرر الكاتب من القيود التي قد فرضت عليه، ولاسيما في مجتمعه وبيئته.”
طرقٌ مختلفة
وفي الحديث عمّا يميز جيل الكتّاب الجدد عن الكتّاب الذين قرأو لهم، سواء أكان هذا من ناحية طرق الكتابة أم طرق التفكير، يقول حارث الهيتي: “كلتاهما معاً، طريقة الكتابة مختلفة الآن عن السابق، لكن المهم الذي يمكن أن نعده ميزة هو طريقة التفكير النقدي تحديداً، اليوم ليست هنالك مسلمات، كل ما قرأناه خاضع بشكل أو بآخر لطريقة تفكيرنا.” موضحاً “أن ارتباط النظرية بالواقع شيء مهم، وأن صحتها وخطأها يبينهما الواقع وليس شيء آخر، وأن ما يجمعهم في بعض الأوقات هي القضايا الملحة لا الآيدولوجيا.”
أما رشا الربيعي فأشارت إلى أنها لا ترى أن ثمة تمييزاً، مضيفةً: “بل لنقل إنه اختلاف، لكن المؤكد أن طريقة التفكير هي التي ستقود إلى اختلاف طريقة الكتابة.”
وهو رأي تطابق مع رأي آيات أسامة التي قالت: “اختلاف طريقة التفكير هو ما يميز كاتباً عن غيره، وهو الذي سينتج نصوصاً مختلفة عما سبقها من نصوص، وهذا عائد إلى المتغيرات التي حدثت وتحدث في المجتمعات، ولأن الكاتب ابن بيئته، فلابد من أن تكون نصوصه ثمرة من ثمار معايشته لظروف مجتمعه الآنية، وهذا ما يبدو جلياً عند مقارنة اختلاف الموضوعات والقصص التي كانت تكتب قبل عشرات السنين عن التي تكتب في زماننا هذا.”
أما بنين محمد جابر، التي ترى أنها لم تبدأ حتى اللحظة بالكتابة الفعلية في هذا المجال، فتقول: “لم أبدأ بالكتابة الفعلية بعد، لكن رأيي أن طرائق التفكير هي التي تميز الكتّاب عن بعضهم، لأن الكتابة نتاج تلك الأفكار، وباختلافها يكون المُنتج مختلفاً.”
نقدٌ بنّاء
وفي سؤال عمّا يحتاج إليه الكتّاب الشباب من جيل الكتّاب الذين سبقوهم في هذا المجال الإبداعي، قال حارث الهيتي: “أن يُصغوا إلى الباحث العراقي، أن يتعاملوا معه على أنه قريب من كل المشاكل التي هي محط الاهتمام والكتابة اليوم، ألّا يُتعامل معه على أنه باحث (مدجّن)، أو أن تكون شهادته العراقية سبباً في الغض من قيمة ما يكتب ويطرح.”
أما رشا الربيعي فقالت “إن ما يحتاجه الكاتب الشاب هو الاحتضان والرعاية، كما يحتاج في بداية مسيرته الإبداعية إلى النقد البنّاء لغرض توجيه بوصلته لمناطق آمنة تمكّنه من تصحيح مسيرته التي تشتمل الخطأ كما الصواب.”
في حين قالت آيات أسامة: “إن الكتّاب الشباب لا يحتاجون من الجيل الأقدم سوى تعلم القوة والثبات، لكي تكون أقلامهم حرة لا تخضع لجهة معينة لأي سبب كان،” مضيفةً أن “الكتابة بحرية هي مصدر قوة الكاتب ودونها سيكون عاجزاً عن البوح بأفكاره، محاطاً بأسوار الرقيبين الداخلي والخارجي.”
أما بنين محمد جابر فتحدثت عن حاجتها لتعلم قدرة التخيل التي يمتاز بها الكتّاب المعروفون، وسرد تفاصيل القصة كاملة وكأنها حدثت فعلاً، وقدرتهم على نقل روح الإنسان الى أماكن عدة في رواية واحدة، مستشهدةً بكتابات الكاتب والروائي علي بدر وغيره من المبدعين.
انعدام الاهتمام
في كل الحوارات مع المبدعين الشباب يرد السؤال عن مدى اهتمام المؤسسات الرسمية بهم، وقد أجاب الكاتب حارث الهيتي قائلاً: “الجواب واضح، إذا ما أخذنا احتجاجات تشرين بعين الاعتبار، فلو كان هنالك اهتمام بهذه الشريحة ما الذي يدفع بالشاب العراقي إلى أن يقف عارياً أمام القنابل الدخانية التي كانت تستهدف صدره؟”
أما رشا الربيعي فقالت: “الكتابة فعل إبداعي ذاتي، والكاتب لا ينتظر من مؤسسات محنّطة أن تروّج لمشروعه الإبداعي، لهذا عليه أن يؤسس مشروعه الثقافي وحده ليصل به إلى الضفة الأخرى، كما نرى في تجربة الكاتبة والمترجمة القديرة لطفية الدليمي والكاتب المبدع أحمد سعداوي.”
مضيفةً أن “الكتابة الحقيقية هي التي لا ترتبط بمؤسسات مؤدلجة، ولكن يتوجب على هذه المؤسسات الرسمية أن تدعم الكتاب العراقي عبر إطلاق سراحه.”
في حين نفت آيات أسامة وجود أي اهتمام من هذه المؤسسات، وشددت أن على الكاتب الشاب الاعتماد على نفسه في مشروعه الأدبي وتسويقه إلى الفضاء العام.
وهو ما أكدته الكاتبة بنين محمد جابر أيضاً.
أحلامُ التغيير
وفي سؤال عن أحلامهم وما الذي يطمحون إليه، قالت رشا الربيعي: “أحلم بنتاج أدبي وثقافي، يكون مختلفاً ومؤثراً في القارئ، علّه يسهم في تطوير المجتمع وتغييره.”
في حين تقول آيات أسامة: “أطمح أن يكون أسمي لامعاً في الوسط الأدبي، وأن أحقق العديد من الإنجازات الأدبية، وأن تكون كتبي من ضمن الكتب التي تتوسط رفوف المكتبات العراقية.”
أما بنين محمد جابر فقالت: “أحلم أن اكتب شيئاً ذا تأثير إيجابي على الناس، وأن يكون سبباً في تغييرهم للأفضل، أو أن أسهم ولو بالقليل في دعم المواهب الكتابية، لأن القلم هو صوت الإنسان الحي.”