لماذا يؤلفون الكتب وينشرونها ؟
عواد ناصر/
لدى البعض، ليس الكل طبعاً، دودة تنبش تحت جلودهم: ثمة ما عليّ أن أقوله للآخرين. على أن ليس ما يقوله كل كاتب يستحق التدوين والنشر، ومن هذه النقطة يكتسب كتاب الكاتب أهميته أو لا أهميته، وهنا يكمن الفرق بين كاتب عظيم وآخر أقل عظمة، وثالث لا يحظى بأي اهتمام. وبين الثلاثة درجات ودرجات حتى الحضيض.
على قدر ما تشكله الكتابة وتأليف الكتب من فتنة وسعادة وتحلل من ثقل يجثم على أرواح الكتّاب فإنهما عبء ومشقة، بل عذاب حقيقي لا يقل عن تلك المشقة التي تلازم العتّالين والحمّالين ورافعي الأثقال في رياضة العضلات والأجسام، وهذا ما أشعر به شخصياً، خصوصاً ما يلزمني به رؤساء التحرير ومسؤولو الإعلام وسائر وسائل النشر عندما يقترحون: أكتب لنا!
أؤجل قصيدتي التي «ما توكل خبز» لأكتب مقالاً يعينني على تخفيف أعباء العيش لأنني لا أجيد مهنة أخرى.. حتى أنني أشعر، أحياناً، بأنني مثل بائعة هوى، لا موهبة لديها غير جسدها.
ما موجود من كتبي لدى دور النشر أكثر من كتبي المنشورة!
مرضٌ جميل
أي حديث عن تأليف الكتب أو وضعها لابدّ، ينفتح على كاتب وكتاب وقارئ.. على كلمة وورق (أو صفحة على شاشة الكومبيوتر) وعين تركض وراء الكلمات، وكلّهم (وكلّها) يشتركون في صناعة فكرة، مهمة أو غير مهمة، ستكون متداولة، تبهج البعض وتدهش بعضاً آخر، أو لا تستوقف أحداً.. الأمر، برمّته، يخص أهمية الكلمة وجدواها وجمالها.
هل الكتابة مرض جميل، أو غير جميل؟.. هل هي علاج؟ هل هي كلاهما؟ هل الكتابة عالم من الوهم يحاول الكاتب جعله بديلاً عن الواقع، يدحضه أو يجمله أو يضيف إليه أو يخدعه؟
صحيح أن الكلمات عالم مدهش ومتنوع وزاخر بالدلالات والصور والإحالات، لكن أهم خصائصها هو الغموض الجوّاني الذي تستبطنه في لعبة هي في منتهى الجد، وأجمل ما فيها قابليتها على التأويل المتعدد.. بلا هذا التأويل المتعدد ستكون الكلمة مرآة زجاجية لا تعكس غير ما يقف بمواجهتها بحياد أبله.
الكتابة لعبة
وحسب علاء الأسواني فإن الروائي، مثلاً، يشبه ذلك الذي يختبئ خلف الستارة ويحرك (الأراكوز) فإذا ما ظهر ستفسد اللعبة.
تأليف الكتب عند الكثير من كتّابنا هو تأكيد الذات.. إشباع غرور أو البحث عن مكان على الورق أو الإنترنت.. إعلان عن الذات، وعند البعض الآخر محاولة للمشاركة الفكرية والجمالية، عبر الكتابة والقراءة، مع العالم، كما يقول جورج هاملتون.
ترمي تلك المشاركة المقصودة إلى ما يحتمل التغيير: كل كتاب إضافة تغير قارئها، وإلا فلا ضرورة لمشاركة لا تغيّر.
الكتابة تجربة شخصية
الكاتب جورج هاملتون يقول: لكل كاتب أسبابه المختلفة، وكذلك الرسام والنحات. الكتابة تجربة شخصية جدا، إنها، في الأساس، طريقة أسلوب مشاركة مع العالم عبر الأفكار.
تقول الكاتبة البريطانية آن فاين، في مقابلة نشرت في ملحق (الفايننشال تايمس)، في معرض الحديث عن بدايتها في عالم الكتب وتأليفها: «بحثت في البيت عن كتاب أقرأه فلم أجد، عندها قررت أن أشرع في تأليف كتاب ما..»
إنها فكرة طريفة لكنها ليست الجواب الكافي على سؤال مثل: لماذا يؤلف الكتّاب الكتب؟.. مع أنها، بالنسبة للكاتبة على الأقل، سبب كافٍ للدخول إلى نادي الكتّاب.
لكن ثمة سبب أكثر شيوعاً، يضيف هاملتون، وهو أن الكاتب يتمتع بما يفعل. إنها متعة أن يكون الإنسان فناناً في تعامله مع الكلمات واللغة. الكتابة صيغة للتجربة الذاتية أثبتت أنها يمكن أن تكون علاجاً في الوقت ذاته.. قرأت، مرة، مقابلة مع كاتب مشهور أجاب فيها على سؤال: بمَ تقارن الكلمات التي تفيض في رأسك كما الفيضان؟ قال ببساطة: أحاول التخلص منها خارجاً.. بتدوينها على الورق، أو أعيش معها على الموقع الإلكتروني أو سأواجه الغرق.. ثم يضيف هوكنز: لا يمكنك أن تكون كاتباً جيداً إذا كنت تكره الكتابة أو كنت شخصاً شبه عاطفي محض بخصوصها.. ثمة حب للكلمة المكتوبة يثقل مشاعر الكتّاب ذوي الوجدان الحقيقي، ولذلك هم يكتبون.