لم يسرق الإعلام منه شيئاً د. عارف الساعدي: الشعر الحقيقي لا جمهور له

634

حوار أجراه: علي السومري /

هو شاعر آمن بالقصيدة منقذاً في مواجهة الحياة وقسوتها، كائن مسكون باللغة والمعنى، كتب الشعر منذ تسعينيات القرن الماضي، راهن في بدء مشوراه الإبداعي على القصيدة العمودية، وكتب مع صحبه آنذاك بياناً شعرياً لتحديث الشعر الموزون، لكن تشدده للقصيدة الموزونة تراخى بعدها فكتب قصائد نثر كانت من أجمل القصائد.

إنه الشاعر عارف الساعدي، الحاصل على شهادة البكالوريوس في علوم اللغة، وشهادة الماجستير في الأدب الحديث، وشهادة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث ونقده، وبالرغم من انشغاله وعمله الأكاديمي أستاذا للأدب والنقد في الجامعة المستنصرية، وهمومه المعرفية، لكنه لم يسكن برجاً عاجياً، لم ينظر إلى المارة من خلال الزجاج، إذ كان ابناً باراً للحياة وهمومها، متطلعاً لحياة أفضل، حياة طالب بها مع كثير من المثقفين والفنانين في ساحات الاحتجاج ومنها ساحة التحرير.
ولد في بغداد عام 1975، وتزامنت طفولته مع حرب السنوات الثماني العبثية، وصباه مع سنوات الجوع والحروب اللاحقة، فكانت قصائده انعكاساً لفقدانات مستمرة، بدءاً بخساراته الشخصية والعائلية إبان حكم الطاغية، وصولاً إلى رحيل صحبه من الشعراء والأدباء الذين خطفهم الموت دون سابق انذار، مروراً بفوضى الإرهاب وسقوط المدن وسبي النساء.
الساعدي الذي أسس رابطة الرصافة للشعراء الشباب، عضو في الاتحاد العام لأدباء وكتّاب العراق، وعضو مؤسس لتجمع (قصيدة شعر)، حصل على العديد من الجوائز، بينها الجائزة الأولى في مسابقة (المبدعون للشعر) التي اطلقتها مجلة الصدى في دورتها الأولى في دبي عام 2000، والجائزة الثانية في مسابقة سعاد الصباح في الكويت عام 2004، كما حصل على جائزة الدولة للإبداع الشعري من وزارة الثقافة عام 2014، عن ديوانه الشعري (جرة أسئلة).
أصدر الدكتور عارف الساعدي دواوين شعرية عدة مثل (رحلة بلا لون)، و(عمره الماء)، و(جرة أسئلة)، و(مدونات)، و (الأعمال الشعرية)، و(آدم الأخير)، فضلاً عن عدد من الكتب النقدية، بينها (شعرية اليومي)، و(لغة النقد الحديث/ من السياقية إلى النصية)، كما اشترك في إصدار عدد آخر من الكتب والمجاميع الشعرية منها (المبدعون)، و(انطلوجيا المعرفة اللغوية)، و(أكثر من قمر لليلة واحدة)، و(مسارات اللغة المشتركة)، كما عمل في الصحافة والإعلام مقدماً ومُعداً في قناتي الحرة عراق، وآي نيوز الفضائيتين، وترأس تحرير مجلة الأقلام الصادرة من دار الشؤون الثقافية.
شارك في العديد من المهرجات الشعرية والمؤتمرات الثقافية داخل العراق وخارجه، ويشغل اليوم منصب مدير عام دائرة الشؤون الثقافية، ومن أجل تسليط الضوء على منجزه الإبداعي، أجرت مجلة (الشبكة العراقية) معه هذا الحوار، الذي ابتدأناه بسؤال:
* ما الشعر بالنسبة لعارف الساعدي؟
– الشعر هو كل شيء فيَّ، الشعر هو الذي فتح عيني على العالم، معظم أصدقائي من الشعر، تجوالي من الشعر، عملي في الإعلام من الشعر، جامعتي وقسم اللغة العربية بسبب الشعر، كل شيء كل شيء هو من الشعر، محاط بي وممتلئ به.
* كيف ترى الشعرية العراقية اليوم؟
– الشعرية العراقية هي شعرية متقدمة وساخنة على طول الوقت تاريخياً وحاضراً، شمس العراق السياسية والاجتماعية ساخنة دائماً وهي سبب لالتهاب الشعرية العراقية وحدتها وقسوتها، ولكنها تعاني بين مدة وأخرى من تعلق الطفيليات بأكتافها وتصدر على أنها هي الواجهة، لأن الشعر الحقيقي لا جمهور له، دائما الجمهور يقتل الشعر.
* من العمود والتفعيلة إلى قصيدة النثر، أين يجد (الساعدي) نفسه؟
– أنا في كل الأشكال الآن، روح القصيدة هي التي تتقمصني، أما شكلها فيأتي ثانياً، وهذه النتيجة وصلت لها بعد مدة من الراديكالية والتشدد، ولكن حين تفتح عيونك أوسع سترى الأشياء مختلفة أمامك، وستنظر بتسامح أمام كل الأشكال رغم أهميتها وهيمنتها على الصوت الشعري.
* كنتَ ممن راهنوا على العمود، لكننا اليوم نرى أن أغلب نتاجك هو قصائد نثر، هل خسر العمود معركته أمام النثر؟
– هو تجاور للأشكال أكثر مما هو صراع، فقد قلت سابقاً كنت متشدداً للشكل التقليدي أما الآن فالأمر مختلف تماماً، والنتيجة هي ليست بالشكل إنما بي شخصياً فالتحول راجع لي، فالشكل الذي كنت أراه مقدساً تحول إلى وعاء طبيعي ممكن أعود له في أي وقت حسب طبيعة النص ولحظة الكتابة، أما قصيدة النثر فقد تصالحت معها بشكل ممتاز، ووجدتها عالماً مذهلاً كنت محروماً منه، كل ما فعلته أني استثمرت لحظة قصيدة النثر فوظفتها في نصوص عديدة، والغريب أن معظم نصوصي في قصيدة النثر مرتبطة بالعائلة، وكأن للموضوعات هذه بلاغة خاصة تحملها قصيدة النثر على كتفيها، أما خسارة المعركة من عدمها فليست مطروحة الآن كما أرى، ذلك أن كل الأشكال قابلة للتنفس تحت الشمس، المشكلة بالشاعر نفسه وبقدرته على تطويع أي شكل من الأشكال لينتج شعراً بالنهاية.
* هنالك آراء كثيرة تقول إن زمن الشعر ولى، وإن هذا زمن الرواية، ماذا تقول؟
– لست مؤمنا بموت الشعر أو حتى الأشكال بشكل عام، قد يتقدم جنس من الأجناس في يوم من الأيام وقد يتراجع، ففي الستينيات كانت القصة القصيرة متقدمة جداً، لكنها الآن متراجعة للأسف مقارنة بالرواية، وعلى الرغم من تقدم الرواية الآن إلا أن الشعر يبقى له بريق خاص وفضاء مختلف، ربما هناك أسباب أخرى كالجوائز أسهمت بصعود الرواية، ولكن الشعر قد يتراجع قليلاً إلا انه يحضر بقوة في أي لحظة جارحة من لحظات النفس أو البلدان.
* أنت أكاديمي وشاعر وإعلامي، واليوم تدير داراً مهمة للنشر، هي دار الشؤون الثقافية، أين تجد نفسك؟
– أجد نفسي في القصيدة فقط، هي عالمي ومناخي ومصيري وهويتي، قد أنجح في تلك الأشكال والإهتمامات التي ذكرتها ولكني ابقى مخلصاً وطفلاً نزقاً في بيت القصيدة.
* ما خططك للنهوض بعمل دار الشؤون الثقافية، في زمن تعاني الثقافة فيه من أزمة توزيع وتسويق كبيرة؟
– دار الشؤون الثقافية مصيبتها مصيبة، هي أشهر مؤسسة ثقافية رعت الكتاب أكثر من أربعين عاماً، وانتجت أفضل المجلات الثقافية العظيمة، ومازالت تنتج هذه المجلات بالقوة نفسها، لكن للأسف الدار تعاني من مسألة التمويل الذاتي، وهي تنتج الكتاب والمجلة الثقافية والسوق منهزم تماماً الآن، أحاول اليوم فتح أكثر من خط لزيادة واردات الدار وانعاشها، ولكن الأفضل للدولة إذا كانت لديها خطط ثقافية حقيقة أن ترجعها إلى التمويل المركزي لتتبنى طباعة مشاريع كاملة توصل الكتاب لشرائح كثيرة، وامامنا بلدان عدة وبدون موارد مثل موارد العراق لكنها تهتم بصناعة الكتاب وتوزيعه على الملايين من أبنائها، كما أني أحاول مع الحكومة العراقية ولجنة الثقافة في البرلمان لدعم هذا المشروع وتحويل دار الشؤون الثقافية إلى ذراع ثقافي حقيقي وليست ذرا للرماد في العيون، إنها بدون مشاريع كبرى للطباعة لا معنى لها
* ما الذي سرقته أضواء الإعلام من عارف الشاعر، وما الذي منحته إياه؟
– الإعلام فضاء آخر كنت مؤمناً به ومخلصاً له، ولكنه تحول فيما بعد إلى عالم مليء بالمحسوبية والواسطات وتحول عدد من الإعلاميين إلى أذرع بيد السياسة، وبهذا فقد الإعلام جزءاً كبيراً من مصداقيته، لكنه منحني كثيراً من معرفة الناس وتقديرهم، لم يسرق مني شيئا لاني لم أكن مخلصا له كلياً.
* ما جديدك؟
– جديدي هو رواية كتبتها قبل سبعة أعوام واكملتها أيام الحظر العام الماضي وطبعت في دار الرافدين وستصل السوق قريباً، ولدي ديوان شعر جديد معظمه قصائد نثر، وكتاب نقدي عن جيل التسعينيات.