مدينة بورسيبا العراقية بلغت أوج عظمتها في العصر البابلي

1٬991

ناجح المعموري/

تبعد عن مركز مدينة الحلة 15كم وجنوب غرب مدينة بابل الأثرية بـ 25كم . تم الإعلان عن صفتها الأثرية في الجريدة الرسمية / الوقائع العراقية الصادرة يوم 7/10/1935 م وبرقم 465 / وردت الإشارة الى بورسيبا أيضا باسم برس نمرود ، وهي كلمة سومرية تعني مدن البحر أو سيف البحر .
أما كلمة برس في اللغة العربية فتعني القطن وتشير المصادر الخاصة بالعصر العباسي الى أن برس كانت قرية صغيرة واشتهرت بصناعة نوع من الثياب المدعوة ( الثياب البرسية ) وقد اندرست بسبب تغير مجرى النهر عنها .
ويعتقد بان اسم نمرود ، قد جاء إليها من اسم الملك الشهير الملقب بالنمرود ، لتمرده على الحق والعدالة ، والذي عاصر نبي الله إبراهيم عليه السلام . أجريت فيها أعمال التنقيب لمصلحة المتحف البريطاني ، من قبل ” بيسن وتونيني ” عام 1854م ثم هرمز رسام عام 1902م . ثم نقبت البعثة الألمانية برئاسة كولد فاي الذي نقب في بابل وتوصل الى القصور الرئاسية وأصدرت دائرة الآثار كتابين عن القصور الرئاسية كتبهما كولد فاي وترجمهما : على يحيى منصور و د. نوال خورشيد سعيد وبالإمكان الإشارة الى أن كولد فاي ، هو من اكتشف مخططات معبد نابو في بورسيبا ، وتحرى بناء برجها المدرج . وفي عام 1990م قامت بعثة نمساوية بالتنقيب بالمدينة واستمرت بالعمل بشكل موسمي لغاية 2003م . ويشاهد الزائر لبورسيبا تلين كبيرين . الأول تل إبراهيم الخليل ، حيث مقام إبراهيم (ع) ويحتمل أن تمثل المنطقة السكنية القديمة التي قد تحتوي قصورا واماكن للسكن الخاص بكبار رجال المدينة . أما التل الثاني ، فهو تل برس والذي يعني بقايا منطقة المعبد والزقورة الواقعة خلفه ، ويفصل بين منطقة للمعبد والبرج وبين تل إبراهيم الخليل منخفض من الأرض ربما تكون شارع المدينة الرئيس .
أن أعمال التنقيب مقتصرة على المعبد والزقورة ، ولذلك لا يمكن أعطاء فكرة كاملة عن المدينة. وتعد الزقورة من ابرز معالم المدينة، ولا يمكن أعطاء فكرة كاملة عن المدينة، لكن زقورتها ملمح بارز فيها ، وأنا اعتقد بأنها برج بابل الذي وردت له أشارات في العديد من المصادر وكذلك تضمن سفر التكوين التوراتي أشارة صريحة له. وما يشجع على دعم هذا الافتراض، أن بورسيبا كانت ضمن جغرافية مدينة بابل. ترتفع الزقورة 47م عن سطح الأرض ، وهذا منحها مركزاً حضارياً وأصلاً تاريخياً ليس في بابل فقط وإنما بالعراق كله . ورد اسم بورسيبا بالمصادر المسمارية بصيغة : “Eur –imin –an –ri ” وتعني بيت الطبقات السبع للسماء والأرض وللتأكد من كونها سبع طبقات ، نحتاج الى تحديد معالمها بصورة دقيقة وواضحة، كما أنها تتطلب عمليات تنقيب واسعة وشاملة، الى أن حدوث حريق في الجزء العلوي من الزقورة هو الذي اثر على انصهار جزئي منها. أما أسباب الحريق وطبيعته ، فقد بقيت مجهولة وغامضة جداً ، لكن البنية الذهنية الشعبية أنتجت عدداً من المرويات ، ما زالت حتى الآن متداولة ، وصاغت بعضاً من الذاكرة السردية ، وهي ظاهرة طبيعية في المناطق الحضارية والتاريخية ، التي ظلت فيها فجوات واضحة. حيث تبتكر لها الجماعات شفاهيات ، تنطوي على مجال تاريخي وأسطوري وبالإمكان الاعتماد على هذه المرويات وتأويلها، لانها تشكل جزءا حيوياً من ذاكرة الجماعات .
ورافقت المرويات الشفوية كثيراً من الوقائع وتجاورت معها وصاغت حقيقتها المفترضة التي لم تكن دائماً بعيدة عن الجوهر الثقافي والتاريخي . هذا ما لاحظته مع عديد من الإشارات الثقافية الغامضة ، حيث يتصدى لها الجماعات وتصوغ أسطورتها الخاصة والقريبة من البنية الذهنية السائدة في المحيط . يؤمن بها الجماعات ويتداولونها بسبب سيادة المجال الأخلاقي ، ومثال ذلك اسد بابل / الموجود في مدينة بابل الاثارية وسنتحدث عنه لاحقاً .
وتتكون زقورة بورسيبا في النواة ، أي نواة العقد المبني باللبن يحيط بها غلاف من الأجر ، وقد شوهد في الأجزاء العليا . أما اسم المعبد الرئيس في المدينة فقد ورد بصيغة “E-Zida” وتعني بيت الخلاص . كما ترجمت ” بيت المكين ” وورد ذكره في عدة نصوص تعود الى الملك بنوخذ نصر حيث أقام بإعادة بنائه وهذا يعني بأنه يعود لفترة أقدم من العصر البابلي الحديث .
ووردت أشارة لمعبد ايزيدا في مقدمة شريعة حمورابي حيث قام الملك حمورابي بتجديد أبنية المدينة المهمة ولاسيما معبد الإله نابو .
يتكون مخطط المعبد من عدة أبنية ومجموعة من الغرف تنفتح على الأبنية في المعبد ، وغرفة رئيسة ” Cellu ” والجدران الخارجية للمعبد مزينة بالطلعات والرحلات . وكذلك الساحة الرئيسية والمدخل الرئيس للمعبد ، وكذلك كانت الغرفة الرئيسة مزينة بابراج أيضا مبنية بمادة اللبن والطين .
جرت العادة أن يقوم الإله نابو بدور بارز في احتفالات رأس السنة البابلية التي تبدأ يوم 1/4/ من كل عام . ويأخذ نابو تمثاله من بورسيبا في قارب خاص يجري في نهر الفرات متجها الى بابل ، ثم تسير عربة احتفال خاصة فوق الجسر ، ويستمر الموكب في شارع مدينة بابل الرئيس ( شارع الموكب ) ويمر عبر بوابة عشتار الى بيت الاحتفالات الدينية والذي يعرف باللغة البابلية ” بيت الاكيتو ” وبلغت المدينة أوج عظمتها في العصر البابلي الحديث ، ولاسيما زمن ملكها الشهير بنوخذ نصر الثاني واستمرت قائمة ، قوية ومفتوحة للاستيطان في العهود التالية ، للعصر البابلي الحديث ، كالعصر الاخميني والسلوقي والغرئي والساساني كما بقيت مألوهة في العصر الإسلامي .