معرض القاهرة الدولي للكتاب.. يعتمر العمامة ويوزع الفتاوى!

973

محمود الغيطاني/

افتتح معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته التاسعة والأربعين يوم السابع والعشرين من كانون الثاني الماضي؛ ليستكمل نشاطه وفعالياته الثقافية حتى العاشر من شهر شباط الجاري 2018م، وكان رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور هيثم الحاج علي قد افتتح المعرض مع وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم بمشاركة وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي ممثلا لدولة الجزائر التي وقع الاختيار عليها باعتبارها ضيف الشرف لهذا العام.

في أجنحة المعرض

بلغ عدد الناشرين في هذه الدورة 867 ناشراً، منهم369 ناشراً عربياً، و9 ناشرين أجانب، وناشر واحد من إفريقيا ممثلاً لإثيوبيا، و485 ناشراً مصرياً (7 مؤسسات صحفيةو34 مؤسسة حكومية) بمجموع أجنحة يصل إلى 1200 جناح على مساحة 50 ألف متر مربع ومتوسط144 دار نشر تشارك لأول مرة في المعرض، إضافة إلي وجود117كشكاً في منطقة سور الأزبكية.

اختار المعرض شعار “القوى الناعمة.. كيف؟” للتدليل على أهمية الثقافة ودورها في تغيير المجتمعات، كما كان الراحل عبد الرحمن الشرقاوي شخصية هذه الدورة؛ للتدليل على أهمية ما قدمه في الثقافة المصرية، كما أنه كان من كتب مسرحية “جميلة” التي تحولت إلى فيلم سينمائي للمخرج يوسف شاهين، وهو الفيلم الذي يتحدث عن النضال الجزائري ضد المستعمر الفرنسي.
رغم الإقبال الجماهيري الكثيف من قبل الجمهور على هذه الدورة، وهو ما لم يكن منتظرا بسبب الظروف الاقتصادية المتعثرة التي تمر بها مصر، وبسبب الفارق الضخم في الأسعار بين مصر وغيرها من الدول العربية بسبب تعويم الجنيه كذلك الفارق في سعر الدولار، إلا أن العديد من الناشرين أكدوا أن حركة البيع لم تكن بحجم الجمهور.

معرض الأزمات

جاءت أزمة الأمسية الشعرية المُعدّة للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي من أهم الأمور التي أثارت الكثير من الجدل؛ حيث كان من المعتاد في معرض القاهرة أن تُجهز أكبر قاعاته الرئيسية كل عام من أجل عقد أمسية ضخمة يومياً لأبرز الشعراء في الوطن العربي، إلا أن الشعراء فوجئوا هذا العام بإلغاء التنظيم في القاعة الرئيسة وانتقاله إلى مخيم لا يفرق عن جميع المخيمات الموجودة في المعرض رغم إطلاق اسم الشاعر فؤاد حداد عليه، لكن الكارثة أنه لم يكن مُجهزا بما يليق بالشعر والشعراء الضيوف؛ الأمر الذي جعل الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي يعتذر عن الأمسية مؤكداً أن منظمي المعرض هذا العام رغبوا أن يًنزلوا الشعر من عليائه، في إشارة منه إلى عدم احترام الشعر أو الشعراء المشاركين، وهذا ما أكد عليه العديد من الشعراء ومنهم الشاعر سامح محجوب الذي رأى فيما حدث إهانة له ولغيره من الشعراء، كما كان هناك غياب لبعض الأسماء الشعرية التي حققت الكثير من التراكم الإبداعي المهم، إلا أن إدارة المعرض تجاهلت وجودهم.

ركن الفتاوى

هذه الدورة تميزت بالجناح الضخم الذي خُصص للأزهر الشريف، حيث كان أكبر أجنحة المعرض على الإطلاق، وهو أمر غير معتاد من قبل لمشاركة الأزهر في المعرض، وبمثل هذا الشكل من الضخامة، وهو الجناح الذي ضم عدداً كبيراً من الكيانات الدينية مثل مجمع البحوث الإسلامية، ومجلس حكماء المسلمين، ومرصد الأزهر العالمي، إلا أن اللافت للنظر هو وجود ما يُطلق عليه “ركن الفتوى” الذي يوجد فيه عدد من مشايخ دار الإفتاء المصرية للرد على استفسارات الزوار في المسائل الدينية، وهو أمر مثير للتساؤل والدهشة في رغبة الدولة بربط الثقافة بالدين، أو محاولة بث الدعوة من خلال الوجه الثقافي، وجر الجميع إلى الدين بمفهومه الأزهري رغم حربها على الإرهاب ودعوتها إلى تجديد الخطاب الديني! لعل هذا الاتجاه الذي بات واضحاً من قبل الدولة ورغبتها في وجود الأزهر كمؤسسة لها دور حتى في المجال الثقافي، أو حرص الدولة على التقرب من الوجه الديني الذي يتضح أكثر حينما نعلم أن الدكتور حسام عقل كان من أكثر الناشطين في دورة هذا العام، وهو ممن يعملون في المجال الثقافي والمحسوبين على التيارات الإسلامية، بل وكان من أهم الفاعلين الذين اشتركوا في اعتصام رابعة والنهضة أمام جامعة القاهرة، حيث ألقى الكثير من الخطب النارية، والكلمات العاصفة للإسلاميين المعتصمين ضد الدولة، داعيا إياهم للخروج على الدولة الكافرة وعدم الانصياع لها ودعمهم لحكم الجماعة الإرهابية، وربما كانت ضخامة المشاركات له هذا العام هي ما دفعته للكتابة مزهواً على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: بأحكم ألق، سألني كثيرون من الزملاء والزميلات من المبدعين والإعلاميين عن قائمة مشاركاتي في جدول ندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، وهذا هو الترتيب الأخير لجدول الندوات التي سأناقش فيها نصوصا أو قضايا: الاثنين 29/ 1/ 2018ممناقشة رواية “تابوت الماء” للقاصة “منى منصور” في مخيم اتحاد الناشرين (الواحدة ظهرا)، الاثنين 29 / 1 مناقشة رواية “باب الدنيا” للقاص د محمد إبراهيم طه في المقهى الثقافي (الخامسة مساء)، الأربعاء 31/ 1ندوة بمخيم الإبداع لمناقشة ديوان:”موءودة لا تجيد الصراخ” للشاعر “عبد الناصر الجوهري” (الواحدة ظهرا)، الخميس 1/ 2 مناقشة قضية “القصة الشاعرة والأنواع الأدبية الجديدة” بحضور الشاعر الصديق محمد الشحات محمد، ونخبة من النقاد والمبدعين بمخيم الإبداع (الثانية عشرة ظهرا)، الجمعة 9/ 2 مناقشة الإصدارات الجديدة للشاعر الكبير “عبد الستار سليم” بمخيم الإبداع، جار ٍ تحديد اليوم والتاريخ النهائي لمناقشة رواية “سها مغير شاردة” للدكتور حسن البنداري (سأوافيكم به على الصفحة عقب التحديد)!!

وجود الأزهر ومشاركة الداعمين للإسلاميين بقوة هو اتجاه غير مفهوم سواء من الدولة، أو وزارة الثقافة، والقائمين على معرض الكتاب.

كان الحدث الأهم هذا العام هو مشاركة الجزائر كضيف شرف المعرض؛ وتأتي هذه الأهمية باعتبار أن وجود الجزائر سيؤدي بالضرورة إلى تعريف القارئ المصري بحركة الأدب والثقافة الجزائرية من خلال ناشريهم وعناوينهم التي سيشتركون بها، كما أنها فرصة للتعارف عن قرب على أدبائهم وكتابهم الذين سيمثلون الوفد الجزائري الذي سيكون حريصاً بالضرورة على حضور أهم الأسماء الجزائرية المساهمة مساهمة حقيقية في الثقافة الجزائرية، أي أننا من خلال هذا التمثيل نستطيع معرفة الوجه الثقافي المشرق للجزائر، لكن للأسف كانت التوقعات أكبر بكثير من الواقع ومن ثم حضرت الجزائر الرسمية ولم تحضر معها ثقافتها؛ فازداد جهل الجمهور المصري بها.

إن ما حدث على أرض الواقع كان مخيباً للآمال،إذا ما تأملنا الأسماء السابقة الممثلة للوفد الجزائري ربما نلاحظ أنها تغلب عليها الصبغة الرسمية، أي أن من لهم صفة رسمية هم من يمثلون الجزائر، صحيح أن الشاعر عادل صياد من الشعراء المهمين هناك، ويستحق الكثير من الاحتفاء، كما أن الروائية ربيعة جلطي لها نشاطها الأدبي الملحوظ، ولكن باقي الأسماء لا يعرفها الكثيرون في الجزائر، فما بالنا بجمهور القاهرة؟ كما أن واسيني الأعرج هو من الأسماء الرسمية المفروضة والمكرسة على كل المناسبات الرسمية، أي أن هناك مجاملات على حساب الثقافة الجزائرية التي أخفت الوجه الثقافي الحقيقي للجزائر الممثل في بوعلام صنصال، ورشيد بوجدرة، وجيلالي خلاص، ومحمد ساري، ومحمد مفلاح، وياسمينة خضرا، وكمال داود، مليكة مقدم، ومايسة باي، وأمين الزاوي، وإسماعيل يبرير، والحبيب السائح، وكمال قرور، وسعيد خطيبي، وبشير مفتي، وسمير قسيمي، وعبد الرزاق بوكبة، وعبد الوهاب بن منصور، وغيرهم الكثير من الأسماء الجزائرية المؤثرة تأثيراً حقيقياً في الثقافة الجزائرية.