مكتبة النهضة الشاهدة على أحداث العراق

1٬682

أية منصور  /

فيما تصافح عيناك وجه دجلة وأنت تسير على جسر الجمهورية، تقابلك ساحة التحرير. وعندما تتجه يميناً، ستواجهك المكتبة التي ألهمت آلاف المثقفين وتركت إرثاً رائعاً في قلب المدينة. المكتبة التي كانت، وما زالت، شاهدة على أحداث العراق وحياة شعبه، وهذا ما جعلها ذاكرة معرفية متقدة لحكايات روادها.

بعد عشر سنوات من افتتاحها، تغيّر اسمها الى النهضة العربية، وأصبحت إحدى أهم مكتبات بغداد، وقلبها النابض بالذكريات.
صاحب المكتبة، السيد علي حسين عذافة، وبينما كان يتصفح بين دفّتي روحه صفحات قديمة لجريدة الأهرام المصرية، بحماس، ويعيد ترتيبها لضمها إلى رفوف مقتنيات المكتبة ونوادرها.
قال لي: إن المكتية تأسست على يد الكُتبي عبد الرحمن حيّاوي عام 1966، الذي كان يعمل في مكتبة المثنى، وبعد تقاعده من السلك العسكري، استطاع افتتاح مكتبة النهضة للتوزيع والنشر، ولم تكن مجرد مكتبة لبيع الكتب، وإنما بدأت بالطباعة والنشر في العراق وأغلب الدول العربية.
وبعد عشرة أعوام استطاع الكُتبي هاشم حسين عذافة شراء المكتبة منه، ليصبح اسمها “النهضة العربية” ولينتقل مكانها من شارع المتنبي الى موقعها الحالي في بداية شارع السعدون.
قصة حضارة
علي عذافة بيّن لنا أنه هو الذي تمكن من امتلاكها والمحافظة على وجودها بعد وفاة أخيه هاشم وأنها، منذ تأسيسها، حرصت على ضم جميع أنواع الكتب المعرفية المهمة، ابتداءً من كتب الأطفال وحكاياتهم، الى “قصة الحضارة” لمؤلفها “ديدورات”، إذ أنها تعتبر أكبر مجموعة كُتبية، لكن انحسار الحركة الثقافية في العراق لم يكن في الستينات كما هو اليوم، إذ أن المكتبة صنعت ألقها في العصر الذهبي للعراق.
– كان الوعي أكثر مما هو عليه اليوم، بسبب الحروب التي لم تكن حاضرة في أول بلد دارت فيه عجلة الكتابة، ولو أجرينا مقارنة بين كل عشر سنوات، سنرى أن فترة الستينات لا تقارن بوقتنا الحالي.
“علي”، الذي اعتاد بيع الصحف والمجلات مذ كان عمره سبع سنوات، على الأرصفة وبالأكشاك في الباب الشرقي، بثوبه “البازة”، يؤكد أن المكتبة كانت ضاجّة بالقرّاء والضيوف والمتبضعين، لدرجة أن أخاه كان يطردهم ممازحاً من المكتبة، التي كانت قبلة للكثير من أهم مثقفي وكتّاب العراق.
الجواهري
“كانت النهضة العربية، مكاناً مفضلاً لشاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري، كما كان يزورها عبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف، ولم يكن يدخل العراق وفد سياسي، ويتجاهل زيارتها، وأغلب الوزراء العرب تبضعوا من مكتبتنا.”
ساهمت النهضة في إثراء الإرث الثقافي العراقي بمئات الكتب، وذلك بطبع العديد من الإصدارات في مختلف الصنوف والأبحاث، إضافة الى الترجمات، إذ استطاعت تصدير مجلد “ديستوفيسكي” كاملاً للوطن العربي مذ عام 1984، إضافة الى العديد من السيَر الذاتية والكتب السياسية، لعبد الرزاق نايف، عامر حسن فياض، وكتب غالب الشابندر، وغيرهم من المبدعين، إضافة لأهم الكتب من إصدارات النهضة وهي: محكمة الشعب، محكمة المهداوي، سيرة أعلام النبلاء، الكتب التراثية، وكتاب الأغاني، وكتب الأولياء.
“تمكنا من طباعة أكثر من 60 كتاباً خارج العراق، لكتّاب من خارج البلد.”
كما تحتوي المكتبة على العديد من الكتب النادرة، والمخطوطات، كالطبعات الحجرية، وكتاب رجوع الشيخ الى صباه، الذي يعد من أهم الكتب النادرة وهي بالتأكيد، حسب قول السيد علي، غير قابلة للبيع والتصوير.
ركود
تعد المكتبة مكان العائلة المحبّب، بل يشارك جميع الأبناء في إدارتها وتنظيمها، ويعتقدون أن المشكلة الأساسية التي تعاني منها المكتبة، وجميع المكتبات اليوم، هي الركود الاقتصادي وتوقف الاهتمام الثقافي، الأمر الذي انعكس على المكان بصورة ملحوظة، فيما يشير لي إلى المكان الخاوي إلا من الكتب المكدسة ويخبرني:
-أترين هذا المكان؟ كان ضاجاً، مزدحماً ومليئاً بروائح الكتب والبشر، واليوم هو فارغ إلا من أصحابه.
كانت الكتب العلمية التي تخص الميكانيك والكهرباء والعلوم بصنوفها، إضافة الى الترجمة والقواميس، المطلب الاول في ثميانينات القرن الماضي، لتستولي الرواية حديثاً، وتترك الشعر والقصة وجميع الصنوف الأخرى مركونة في الزوايا.
وفيما نحن نقلّب الصور الموشومة على وجوه الجدران، للكتبي علي عذافة وأخيه، مع عديد من المتبضعين والأصدقاء، وصوراً أخرى مع الكتب، يضيف ويؤكد: أن المنافسة بين المكتبات كانت قوية للغاية كمنافسة شريفة.