منازلُ القمر لعبد الواحد لؤلؤة… تساؤلاتٌ عن مكانة الشعر وتجربة جبرا

737

د.علاء حميد ادريس /

يتساءل عبد الواحد لؤلؤة في كتابه النقدي “منازل القمر” عن مكانة الشعر والادب في الثقافة العراقية: من اين يبدا واين ينتهي؟ ويمر عبر هذه الأسئلة على تحولات الشعر في العراق، دون أن يغفل عن الأزمة القائمة بين الشعر والنقد، إذ يطل على خفايا هذه الازمة عبر ثنائية الاصالة والمعاصرة، فالازمة تدور حول من ينحاز إلى الاصالة في قبالة تبني مقولات المعاصرة، لذلك نراه يبحث عن معاني الاصالة التي وضعوها قبالة المعاصرة في ما نقرا من فيض في النقد ودراساته.
جذرٌ تاريخي
يضع لؤلؤة اعتراضه على ثنائية الاصالة والمعاصرة، في ان اصحاب المعاصرة ليست لديهم كفاية في فهم واستيعاب الاصالة، ويرى ان المعاصرة تبغي ملاحقة التطورات في نظريات النقد لدى الثقافات الاخرى، ثم اسباغها ثوباً مبهرجاً على ما لدينا من إبداع نبت في ارض الاصالة. ويكشف لؤلؤة عن الجذر التاريخي للنقد في الثقافة العربية، فالنقد عند العرب هو ابن عم النقر: تنقر الدرهم والدينار لترى بعين عقلك مقدار ما فيه من ذهب دونه الشوائب، وتنقد القصيدة لترى بعين عقلك ما فيها من ذهب وما شابها من شوائب، وعين عقلك هذه اكتسبت قدرتها على قدر ما قرات ورات من افضل ما كتبه الشعراء منذ هوميروس وحتى يومنا هذا. ان الفحص والتثبت من القصيدة يؤكد الصلة بين النقر والنقد في الثقافة العربية: في النقر نمسك بالدرهم وندور به، وفي النقد نمسك بالقصيدة وندور بها نقراً ونقداً، لا يخرج منها الا ليعود اليها، وكذلك منازل القمر.
صعوبة الكتابة
ينتقل عبد الواحد لؤلؤة من فهم العلاقة بين النقد والشعر، الى قراءة اعمال جبرا ابراهيم جبرا فيتحدث عن صعوبة الكتابة في منجز جبرا، لانه صاحَبَه لاكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ويرى ان تجربة جبرا الادبية متنوعة وغنية، بدات منذ عام 1955 واستمرت لغاية موته عام 1994. يبين لؤلؤة ان لجبرا سبعة كتب في النقد، منها ثلاثة في النقد الفني، اثنان منها بالإنكليزية، وعنده ثلاث مجموعات من الشعر الحر، ولديه ستة كتب في القصص والرواية، اما في مجال الترجمة فإن جبرا كان لديه نتاج غزير وثري، اذ ترجم تسعة عشر كتاباً منها ست مسرحيات لشكسبير وهي ذات قيمة ادبية ونقدية. وحين يركز لؤلؤة على اعمال جبرا الشعرية، يجد انه قد حقق صفة الشاعر، ولاسيما في اعماله الاولى المنشورة (تموز في المدينة/ بيروت 1959، المدار المغلق / بيروت 1964، لوعة الشمس، بغداد 1979).
فرادة التجربة
ما يميز جبرا عند لؤلؤة هو تنوعه في مجال النقد، لهذا يهتم بهذا كثيراً في عرض منجزه، فالكتب السبعة التي اعدها جبرا، خصص منها اربعة للنقد الادبي والفني، وهذه الكتب هي (الحرية والطوفان/ بيروت 1960، الرحلة الثامنة/ بيروت 1967، النار والجوهر/ بيروت 1975، ينابيع الرويا/ بيروت 1979). ويرى (لؤلؤة) من خلال هذه المجاميع الثلاثة ان (جبرا) قد كتب شعره الحر وهو يحمل صفتي الشاعر والناقد، وبذلك يحافظ على فرادة تجربته، وينجح في بناء صورة شعرية مميزة، لهذا يقدم نصاً شعرياً بعنوان (البوق) من مجموعته (المدار المغلق)، الذي يقول فيه:
لو كنت حملت بوقاً على فمي
وبه صيحتي،
لكانت مني حتى النحنحة
خدينة الزئير من الاسد
ولكنني كاهل جبالنا،
مازلت اوثر صيحة
من على الصخرة العليا،
صيحة الحنجرة،
على الة تباع وتشترى
البوق هو النفاق
ينصاع لكل خديعة
تقوم هذه القصيدة على التقابل بين (البوق) و (الحنجرة)، اذ يرى اصحاب الموسيقى ان الحنجرة اكمل وادق الة موسيقية، لانها طبيعية وهي من صنع الخالق، لكن الالات الموسيقية جميعها من صنع الانسان.
كناياتٌ جديدة
يقارن عبد الواحد لؤلؤة في دراسته عن جبرا، بين الشاعر والناقد، في هذا المقام، حين نطالع نصوصه، ففي الشعر الحديث ومن بعده في النقد العربي يوظف مفهومات: الصورة، التضمين، المونتاج، الاسطورة، الرمز، لذلك يذكر لؤلؤة ان النقاد كان لديهم اهتمام بمدى الغموض الموجود في النص الشعري، لانه يمثل عقبة أمام فهم عتبات النص، وهذا في الشعر الحر الكثير منه غير جيد، ربما ثمة سبب اخر للغموض في الشعر الحديث، السبب يكمن في اللغة التي تبدو في بعض نصوص الشعر الحر وكانها ترجمة من لغة اجنبية، ويحيل لؤلؤة اسباب ذلك إلى هاجس الدقة في التعبير، ما يضطر الشاعر إلى خلق كنايات جديدة، الا ان معنى الالتزام يخفف من تاثير الغموض على معاني نصوص الشعر الحر، وهذا ما يلمسه لؤلؤة في قصيدة (زماننا والمدينة)، اولى قصائد ديوان (لوعة الشمس) لجبرا، وفيها:
هناك اراهم على الارصفة الحجر
يتناقشون، يتصايحون،
تحت اقواس البيوت القديمة،
بين باعة الخضار والجلود،
بين الحمّالين، على شفا الوادي
حيث نلعب بين الشوك والاقاحي.