من طَشَّ قصائد مظفر في قلوب العراقيين؟

283

هاشم العقابي/

لو حسبنا عمر مظفر النواب بالسنين سنجد أن ثلاثة أرباعها، أو ربما أكثر، كانت خارج العراق. وحتى تلك التي كانت في العراق عاش غالبيتها بين سجين أو طريد او محاصر، شاعر عاش هكذا. ومن باب المنطق وبحساب الأرقام، لا يصل شعره إلى الناس.
فلا إعلام ولا أحزاب ولا مؤسسات كانت تروج لاسمه أو لشعره. العكس كان تماماً، إذ مر زمن طويل كان الذي فيه يحتفظ بشيء من شعر مظفر يتهم بالخيانة أو حتى يجري تكفيره. كم من عسكري أعدم في زمن البعث لأنهم وجدوا تحت (يطغه) ديوان “للريل وحمد”؟ وكم من فتاة حرمت من الدراسة لأن أخاها “البطل” وجد في دفاترها قصيدة لمظفر تمطر عشقاً؟
هذه الأسئلة لم أجد لها جواباً عند كل الذين كتبوا عن مظفر النواب. والسؤال ذاته حوّل لوعتي بفقدان مظفر إلى نحيب يوم كنت أتابع تشييعه وأنا أرى شباب العراق، وجلّهم من الفقراء، يتجمهرون حول جنازته لتوديعه.
كيف عرفوا به، وكيف وصلهم، هؤلاء الذين حسبتهم، برأيي، من أصدق المشيعين إن لم يكونوا أطهرهم؟ نعم إنهم الأطهر لأنهم لم يحضروا جنازة شاعرهم كي يلتقطوا صورة يتباهون بها على صفحاتهم الإنترنيتية، بل إن طهرهم كان منبعه الحب، الحب الذي تغذت عليه أمهاتهم من قصائد النواب يوم كن عاشقات فأرضعنه لهم.
وأي حب؟
حب: “روحي ولا تكلها شبيج”
حب: “كالولي عنك بالنباعي تفيض وتعنيت ليلة ويا الكمر”
حب: “جفنك جنح فراشة غض”
إنه حب حمد وصويحب وسعود وحجام البريس.
وإن كان الحب في العراق أزلياً، لكن مظفر أضفى عليه طعماً ولوناً مختلفين. صار الحب، بفضله، أغنية جديدة تصاعدت حتى علت النجوم.
نعم، “مرينه بيكم حمد” لم تغنها الشفاه والقلوب، حسب، بل غنتها سماء العراق ونجومه وحدائقه ومدارسه وأنهاره وبساتينه.
اعصبوها برأسي يا حضرات، إن أجزمت بأن قصائد مظفر ما كانت لتُطَشّ في قلوب العراقيين لولا العراقيات العاشقات اللواتي نثرن الدارمي في دروب العراق وحقوله من قبل، ثم أرضعن نسغ الحب الذي ارتوين منه من قصائد مظفر إلى أطفالهن، من بعد.
آه يا مظفر.. فما زالت مرارة فقدانك غصّة في قلبي يا صديقي.