ميثم حاتم وغنوته الجديدة

212

علي الكاتب /

أبحث دائماً في المكتبات عن مؤلفات أدبية أعرف صاحبها مسبقاً، أي قرأت مؤلفاته وأعرف المستوى الذي ينتمي إليه قلمه، لأني لا أريد أن أبذل جهداً مع نص لا يستحق القراءة، ولكن هذا المرة –استثناءً- شدني العنوان، “غنوة جديدة”، لم أسمع في ما سبق بصاحب هذه المجموعة الشعرية، “ميثم حاتم”.
التجأت إلى هاتفي لأبحث في الشبكة العنكبوتية عن صاحب هذا الاسم، الدكتور ميثم حاتم، أستاذ جامعي وإعلامي، وباحث في مجالي الأدب والإعلام. على صفحته في الإنستغرام نشر بعض القصائد التي ألقاها في مناسبات عدة، وكتب بعض الأناشيد التي لُحنت وجرى أداؤها بأصوات مختلفة وبُثت عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية، ولكن هذه المجموعة هي أول عمل أدبي له يُنشر على شكل كتاب.

بدأت بتصفح المجموعة في المكتبة قبل اقتنائها، وجدت فيها أفكاراً جديدة، رغم قول الجاحظ إن الأفكار موجودة من قبل، والأديب عليه أن يعيد صياغتها بقلم جديد، لكن بعض ما وجدته في “غنوة جديدة” كان جديداً من حيث الفكرة أيضاً.
اشتريت المجموعة واستأجرت سيارة أجرة تقلني إلى البيت لعلي أقرأها في فرصة مناسبة إن سنحت، ولكنها كانت تناديني بشكل أو بآخر، وهكذا بدأت القراءة في طريقي إلى المنزل.
ضمن ما شد انتباهي في صفحاتها هي الهوامش، فقد ذكر “ميثم” تاريخ كتابة جميع نصوصه في الهامش، كما تطرق إلى المدينة التي كُتب النص فيها، وفي بعض النصوص أيضاً ذكر المناسبة التي كانت مُلهمة للنص. فأرّخ النصوص من 2005 ولغاية 2022، كُتبت في مدن ومناطق شتى، بعضها عراقية وأخرى إيرانية. فمن الواضح أن الدكتور ميثم حاتم يتنقل بين هذين البلدين باستمرار.
وبالولوج إلى الشكل والقالب، وجدت المجموعة تتنوع بين الشعر الحر وقصيدة النثر وبعض الخواطر الأدبية، التي يُمكن تصنيفها ضمن قصائد النثر أيضاً، وهكذا يظهر ميل الأديب إلى الحداثة بعيداً عن النصوص الكلاسيكية، رغم التزامه بقواعدها بعض الأحيان.

أما المضامين، فعلى الرغم من تنوعها الرومانسي والسياسي والديني، فإنها تحمل في طياتها عشرات الرموز التي تحتاج إلى دراسة معمقة لفكها، ورموزاً أخرى واضحة وضوح الشمس. وهكذا يمكننا أن نقول إن غالبية هذه القصائد تنتمي إلى المدرسة الواقعية مستخدمة الأساليب الرمزية للتعبير.
فمثلاً، وبنظرة عابرة على قصيدة “المنفى”، نجد انعكاس التاريخ، حيث تقص الأحداث التي كانت تحدث حين كتابة القصيدة، من إرهاب موجّه من قبل تنظيم القاعدة آنذاك، ولكن بإمكاننا أن نُعيد قراءتها في عصرنا الحاضر وما شاهدناه إبان هجمات داعش.

ومن الأساليب المستخدمة في هذه النصوص الأساليب السردية، فمثلا قصيدة “طريق المطار” عبارة عن قصة قصيرة وحوار بين الشاعر وشارع المطار، حوار يتحدث عن تلك الحادثة الإرهابية التي أدت إلى استشهاد قادة النصر بأيدٍ ظالمة.
وبتدقيق أكثر نجد أن غالبية القصائد في هذه المجموعة الشعرية هي عبارة عن قصص قصيرة، تتمتع بكل ما تحتاجه القصة من مقومات، وفي كل الأجزاء المهمة التي تكوّن السرد، من الزمان والمكان والشخصيات والأحداث.
وإذا ناقشنا كل محور على حدة، سوف نجد تفاصيل أكثر دقة، فمثلاً في محور الزمان، الذي يعتبر من أهم عناصر السرد، هناك تنوع في جميع تقنياته من الاسترجاع والاستباق والحذف وغيرها من التقنيات السردية.

والحقيقة أننا قلّما نجد قصائد وأشعاراً تقترب إلى هذا الحد من نظام القصة والرواية. وهذا ما يُعطي جمالا إلى تلك النصوص، التي تحفز القارئ على إكمال القصيدة. وهذا ما يفعله الرمز أيضاً، إذ يبقى القارئ يبحث عن مدلولات تلك الرموز التي خبأها الشاعر بقلمه في ثنايا المقاطع والأبيات.
وهكذا وجدت “غنوة جديدة” مجموعة شعرية يجدر الاهتمام بها، وتستحق أن تُدرس، ومن زوايا عدة.