ميسانيون يستذكرون صاحب المكتبة العصرية الحاج حيدر حسين رمز للثقافة والمعرفة في العمارة

70

ميسان / علي بريسم
في الذكرى السنوية لرحيل الحاج حيدر حسين، المعروف بـ “أبو سعد”، صاحب مكتبة “العصرية” في سوق العمارة الكبير بمحافظة ميسان، ذاك الرجل الذي كان منارة للثقافة والمعرفة، وترك بصمة لا تُنسى في ذاكرة أبناء ميسان وكل من ارتاد مكتبته.

مجلة «الشبكة العراقية» استذكرت الراحل مع عدد من محبيه ومثقفي مدينته.
يقول الإعلامي طالب السوداني: تأسست مكتبة العصرية على يد الحاج حيدر قبل عقود، وأصبحت ملاذًا لكل باحث عن العلم والمعرفة، ومقصدًا للأدباء والمثقفين والشباب الطامحين للارتقاء بوعيهم وثقافتهم. لم تكن المكتبة مجرد محل لبيع الكتب، بل كانت فضاءً يجمع بين صفحات التاريخ وقلوب القراء، ومكانًا لتبادل الأفكار والنقاشات الثقافية. تميز الحاج حيدر بحرصه على إثراء مكتبة العصرية بأحدث الإصدارات وأهم المؤلفات. كما كان يستقبل زواره بكرم كبير، وقد حظي بتقدير واحترام العديد من الشخصيات الثقافية والاجتماعية التي زارته في أواخر أيامه للاطمئنان على صحته، ومن بينهم وزير الثقافة ومحافظ ميسان. كان الراحل رمزًا للتواضع والإيثار، إذ دعم العديد من الشباب وألهمهم حب القراءة والتعلم. لقد عرف الراحل بمساهماته الكبيرة في تنمية الحركة الثقافية في المحافظة، وكان وجوده نقطة التقاء لكل من يعشق الكلمة المكتوبة. برحيله فقدت ميسان أحد أعمدتها الثقافية، لكن إرثه الثقافي سيبقى خالدًا في ذاكرة كل من عرفه أو تعامل معه.
شخصية نادرة
أما الصحفي سمير السعد رئيس فرع نقابة الصحفيين العراقيين في ميسان فيقول: في كل مجتمع، هناك شخصيات تتألق بإنسانيتها وتترك بصمتها العميقة في قلوب من عرفوها. واحدة من تلك الشخصيات النادرة كان الحاج والعم حيدر حسين داود (أبو سعد)، الرجل الذي لم ينطفئ نوره رغم رحيله قبل عام. كان الحاج إنساناً استثنائياً بمعنى الكلمة، لا فقط بحكمته ودماثة أخلاقه، بل أيضاً بحبه الخالص للناس وللحياة. كان رجلاً اجتماعياً من طراز فريد، يحبه الجميع، من المثقف إلى الأمي، ومن الكبير إلى الطفل. استطاع بحبه وتسامحه أن يجمع القلوب حوله، وأن يكون نقطة تلاقٍ للجميع في المكتبة العصرية، ذلك المكان الذي حمل عبق روحه الطيبة. رحل جسداً، ولكن حبه وذكراه لا تزال تعيش بيننا. عقلك وقلبك يرفضان تصديق رحيله، وكأن روحه لا تزال تحلق في أرجاء المكتبة، تستقبل الزوار بابتسامته الدافئة وكلماته اللطيفة.
رجل المحبة والتسامح
وأضاف: لقد كان مثالاً للرجل المتسامح، المتصالح مع نفسه ومع الآخرين. شخصية مسالمة محبة، لا تحمل في قلبها إلا الخير للجميع. كان حضوره في المكتبة العصرية أشبه بشعلة حياة تلهم المثقفين من جميع المحافظات.
لقد كان مثالاً يُحتذى به في الأخلاق والقيم النبيلة. رجلٌ آمن أن المحبة والتسامح هما المفتاحان لبناء علاقات إنسانية صادقة، فكان حضوره يضفي السكينة في كل مكان. في زمن قلّ فيه وجود الشخصيات التي تجمع بين البساطة والعمق، كان أبو سعد استثناءً، يُلهم من حوله بالصبر والحكمة والابتسامة التي لم تفارق وجهه. مضيفاً أن العم أبا سعد لم يكن مجرد إنسان مرّ في حياتنا، بل كان نوراً أضاء طريق الكثيرين، وستبقى ذكراه خالدة ما دامت القلوب تنبض بالحب والامتنان. واليوم، ونحن نستذكر هذا الرجل الطيب، ندعو له بالرحمة والمغفرة، ونسأل الله أن يحفظ أولاده ومحبيه، الذين يحملون إرثه في قلوبهم.
مدرسة حياتية
بدوره يستذكر الابن الأكبر سعد حيدر الكتبي، ذكرى رحيل والده فيقول: مرت أكثر من سنة لم نعتد هكذا فراق، ولم نبتعد عنك إلا لأيام معدودة نحن فيها على سفر، الآن ياوالدي هو الفراق الأبدي، وما هذه الدنيا بدار قرار، ولكني (أجلت نعيك كي أكذب مأتمك، وبقيت رغم الموت أرقب مقدمك)، اشتقت لأب لن يرجع أبداً، ةفقدت الجدار الذي استند عليه، فقدت نبع الحنان، بوجوده كنت لا أحتاج لغير الله، كنا نخفض أصواتنا كي لا يفيق من قيلولته ولكن مثل هذا اليوم صرخنا بأعلى أصواتنا ولم يستيقظ أبداً، أنت ياوالدي مدرسة حياتية تعلمنا فيها الكثير.
بفقدك يا والدي نحن نقول: (لو أمطرت ذهباً من بعد ما ذهبا/ لاشيء يعدل في هذا الوجود أبا).نم قرير العين يا والدي وأنت عند رب غفور رحيم كريم فقد تركت ذكراً طيباً جعلنا نتباهى بك حياً وميتاً.
ذكريات ومواقف
الكاتب والروائي جمعة اللامي ذكر أن على رأس جدول زيارته للعمارة بعد غياب طويل، الدخول إلى شارع المعارف من دون أن يصطحب معه أحداً، وزيارة المكتبة العصرية، والمرور على كنيسة أم الأحزان ومحلة التوراة .
يقول : كانت لحظات عاطفية مشبعة بالحنين والتوتر حقاً.
ففي هذا الشارع “ولدتُ ثقافياً”، وبين الأزقة المتفرعة عنه والمفضية إليه، ثمة ذكريات ومواقف وصداقات لا يمكن أن تمحى أبداً.
دخلت المكتبة العصرية حذراً. هناك وجدت سعداً. لم يعرفني أول الأمر، لكنه بعد دقائق كشف لهجتي فنادى علي باسمي.
مر وقت قصير، ووصل أبو سعد إلى مكتبه، وما إن سلمت عليه حتى أخذني معانقاً : أنت جمعة اللامي.
بعدها هبطت سكينة ماسة العراق: ميسان، على قلبي.
لقد عدتُ ، يا جدي درويش.
لقد عدت يا جدي سيد محمد المشكور.
لقد عدت أيها الأهل.