هل انتهى عصر تقديم الكتب؟

859

رجاء الشجيري/

تقديم الكتاب ومؤلفه.. هل هو دعاية ترويجية مسبقه أم هو التفاتة مهمة تسلط الضوء لماهية الكتاب؟ وهل التقديم مصادرة مسبقة تفرض سطوتها على المتلقي دون وجه حق أم هو هوية تعريفية بكامل أمانتها ومصداقيتها؟ وأيهما أهم التقديم من اسم معروف ومشهور يدلي به أم المؤلف ومنجزه وقيمته التي تعلن عن نفسها للمتلقي؟

أسئلة وجدل يثار، لكنه حسم في الثقافة الغربية لصالح التخلي عن فكرة كشفت أنها لاتخرج عن إطار دعاية لمضمون كان الأجدر أن يكون هو المبشر الوحيد عن ذاته.. (الشبكة) أثارت هذا الموضوع الذي شغل الأوساط الأدبية من دون أن تحسم موقفها منه…

قد يكون خديعة أو سوطاً

الكاتب جواد غلوم يرى التقديم بقوله: لم أمقت نوعاً كتابياً مثلما أمقت كتابة المقدمات على التآليف التي يصدرها كتّابها وكأنها دفع إرغامي للقراءة، وهذا بعيد جداً عن القراءة الانتخابية التي يختارها القارئ الفاحص وفق ذوقه واهتمامه ورغباته، وأرى أنها بالضد من نزعات الرغبة في اختيارات القارئ، إنها أشبه بترويج بضاعة يراد لها أن تتسع، وقد تكون خديعة أو سوطاً يدعوك إلى ما لاتريد أن تهدف إليه — وعلى المؤلف الاّ يستعين بمبشر لكتابه، فنتاجه هو المبشر الأحق، وهو وحده — اي الكاتب — المرآة الصادقة الحقيقية له ولما يقدمه عقله دون الاستعانة بهذا وذاك لفتح مصاريع الكتابة للقارئ.

ثقافة تعاني أمراضاً سريرية

الشاعر والإعلامي قاسم سعودي يصرح بمنتهى الدقة والجرأة اذ يقول: الأمر يبدو شائكاً في معرفة أهم الأسباب التي تدعو المؤلفين لذلك، لكن فلنستدعِ الأصوات الشعرية الحاضرة في التاريخ العربي، وللنظر جيداً إلى المبشرين والدعاة لكل شاعر آنذاك، ثم نحاول معايشة اللحظة الشعرية الآن، نعم ربما قلّت تلك الممارسات بشكل ما، لكننا نجدها واضحة في بعض الأصوات الشعرية الشبابية التي تتعكز على مقدمة شاعر ما يمتلك شهرة وتجربة وحضوراً إعلامياً واضحاً، وربما تطلبُ منه ذلك بطرق براغماتية أو جاهلة، تحاول القفز على آليات الحضور والتلقي والتفاعل الثقافي الحر، أو تلك التجارب التي لم تنضج بعد والتي تسعى جاهدة الى تقليل مساحة الرؤية لدى المتلقي ، من خلال طرح بعض الإشارات النقدية أو الانطباعية الجاهزة، والتي لا تغدو كونها مجرد أقاويل تبتعد عن الوظيفة الجمالية للشعر ولقيمته الإنسانية والحضارية، أكتب هنا عن الشعراء لأن أغلب المقدمات تكتب لمجموعات شعرية، وهذا لا نجده في الرواية مثلاً وبشكل قليل في المجموعات القصصية، نعم إنها حصيلة ثقافة تعاني أمراضاً سريرية حاضرة في الزمان والمكان، والتي نأمل أن نقلل من تمظهراتها الآيدليوجية والاجتماعية والثقافية، حسناً فليكتب لك الشاعر المضيء والمبدع والاستثنائي، ثم ماذا بعدها، نصّك الشعري فقط هو من سيبقى، ولا ننسى أن الذائقة الجمالية للمتلقي العراقي متماسكة رغم كل شيء.

تضرّ إذا فقدت معايير الكشف النقدي

الروائي حسن البحار يرى أن كُل كتاب له خصوصية معينة تعتمد على أكثر من معنى وتأويل، ولا يختلف الأمر على كتّاب النصوص الإبداعية وإن ابتدأ النص من العنوان حتى النهاية تكون للقارئ فسحة خاصة لطرح رأيه في ما كان فيه مسافراً من كلمات ولغة وغاية ورسالة وطريق وهدف، ولا يختلف الأمر عن المقدمات داخل هذه النصوص، فماهية المقدمة دائماً ما تكون محبطة جداً للقارئ أو العكس؛ إذ نقرأ أحياناً بعض عبارات زجّت زجّاً نجد فيها المبالغة المملة والمجاملة التي تصل بنا حد الضحك على الكاتب نفسه، في أخرى تكشف لنا المقدمات ما يمكن لنا أن نحترم الكتاب نفسه وصولاً للكاتب الذي نحن بصدد السفر بين سطوره. على المؤلف الحاذق أن يأخذ بعين الاعتبار أن القارئ يختلف بالذكاء كثيراً عنه وعن مقدمته، وعليه أيضاً أخذ الدروس والعبَر من الذين أخفقوا في المقدمات. ربما يكشف من كلامي السابق أنني بهذا أكون قد انتهيت إلى القول أن المقدمات تضر بالكتاب؟ نعم، إذا كانت تفقد معايير الكشف النقدي أو الإيضاح المبرر للكتاب والغاية، ولكن بعض المقدمات تكون لها أهمية قصوى داخل الكتاب الإبداعي تنفع القارئ قبل الباحث أحياناً. نعم وتعتمد نوع المقدمة؟ مميزات كاتبها؟ وعلى من كتبت؟ ولمن؟ إن تحقق الفعل _المقدمة _الحدث _الانبهار والدهشة والمتعة والمعنى _تكون للمقدمات ميزة إضافية للنص الإبداعي، عكس ذلك تكون ترهلاً واعوجاجاً في مسار المتعة فيكون الكتاب مملاً وقابلاً للنسيان.

اشتريت كتباً بسبب التقديم

تقديم الكتاب، أي كتاب، مهم جداً فهو المفتتح الذي يؤدي غالباً إلى قراءة الكتاب، هذا ما قالته الصحفية والكاتبة نرمين المفتي. وتضيف: قد يكون كاتب هذا التقديم باحثاً في الموضوع نفسه الذي يبحث فيه الكتاب أو يكون ناقداً، إن كان الكتاب ديواناً أو رواية أو أي عمل أدبي آخر في كل الأحوال. شخصياً، كقارئة، يهمني تقديم الكتاب كثيراً حتى لو كنت أعرف المؤلف أو الباحث وسبق أن قرأت له.. التقديم يقودني إلى القراءة من دونها، وهنا تأتي أهمية اختيار المقدِّم الذي يعرف كيف يختار كلماته وفقراته ليجذب القارئ. و أعترف أنني اشتريت كتباً بسبب التقديم المنمّق إلا أنني وجدت بعد ذلك أن الكتاب المقصود غير ذي أهمية، هذه نقطة فاصلة تقودنا إلى أهمية ومصداقية التقديم.

التقديم سلاح ذو حدين

أ.د.محمد جواد حبيب البدراني، البروفسور في النقد وموسيقى الشعر جامعة البصرة، كان له رأيه الآتي: تعد المقدمات المدخل الذي يلج منه المؤلف إلى ذهن القارئ ليوضح فيه طريقته في الكتابة وأهمية الموضوع الذي تناوله والعقبات التي واجهته فضلاً على عرض موجز لما يضم الكتاب من فصول ومباحث.

ظهرت مؤخراً ظاهرة التقديم، وهي سلاح ذو حدين، إذ يقدم أحياناً الأستاذ كتاب طالبه الذي في أصله رسالة أو أطروحة أشرف عليها أو عمل آخر لاينتمي لهذا النمط، وهذا أمر مستحسن ولا بأس به كي يوضح أهمية الدراسة وجِدّتها وجدّيتها ويقدم للجمهور باحثاً يضع خطواته الواثقة الأولى في مسار البحث العلمي الرصين، وهذا نوع من تواصل الأجيال واستمرار المعرفة ويساعد المتلقي على الانتقاء في ظل فوضى النشر، ويجب أن يتسم بالموضوعية وينأى عن المجاملة كي يحافظ على مكانة المقدِّم والمقدَّم (بكسر الدال وفتحها).

وهناك نوع آخر لجأ إليه بعض الكتاب، بل وبعض من يكتبون نصوصاً إبداعية في الشعر والسرد، هو أن يكلفوا كاتباً أكثر شهرة ليكتب تقديماً دعائياً لكاتب مغمور، وفي أحيان كثيرة يفتقر العمل إلى مقومات الإبداع، بيد أن صاحب التقديم يشيد بالعمل تحت ضغط إغراءات شتى، وهذا برأيي المتواضع لا يختلف كثيراً عن الإعلانات الفجّة التي تستثمر العري أو الإغراء لخداع الملتقي ببضاعة كاسدة..