يافعة يوسف ناني: الروس مهتمون بتعلم العربية

426

هند الصفار/

ولدت‭ ‬يافعة‭ ‬يوسف‭ ‬ناني‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬لعائلة‭ ‬مسيحية‭ ‬موصلية‭ ‬الأصل،‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬منحة‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬فأكملت‭ ‬دراسة‭ ‬البكالوريوس‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬الروسية‭ ‬بجامعة‭ ‬موسكو،‭ ‬ثم‭ ‬أكملت‭ ‬دراستي‭ ‬الماجستير‭ ‬والدكتوراه‭ ‬بالترجمة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبورغ‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬وأصبحت‭ ‬التدريسية‭ ‬العراقية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدراسات‭ ‬الشرقية‭ ‬عام‭ ‬1985‭.‬

‭ ‬تقول‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭: “‬لقد‭ ‬أحببت‭ ‬اللغة‭ ‬الروسية‭ ‬رغم‭ ‬صعوبتها‭ ‬وحاولت‭ ‬الاختلاط‭ ‬مع‭ ‬الروس‭ ‬كثيراً‭ ‬لإتقان‭ ‬لغتهم‭ ‬والتخصص‭ ‬فيها‭.”‬

تزوجت‭ ‬ناني‭ ‬واستقرت‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬لكنها‭ ‬ظلت‭ ‬تحاكي‭ ‬عراقيتها‭ ‬وتحاول‭ ‬إظهار‭ ‬الصورة‭ ‬المميزة‭ ‬عن‭ ‬العراق،‭ ‬وحتى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدريسها‭ ‬للترجمة‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الى‭ ‬الروسية،‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إظهار‭ ‬الفلكلور‭ ‬العراقي‭ ‬والحياة‭ ‬البغدادية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مادة‭ ‬اللهجة‭ ‬البغدادية‭.‬

تكريم‭ ‬جديد‭                                    

في‭ ‬يوم‭ ‬الترجمة،‭ ‬أقامت‭ ‬جمعية‭ ‬المترجمين‭ ‬العراقيين‭ ‬احتفالاً‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬وقامت‭ ‬بتكريم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المبدعين،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنهم‭ ‬الدكتورة‭ ‬يافعة‭ ‬يوسف‭ ‬ناني‭.‬

عن‭ ‬ذلك،‭ ‬يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬قاسم‭ ‬الأسدي،‭ ‬رئيس‭ ‬الجمعية‭ : “‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التكريم‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬الجمعية‭ ‬ترعى‭ ‬مبدعيها‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والمترجمين‭ ‬ولا‭ ‬تنساهم‭ ‬أبداً‭.”‬

من‭ ‬جهتها،‭ ‬أعربت‭ ‬ناني‭ ‬عن‭ ‬اعتزازها‭ ‬بهذا‭ ‬التكريم‭ ‬وقالت‭: “‬لم‭ ‬أتوقع‭ ‬هذا‭ ‬التكريم‭ ‬أبداً،‭ ‬أنا‭ ‬ممتنة‭ ‬جداً‭ ‬للجمعية‭ ‬ولتقديرها‭ ‬الجميل‭ ‬لي،‭ ‬وهو‭ ‬تكريم‭ ‬مهم‭ ‬جداً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬جمعية‭ ‬عراقية‭.” ‬مشيرة‭ ‬الى‭ “‬أنها‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬تكريم‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬الدراسات‭ ‬الشرقية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بطرسبورغ‭ ‬وآخر‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬الوثائق‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭, ‬كما‭ ‬حصلت‭ ‬–ولمرتين‭- ‬على‭ ‬تكريم‭ ‬من‭ ‬المؤسسة‭ ‬المصرية‭ ‬الروسية‭ ‬للعلوم‭ ‬والثقافة‭..”‬

يحبون‭ ‬العربية‭                         

وبينت‭ ‬ناني‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬صعبة‭ ‬على‭ ‬الطلبة‭ ‬الروس،‭ ‬لأنها‭ ‬اعتمدت‭ ‬أساليب‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬تدريسها،‭ ‬ولكون‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬لغتها‭ ‬الأم‭ ‬فإنها‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تحبب‭ ‬الطلبة‭ ‬فيها‭.‬

وتعتقد‭ ‬ناني‭ ‬أن‭ “‬تجربتها‭ ‬كانت‭ ‬ناجحة‭ ‬جداً،‭ ‬وهذا‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬الإيجابية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬طلبتها،‭ ‬وهناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حافز‭ ‬لدى‭ ‬الروس‭ ‬لتعلم‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬قراءة‭ ‬القرآن‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬وظائف‭ ‬وفهم‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭.”‬

مع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنها‭ ‬تشير‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬معوقات‭ ‬في‭ ‬عملها‭: “‬هناك‭ ‬معوقات‭ ‬كثيرة،‭ ‬أولها‭ ‬وأهمها‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬المستعربين‭ ‬لا‭ ‬يحبون‭ ‬العرب‭, ‬وكل‭ ‬ماهو‭ ‬عربي،‭ ‬لذا‭ ‬حاولت‭ ‬–وأحاول‭- ‬أن‭ ‬أوضح‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬للطلاب‭ (‬قبل‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭). ‬الكلام‭ ‬هنا‭ ‬كثير‭ ‬ولايكفي‭ ‬الورق‭ ‬لشرحه‭. “‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬لقاءات‭ ‬سابقة‭ ‬بطلبتها‭ ‬أكدوا‭ ‬أنهم‭ ‬يحبون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وأن‭ ‬درس‭ ‬الترجمة‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬يافعة‭ ‬يوسف‭ ‬هو‭ ‬درس‭ ‬مميز‭ ‬جداً،‭ ‬وقد‭ ‬تبينت‭ ‬درجة‭ ‬إتقانهم‭ ‬للعربية‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬عند‭ ‬الحوار‭ ‬معهم،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬إجاباتهم‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬وهم‭ ‬طلبة‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬فقط‭.‬

تمييز‭ ‬روسي‭                       

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬العراقيين‭ ‬والعرب‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬صعباً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أساليب‭ ‬الحياة‭ ‬وتعامل‭ ‬أبناء‭ ‬البلد‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأجانب،‭ ‬ولاسيما‭ ‬اذا‭ ‬كانوا‭ ‬يحصلون‭ ‬على‭ ‬مناصب‭ ‬وظيفية‭ ‬حكومية‭.‬

تقول‭ ‬ناني‭ ‬إنها‭ “‬تعاني‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬معاملة‭ ‬بعض‭ ‬الزملاء‭ ‬الروس‭ ‬لها‭ ‬لكونها‭ ‬عربية‭ ‬وتدرس‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ابنتها‭ ‬التي‭ ‬أكملت‭ ‬الدكتوراه‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أيضاً،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬جنسيتها‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تحملها‭ ‬أصلاً‭ ‬من‭ ‬والدها‭ ‬الروسي،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬درعاً‭ ‬لها‭ ‬لحمايتها‭ ‬من‭ ‬التهكمات‭ ‬عليها‭ ‬وحرمانها‭ ‬أحياناً‭ ‬من‭ ‬المشاركات‭ ‬الخارجية‭ ‬بدعوى‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬عرقاً‭ ‬أجنبياً‭.”‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬التمييز‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العرب،‭ ‬كما‭ ‬يبدو،‭ ‬لكنه‭ ‬سمة‭ ‬بشرية‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬الى‭ ‬بلد‭ ‬معين،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الديانة‭ ‬واحدة‭. ‬فكل‭ ‬شخص‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬يميزه‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬ليتعالى‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬ويتعامل‭ ‬معهم‭ ‬بعنصرية‭ .‬

إن‭ ‬أهم‭ ‬مايميز‭ ‬تجربة‭ ‬ناني‭ ‬هو‭ ‬كمّ‭ ‬المشاركات‭ ‬السنوية‭ ‬لإحياء‭ ‬يوم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبورغ،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬الدكتورة‭ ‬أمالي‭ ‬بكتابة‭ ‬سيناريوهات‭ ‬أفلام‭ ‬ومسرحيات‭ ‬وأوبريتات‭ ‬عربية‭ ‬قصيرة‭ ‬ينفذها‭ ‬الطلبة‭ ‬أنفسهم،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الطلبة‭ ‬أصبحوا‭ ‬يعدون‭ ‬أفلاماً‭ ‬كوميدية‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭.‬

كما‭ ‬قدمت‭ ‬الدكتورة‭ ‬يافعة‭ ‬يوسف‭ ‬بحوثاً‭ ‬ومقالات‭ ‬وألفت‭ ‬كتباً‭ ‬تخص‭ ‬العربية،‭ ‬وعن‭ ‬أهم‭ ‬مؤلفاتها‭ ‬تقول‭: “‬لربما‭ ‬هي‭ ‬المؤلفات‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ (‬الوثيقة‭) ‬البحرينية‭, ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬المادة‭ ‬مأخوذة‭ ‬من‭ ‬الأرشيفات‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬للقارئ‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ (‬زمن‭ ‬البيروسترويكا‭ – ‬إعادة‭ ‬البناء‭)‬،‭ ‬هذه‭ ‬المؤلفات‭ ‬للقارئ‭ ‬العربي‭. ‬أما‭ ‬بحوثي‭ ‬عن‭ ‬الفلكلور‭ ‬العراقي‭ ‬واللهجة‭ ‬البغدادية‭ ‬فهي‭ ‬مهمة‭ ‬للقارئ‭ ‬الروسي،‭ ‬الذي‭ ‬يهتم‭ ‬أيضاً‭ ‬بالمخطوطات‭. ‬ولا‭ ‬أكتب‭ ‬بحثاً‭ ‬أو‭ ‬مؤلفاً‭ ‬لا‭ ‬أحبه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كتباً‭ ‬تدريسية‭ ‬جرى‭ ‬تأليفها‭ ‬لتدرس‭ ‬ضمن‭ ‬مقررات‭ ‬الكلية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبورغ‭”.‬

يافعة‭.. ‬بابتسامتها‭ ‬وروحها‭ ‬العراقية‭ ‬غرزت‭ ‬نبتة‭ ‬جميلة‭ ‬وصورة‭ ‬رائعة‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬روسيا‭. ‬إنها‭ ‬صورة‭ ‬امرأة‭ ‬مثقفة‭ ‬عراقية‭ ‬بإطار‭ ‬روسي‭ .‬