21 عاماً على سقوط النظام الدكتاتوري.. الثقافة العراقية.. من هيمنة السلطة إلى رحاب الأفق الإنساني

166

زياد جسام/
لا شك في أن السياسة تمثل مصنع القرار، وهي المسؤولة عن إدارته التنفيذية. ولهذا فإن التغيير الذي يطرأ على السياسي يطرأ كذلك على الثقافي والاقتصادي والتعليمي وغيرها.. وهنا نتساءل كيف يرى المثقف العراقي جوهر ومظهر الحياة الثقافية بعد تغيير النظام السياسي منذ 2003 وحتى الآن؟ هل أصبح الخطاب الثقافي العراقي معبّراً عن إشكاليات الواقع وتحديات الحاضر؟ هل نمتلك تغييراً ثقافياً حقيقياً على مستويات النصوص الإبداعية المكتوبة والمرئية والمسموعة والفعاليات؟
أجابنا على هذه التساؤلات بعض المثقفين والفاعلين في هذا الحقل المهم، ومنهم رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتّاب علي حسن الفواز، الذي قال إن “صدمة التغيير ما بعد 2003 شكلت مفارقة في الوعي الثقافي، وفي نظر المثقف لمفاهيم السياسة والحرية والديمقراطية، وللصور الذهنية التي ينبغي تمثلها، لأن التاريخ العراقي كان طارداً وقاسياً، وهو طردٌ ارتهن الى سلطة السياسي والآيديولوجي، وحتى الثوري. لكن التحول العاصف في مسار التمثيل السياسي وإدارته، انعكس بشكل كبير على الثقافي، وربما أطلق العنان للمتخيل الثقافي للبحث عن التعويض والإشباع الرمزي، وحتى الآيديولوجي، لكن ذلك لم يكن سهلاً، فالاصطدام بالواقع، وبطبيعة القوى الجديدة كان باعثاً على إثارة أسئلة جديدة، تخصّ التداول لمفاهيم الثقافة والحرية التاريخ، ولمسؤولية المثقف في التعاطي مع إشكالاتها، على مستوى وعي الحرية الصاخب، وعلى مستوى التوافق حول ثنائيات الممنوع والمسموح والتابو والمقدس، وحتى على مستوى نزع المعطف الثقيل من السياسي القديم، وهذا ما يجعل النظر الى المتغير الثقافي رهيناً بواقعية ذلك المتغير، وبمدى القدرة على استجابته للتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية. فبقدر ما أنه سيظل موضوعاً مفتوحاً لـ (الاختلاف والمطابقة)، فإنه سيظل مُشرَعاً للحلم الإنساني وللنضال الثقافي من أجل أن يكون الفاعل الثقافي حاضراً، ومساهماً في صياغة العقدين الاجتماعي والسياسي الجديدين، وفي ترسيخ أسس الأمن الثقافي والتنمية الثقافية بوصفها من أكثر الحاجات التي برزت أهميتها بعد 2003.”
نتاجات المثقف
أما القاص والروائي عبد الستار البيضاني، فكان يتوقع أن يكون للخطاب الثقافي دور في صياغة عراق ما بعد 2003، لكون الرموز البارزة للمعارضة العراقية قبل هذا التاريخ رموزاً ثقافية أكثر منها سياسية.. وقال “كان المواطن المعارض، او الموالي للنظام، يتعاطى مع نتاجات المثقف المعارض أكثر من خطابات السياسي -باستثناءات ضيقة في المعارضة الكردية والإسلامية – ولاسيما قبل كارثة احتلال الكويت، لكن المفاجأة أنه بعد سقوط الدكتاتورية وجدنا المثقف العراقي بلا مشروع ثقافي وطني لما بعد الدكتاتورية، فقد عجزوا حتى عن تولي إدارة الاتحادات والنقابات الثقافية، وتركوها لأشخاص طارئين او هامشيين من خارج الأوساط الثقافية، ما جعل الخطاب الثقافي يخضع لفوضوية واقع ما بعد الدكتاتورية، على مستوى الأفراد والمؤسسات، فالجميع انشغل بالماضي على نحو تعبوي سطحي لكشف جرائم تلك المرحلة، مثل الحروب والحصارات والقمع والمقابر الجماعية، من دون أي التفات الى المستقبل، كما أسهمت تداعيات ما بعد 2003، مثل الحروب الطائفية وداعش، وبعض الحكومات الفاسدة، في عجز المثقف عن التفاعل، وفاقمت هشاشته وضعفه أمام إغراءات السياسي والسلطة عموماً، فتواطؤ المثقف مع كل هذا جعل من خطابه لا أثر له.”
الإحساس بالمواطنة
فيما كان للكاتب والناقد د. جمال العتّابي رأي مختلف، فهو يرى أن “المثقف العراقي يواجه أزمة إخفاق في الاندماج بالواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي الجديد، تدفعه أحياناً الى العزلة أو الصمت، أو اللامبالاة، وأحياناً الهرب من هذا الواقع الجديد، إنها ازمة الإحساس بتراكم الخيبات السياسية.” العتابي أضاف: “من المفارقات أن عهد ما بعد الاحتلال تعامل مع الثقافة كنشاط هامشي، ووزاراته خضعت للمحاصصة المقيتة التي تركت أثرها السلبي الخطير على فعالية المؤسسة، فضلاً عن سوء اختيار بعض الإدارات. المثقف العراقي نفسه يعاني اليوم -بوصفه إنساناً ومواطناً- من أزمة ضعف الإحساس بالمواطنة، وأزمة هوية، من المؤسف أن نرى تشكيلات عشائرية استطاعت أن تنظم نفسها، وتعيد ترتيب أوراقها لتكون قوى فاعلة ومؤثرة في المجتمع، بينما ظل المثقف العراقي يعاني من حالة التمزق والتشظي. لقد بات من الضروري أن تسهم الثقافة بوعي ومسؤولية في صياغة الأطر المعرفية والإجرائية لما نسميه بالستراتيجية الثقافية للمجتمع والدولة في العراق، بوصف أن الثقافة تمتلك قيمة رمزية ومعرفية ومكانة خاصة في البنية الاجتماعية والسياسية والتاريخية لأي مجتمع حديث.”
إبداعات مرئية
من جانبه، يرى الروائي والمترجم زيد الشهيد أنَّ “التغيير الكبير الذي حصل بعد2003 فتح آفاقاً واسعةً للثقافة العراقية كي تأخذ دورها التاريخي المنوط بها كما يُفترَض، التي ظلّ المثقف العراقي يتطلَّع وينتظر انفتاحها كي يقول ما يريد، ويكتب ما يسعى لأجله.” مضيفاً: “دخولاً إلى الميدانِ الثقافي الحالي والتطلّع إليه بعينِ فاحصٍ ومُقيّمٍ يضعنا أمام محصلّة تقرُّ بأنّ الأرض التي يقف عليها المثقف مازالت غير ثابتة؛ بل مُترجرجة تتطلَّب الاستقرار السياسي الذي يمنحها شهادة الاستمرارِ في رسالتِها الإنسانية. فبدون هذا الاستقرار تبقى الثقافة مثل سفينة في محيط غائم الفضاء مجهول الأفق. صحيح أنّ الأدب، وهو الحقل الذي أحرث أنا فيه، فُتحت أمامه الأبواب وورِبَت الآفاقُ وأصبح ما يُنشر وما تدفع به المطابع كثيراً ووفيراً، لكنّه لم يبلور الأدب العراقي الذي يمثل مرحلته؛ لعلّ أحد أسباب ذلك هو تهافت الأحداث وتواليها الكثيرِ والسّريع هو ما يجعل المثقف / الأديب يعيش حالة اللاتوازن وعدم التقاط الأنفاس ليتّجه ويقدّم ما يريد جعله تجربة يُعتد بها ومرحلة يُشار إليها، وهذا ما ينسحب أيضاً على الحقول الثقافية والمعرفية في مجال الإبداعات المرئية والمسموعة على السّواء.”