التزيّن والماكياج في الحضارات القديمة

1٬148

ريا عاصي /

بحث الإنسان دوماً عن التميز والجمال، نجد ذلك واضحاً جداً في الأزياء وتنوعها وجمالياتها من حضارة لأخرى، وكان توّاقاً ليبرز نفسه وجماله من خلال بهرجة أزيائه وإضافة الحلي إليها.

أول من عرف الحلي والزينة هم شعوب الحضارات القديمة، فقد استخدم الإنسان القلائد في البدء من أنياب الحيوان ليجعل منها تميمة وأيقونة تحميه من وحوش الغابة والحيوانات الضارية، من ثم تختّم بخاتم بعد اختراعه الكتابة ليكون خاتمه هو الختم الذي يوقع من خلاله عقود البيع والشراء بعد ظهور أول قانون بشري (قانون الملكية لاورنمو، 3500 ق.م). ثم ظهرت الأساور التي كانت تعبر عن طبقية تلك المرحلة، فالأساور ذات الأقفال للجواري والعبيد هي الحجول والخلاخيل، أما التيجان والأقراط فكان يلبسها النساء والرجال من علية القوم وأغنيائهم فقط، وبذلك أصبحت الحلي إداة لتمييز البشر طبقياً، ومازالت بعض القبائل الإفريقية تميز بعضها بعضاً بالحلي والقلائد والأقراط، وبعض علامات الكي على الوجه حتى يومنا هذا.
أما الماكياج وفنونه، فقد تميزت الحضارات القديمة بطرق الماكياج المختلفة، وبالطبع فإن البيئة المحيطة هي من جعلها تختلف من مكان لآخر.

الماكياج في حضارات وادي الرافدين
برزت زهرة البابونج بشكل كبير في الحضارات العراقية المتعاقبة باختلاف الممالك المتعاقبة، كحلية وزينة لأثوابهم، كما استخدمت أيضاً كمرهم ومطري للجلد. وفي آشور استخدمتها النساء لتغيير لون الشعر وصبغته.
كما استخدم الرجل لحاء الشجر لتلوين الشفاه وابرازها بشكل واضح، ومازال ذلك يُستخدم في الأرياف والمناطق الشعبية، وتطلق عليه النساء اسم: الديرم، وهو لحاء شجر الجوز لصبغ اللثة والشفة.
أيضاً استخدم رجال وادي الرافدين الكحل بشكل كبير، ونجد ذلك بارزاً في المنحوتات والرقم الطينية التي تظهر الرجل وقد تكحل بشكل ظاهر ليبرز عينيه بشكل أوسع. وقد كان ذلك حكراً على رجال الملك وكاهن المعبد باعتبارهم العين الحارسة والمراقبة للبشر، وعند مختلف الممالك المتعاقبة في وادي الرافدين نجد أن صور جلجامش وكوديا وحمورابي وشلمنصر وكل ملوك تلك الحقب المختلفة قد تكحلوا، ويعتقد بأنهم قد استخدموا زيوت الغزلان المحروقة مع خليط من مطحون حجر الإثمد الذي استخدمته شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والجزيرة العربية لاحقاً، لكن في منحوته لشبعاد ولابو يتبين أنهن تزينَّ كذلك بالكحل ورسمن حواجبهن بنفس المادة كما يعتقد.

الفراعنة
تميزت الحضارة الفرعونية، وبتتابع ممالكها، بفن الماكياج. فلم يكتفوا فقط بتزيين عيونهم بالكحل بل ذهبوا لأبعد من ذلك، إذ نجد أنهم أضافوا فن ظلال العين للماكياج باستخدامهم للون الأخضر المسمى “الملكيت”، وهي عجينة خضراء زاهية اللون مصنوعة من النحاس. كما قاموا بمزج اللوز المحروق والرصاص المؤكسد وخامات النحاس بألوان مختلفة مع الرماد وخامات الرصاص لصنع الكحل، حيث كن يزينّ به أعينهن على شكل لوزة، وكانت النساء يضعن مستحضرات التجميل الخاصة بهن في صناديق خاصة بالماكياج ويضعنها تحت كراسيهن. كما اشتهرت الملكة نفرتيتي بتزجيج حاجبيها، إذ كانت تضع مسحوق التزجيج الخاص بالسيراميك بعد أن تخلطه بمجموعه من الشحوم الحيوانية ليبرز حاجبيها بشكل واضح جداً في جبهتها.

الرومان
استخدم الرومان التوت البرّي لإضافة الحمرة لشفاههم، وكان يستخدمها الرجال والنساء منهم على حد سواء. وحاولت النسوة حينها زيادة بياض أجسامهن، فخلطن العديد من مساحيق الحنطة بالإضافة لأنواع من الزهور البيض للحصول على بشرة أشدّ بياضاً من الرجل.
الإغريق
كان اليونانيون يقومون بتبييض بشرتهم باستخدام الطباشير أو بودرة الرصاص، كما قاموا بصنع أحمر شفاه خام مستخدمين مزيج الطين الأحمر، والذي كان يحوي الحديد الأحمر بنسبة كبيرة.

الصين
أبرز مادة استخدمها الصينيون كانت طلاء الأظافر، إذ استخدمت الطبقة الحاكمة اللونين الذهبي والفضي، والأسود والأحمر، وكانت حكراً لهم. ولا يسمح باستخدام هذه الألوان لبقية طبقات الشعب. وقد تم استخلاصها من الصمغ العربي وشمع العسل والبيض والجلاتين. وكان أبرز ما ميّز الصينيين واليابانيين في تلك الفترة وليومنا هذا في احتفالاتهم العامة هو استعمالهم لبودرة الأرز لتلوين وجوههم باللون الأبيض. وكانوا يحلقون حواجبهم ويصبغون أسنانهم باللون الذهبي أو الأسود. كما استخدموا الحناء لصبغ شعورهم.

العصر الحاضر
تطورت صناعة الماكياج واستمرت حتى يومنا هذا، وما زال الكحل والحناء والعسل والحليب ولحاء شجرة الجوز والزعتر والبابونج والخزامى والزنبق والنعناع وإكليل الجبل والصبار وزيت الزيتون وزيت السمسم وزيت اللوز والمسك والعنبر والعود والعديد من المواد التي استخدمها الانسان القديم للتزيين تستخدم بطرق حديثة في صناعة الماكياج.