جمالية الوشم وآثاره المذهلة

991

سريعة سليم حديد /

انتشرت منذ قديم الزمان ظاهرة الفنون التجميلية التي تتعلَّق بالمرأة على وجه التحديد، وعلى سبيل المثال فن “الوشم” وتوابعه. إذ كان له أثر بالغ في النفوس عند الناس، وأصبح غاية يسعى إليها كل من أراد التميز في التجميل والمباهاة أمام الآخرين، فينقش الوشم على ظاهر اليد أو الذقن أو الساعد أو الكتف.
ولا يقتصر هذا الأمر على النساء فحسب، بل وعلى الرجال أيضاً. علماً بأنه كان يستخدم للسجناء وفي المستشفيات، إذ كانوا يوشمون المرضى المصابين بأمراض نفسية.
كان الوشم يُجرى للشخص حسب المنطقة المراد وشمها، حيث يُؤتى بالإبر فيدقُّ بها الجلد، ومن ثم يُذرّ النيل أو الكحل فوقه، ويرافق هذا بعض الألم، فلا وجود لإبر المخدِّر أبداً، بالإضافة إلى خروج قليل من الدماء، ما يعطيه اللون الأزرق، أو اللون الأخضر فقط.
كان الوشم في السابق صغيراً، بسيطاً غير منفر، يُرسم على هيئة أشكال هندسية ونجوم ودوائر وبعض الرسومات التي تشبه الزخارف، وهو على قدر محدود من الجمال.
وقد انتشر فن الوشم على نطاق واسع في الكثير من البلدان العربية وغيرها دون أن يحدث أي خلل اجتماعي يذكر، فالناس يتقبَّلونه برحابة صدر، وتسري بينهم عدوى التقليد بكل بساطة ويسر.
لقد انحسرت تدريجياً ظاهرة الوشم التقليدي وأصبحت غير مرغوب فيها على الإطلاق علما أنها لا تحمل أية مخاطر تذكر.
حالياً انتشرت أنواع جديدة من الوشوم وبطرق مختلفة. وعلى الرغم من المخاطر التي يتعرض إليها صاحب الوشم، فما زالت تجد رواجاً بين الناس.
أما الوشم الأكثر خطورة في الوقت الحالي فقد أخذ أبعاداً مختلفة تماماً من حيث الشكل واللون والمساحة، فأصبح يوشم على كافة أنحاء الجسم، فيبدو المنظر كرسوم (الغرافيك). من هنا أصبح الأمر يجنح نحو المغالاة في التصرّف بجسد الإنسان.
ولو تتبعنا قليلاً تطوّر هذا الفن لوجدناه يدخل في متاهات غريبة تكشف عن مدى التفنن في البحث عما هو جديد ومدهش.
لقد اختلط فن الوشم بفن الرسم، فبرع عدد كبير من الرسامين في إظهار إبداعاتهم المميَّزة على الجسد بكل ما يمتلكون من أدوات فنيّة ولونية، فأصبح الوشم بالنسبة لهم مساحة حرّة يفرِّغون من خلالها طاقاتهم الإبداعية المميَّزة، خاصة وأن الرسومات التي يوشمونها على أجساد الناس ستظل باقية مدى الحياة، فقد أمسى الجسد بالنسبة إليهم لوحة فنيّة متحرِّكة تنبض بالحياة. والأغرب من ذلك يبدو الوشم وكأنه ثوب مزركش بشتى الرسومات والألوان ملصق على الجسد، فنرى الزهور، والنباتات، والأسماك، والجرار، والنجوم، وغيرها. وهذا ما يشجِّع ارتداء اللباس شبه العاري لكي يعرض من وشم نفسه ذلك العمل الفني المبدع الجميل، إلى درجة أننا بتنا نشاهد حفلات عروض عالمية لمن وشموا أنفسهم، تشبه أجواء مسارح عارضات الأزياء.
لقد أصبح الوشم علامة من علامات العصر، ونمطاً يحتذى به في الحياة، فيتسابق إليه لاعبو الكرة المشهورون والمغمورون، وأعداد كبيرة من الرياضيين بمختلف أنواع ألعابهم، والممثلون والممثلات، والفتيات بمختلف أعمارهن، والشباب وحتى كبار السن، فنرى رسومات مختلفة الأشكال والألوان.
لكن من يعرِّض نفسه لحالات الوشم هذه قد يتجاهل خطورتها، وخاصة أن الجسد يتعرَّض للحقن بالألوان الكيميائية، فهو أمام تجربة جسديَّة خطيرة، بل لنقل أمام مغامرة بحياته فقد يندم على ما فعل، وعندها لن تنفع لومة لائم.
إن المواد التي تُحقن تحت الجلد هي أصباغ كيميائية معدّة للاستخدام للكتابة، وأحبار الطابعات ودهان السيارات. وهذا ما يفرض علينا المقارنة بالألوان أو الأصبغة الطبيعية التي كان يستخدمها القدماء والتي لا تترك أي أثر يذكر.
فربما يصاب المرء بأمراض خطيرة يدفع ثمنها حياته، وربما يحنُّ إلى العودة إلى ما كان عليه سابقاً، حتى وإن فكَّر الشخص بإزالة الوشم (بالليزر) أو بالمواد الكيميائية أو غيرها فسوف يعرِّض نفسه من جديد إلى الخطر.
فعشَّاق الوشم يتأرجحون ما بين إرضاء أذواق الناس والسير على الموضة وبين سلامة حياتهم. فهل يمكن لنا أن نقول: إن العالم يتغيَّر نحو الأفضل في ظل كل هذا التبدل اللوني والشكلي لجسم الإنسان؟ وهل يمكن للشخص، حتى يرضي أذواق الآخرين، أن يخسر جماله الطبيعي بلونه وشكله وحيويته؟ خاصة وأننا أمام عروض قد لا تسرُّ أعين الناظرين، فهي غير مألوفة كما أنها حالة من حالات التدخُّل الشكلي واللوني بجسم الإنسان.
ومن هنا نستحضر في ذاكرتنا عمليات التجميل التي ينجذب إليها الناس في بداية الأمر، ومن ثم يكتشفون بعد إجرائها أنهم عرَّضوا أنفسهم إلى عمليّات تشويهية لا يمكن ترميمها أبداً. فمن المفترض الإلمام بمعلومات واسعة ودقيقة حيال هذه الأمور، وإلا كان الثمن غالياً.
تساؤل يفرض نفسه أمام هذا التطور اللوني والشكلي: إلى أين سيأخذ التقدُّم العلمي الإنسان، وإلى أي منحدر سوف يقذف به؟ هل ما نراه هو حضاري، أم حالة من حالات الهستريا المنتشرة التي لا براء منها؟
لو أن الوشم كان كالأصباغ اللونية يمكن إزالته عند الرغبة لكان الأمر أقل مصيبة، ولكن الوشم ثابت في مكانه، ولن يزول حتى يُدفن الإنسان تحت التراب، وهنا تبدأ عملية التفسخ الطبيعية فتباشر البكتريا عملها بإزالة الوشم بكل تأنٍ وهدوء.
ختاماً، هل بلادنا بمنأى عن ذلك المد الوشمي الذي يغزو الكثير من البلدان الأجنبية، أم سيصلنا البلُّ مهما طال الزمن أو قصر؟ وهل مجتمعاتنا بما تحمل من خلفيات فكرية واجتماعية ستتقبَّل هذا الأمر بسهولة، أم سيكون الوشم ساحة صراع لا حدود لها؟