سوريا..حضارة تشع بالجمال وعبق التاريخ

1٬127

خضير الزيدي /

بين إحيائها الجميلة، ومدنها العابقة بأريج الزمن السالف، ثمة الكثير من المواقع التاريخية والتراثية التي بنيت على أرضها، شيدت لتكون بآثارها، ومعابدها، وقلاعها الحصينة، علامة يستدل عليها كل من يريد قراءة تاريخ هذا البلد الجميل. وبما أن قيمة تلك الصروح وأصالتها تعد أثراً فاعلاً أمام السياح الذين يجوبون مدنها التراثية فقد عدت مواقع فريدة اهتمت بها منظمة اليونيسكو منذ تأسيسها عام 1972 حتى يومنا هذا وأيضاً لا تزال تلك المواقع الأثرية تنبئ عن ارث انساني وثقافي وأماكن مقدسة يعرفها القاصي والداني وهذا ما جعل من سوريا مكانا استثنائيا يفخر به العالم جميعا.

تدمر العريق

يعد موقع تدمر الأثري من المواقع الحساسة والمهمة التي شكلت لبنة ازدهار حافل بثمرة الحياة فهو من لبنات التاريخ القديم لسوريا والشرق عموما، يبعد عن مدينة دمشق بمسافة قدرها 240 كيلومتراً عاش فيها الإنسان التدمري ليكسر من رتابة الصحراء وقوافل البدو تاركاً خلفه حضارة مشيدة يعجز إنساننا المعاصر عن تشييدها اليوم، حيث البناء والتكوين الجمالي معتمدين في تخطيطه لبناء المدينة أسلوب الشطرنجي ليضم المساحات والأعمدة العالية والمسارح الواسعة، فقد ميز الغالب من أقواسها المشيدة جمال فن النحت القديم فضلا عن وجود التماثيل الشاهقة التي تنم عن وعي فني متقدم ابتدعه الفنان التدمري.

أهم المعابد

على أرضها الصحراوية شيد أهم المعابد التي تذكرها مصادر التاريخ وهو معبد بعل الأثري الذي بني في القرن الأول الميلادي وتوسعت رقعته جراء بعده وأهميته الدينية حتى امتدت مساحته (220 في 205) أمتار، أما جدرانه العالية فقد أحاطها ثلاثمئة وخمسة وسبعون عموداً يبلغ ارتفاع الواحد منه ثمانية عشر متراً، ليكون بعلوه وسعة مساحته معبداً مهماً. وما أن تذكر تدمر حتى يتناها إلينا مسرحها الواسع فهذا الأخير تم بناؤه في القرن الثاني الميلادي. يشكل في تكوينه العمراني نصف دائرة قطرها 50 مترا مؤلف من ثلاثة عشر مدرجاً لمن يريد المشاهدة من الجمهور وليس ببعيد عن مكان المسرح ثمة ما يشير لمعسكر “ديو قليسيان” وهو القصر الملكي لزنوبيا ويقال أن هذه المدينة ذكرت لأول مرة في وثائق مدينة ماري في الألف الثاني قبل الميلاد ونمت فيها التجارة وهذا ما شجعها لتكون مكانا مهما يربط بلاد فارس والصين والهند مع الإمبراطورية الرومانية، أما اليوم فقد طالت يد الإرهاب معالم هذا الصرح التاريخي الخالد وعبثت به دماراً وتخريباً.

مدينة الكنائس

لمدينة (بصرى) اثر من أسماء متعددة عرفه أهلها إذا تسمى “بوسترا” و”نياتراجانا” وهي مدينة ليست واسعة جغرافيا تبعد عن الحدود الأردنية اثني عشر كيلومتراً وعن دمشق مئة وأربعين كيلو متراً ومعنى أسم هذه المدينة في اللغة السامية الحصن وقد عرفتها الحضارات الكنعانية والعمورية والآرامية حتى بدأت فيها الحضارة الهلنستية أوج تاريخها وأصبحت في القرن الأول للميلاد عاصمة للأنباط وفي العصر البيزنطي جعلت هذه المدينة التاريخية بكل ما تحمل من سمات البناء التاريخي والإرث الخالد مركزا للمسيحية وفيها شيدت كنيسة الراهب في القرن الرابع الميلادي بطراز بنائي رصين وأسلوب معماري اختلف عن باقي الكنائس. توجد على أرضها كاتدرائية بصرى وقد بنيت بشكل مربع عام خمسمائة وثلاثة عشر ميلادي تحمل جدرانها إيقونات السيدة العذراء وصورا للسيد المسيح ومن معالم هذه المدينة التي احتفظت بتاريخ الأمم والشعوب المختلفة أن شيد قوس مركزي فيها إحياء لذكرى انتصار يوليوس، ويقال أن العصر الذي اشتهرت به يكمن في عهد الأيوبيين بينما تقلص دورها الريادي في عهد الدولة العثمانية. لهذه المدينة التاريخية باب يسمى (باب الهوى) يعود تاريخ إنشائه للقرن الثاني بعد الميلاد.

قلعة الحصن

في المناطق الشمالية لسوريا وتحديدا بين الساحل وحمص ثمة قلعة ذكرتها وقائع تاريخنا القديم منذ اليونانيتين حتى لحظة سجلنا العربي هذه القلعة تسمى (الحصن) وقد شيدت في العام ألف ومائة واثنين وأربعين وسلمت لفرسان الاسبارتية واحتفظوا بها زمنا طويلا، ومن الملفت للنظر في حديث المعارك التي دارت في رحاها أن صلاح الدين الأيوبي تخلى تماماً عن أية فكرة تنم عن حصارها عام ألف ومائة وثمانية وثمانين وكأنه يريد لها البقاء دون دمار ولكن كتب التاريخ تخبرنا إنها احتلت في الثامن من نيسان للعام ألف ومائتين وواحد وسبعين على يد بيبرس بعد أن قصفت بالمنجنيق وحوصرت لمدة ثلاثين يوماً.

قبلة السواح

تقع هذه القلعة التاريخية شرق اللاذقية هذه المدينة التي عرفت بجمالها ومناظرها الخلابة ويحتل القلعة في شكلها الخارجي ما يشبه النتوء الصخري بارتفاع اربعمئة وأربعين مترا يحدها واديان عميقان، وموقعها مقسم إلى أجزاء متعددة منها ما يسمى بالهضبة والباحة العليا والباحة السفلى تحيطها الجبال، ما جعل منظرها يبدو أكثر اهتماما للسياح والناظرين. المتعارف عليه تاريخياً أن عمر الموقع يعود للقرن الرابع قبل الميلاد في زمن الاسكندر الكبير وقد شهدت القلعة صراعاً محتدماً فقد استولى عليها الحمدانيون ثم استرجعها البيزنطيون سنة تسعمئة وخمسة وسبعين للميلاد ثم استولى عليها الفرنجة وبعد مضي ثمانين عاماً من احتلالهم حررها صلاح الدين عام ألف ومائة وثمانية وثمانين، وهكذا هي الآن عامرة بمكانها الدال على قيم تاريخ سوريا العمراني وارثها الإنساني الواسع.