الذكاء الاصطناعي والابتكاري وسوق العمل ينافس البشر في سوق العمل

54

ترجمة وإعداد/ أحمد الهاشم
بين أول محاولة طيران بطائرة في نهاية 1903 للأخوين رايت (ويلبر وأورفيل رايت)، التي وصفت بالمحاولة الجنونية، التي لم تستمر سوى 56 ثانية في ولاية كارولاينا الشمالية، وبين نزول البشر على القمر، في تموز 1969، هناك فاصل زمني مدته 66 سنة. ومن أول حاسوب (كومبيوتر) في 1942 وأول حاسوب شخصي ناجح تجارياً من شركة أبل 1977، فاصل زمني أقصر، إذ صار إيقاع التقدم التقني يسير بوتيرة متسارعة يختفي من لا يواكبه كاختفاء (بلاك بيري)، أو يتراجع.
أعطى مركز (ديلويت Deloitte) لبحوث الاقتصاد العالمي لمحة تاريخية عن الابتكارات، في تقرير له نهاية العام الماضي، استهله بالقول: غالبا ما يرتبط النمو الأقوى في الحقبة السابقة بـ (الاختراعات العظيمة الخمسة للثورة الصناعية الثانية)، التي تشمل الكهرباء ومحرك الاحتراق الداخلي، والصرف الصحي، والمواد الكيمياوية (الغاز الطبيعي والبلاستيك والمستحضرات الصيدلانية مثلا)، والاتصالات السلكية واللاسلكية (على سبيل المثال، الهاتف والراديو).
ويوضح تقرير المركز، الذي لديه نحو 150 فرعاً في انحاء العالم ومقره لندن، الابتكار اقتصادياً كما يلي: ينقسم الابتكار إلى مجالين، الأول هو ابتكار منتجات جديدة، مثل اختراع السيارة او الهاتف المحمول، أو ابتكار خدمة جديدة أو محسّنة. والثاني الابتكار في عمليات الإنتاج، مثل اختراع الروبوتات التي تجمع السيارات مثلاً، ولكل من الابتكارين تأثير في سوق العمل من حيث استحداث فرص جديد او انحسار مهن قائمة او اندثارها.
ويجري اليوم الانتقال من الذكاء الاصطناعي إلى الذكاء الاصطناعي الابتكاري، أو التوليدي. الأول يتعلق بتحليل البيانات وتصنيفها، أما الثاني فيتعلق بابتكار محتوى جديد وأصيل، وصار ينافس البشر في كتابة الروايات والمسلسلات والتقارير الصحافية وتأليف الموسيقى، إضافة الى توليد صور وأصوات وفيديوهات، وحتى استحداث (كود) برمجي.
من جهتها، تنقل مجلة (ساتشي شيكشا) بنسختها الإنكليزية، وهي مجلة تصدر في الهند، عن تقرير حديث، صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، أن “من المتوقع أن يحل الذكاء الاصطناعي محل 75 مليون فرصة عمل على مستوى العالم بحلول عام 2025، مع خلق 133 مليون وظيفة جديدة في المقابل.” وعلى ذكر الهند، فإن من المعلوم أن من ابتكر خدمة البريد الإلكتروني (الهوتميل) هو الهندي المولود في بنغالور (صابر بهاتيا Sabeer Bhatia) وزميله (جاك سميث)، اللذين أطلقا الخدمة في الرابع من تموز 1996، ثم اشترت الهوتميل شركة مايكروسوفت في العام التالي.
وتوفر التقنيات الحديثة فرص عمل في مجالات عدة، منها البرمجة (على غرار تطوير المواقع وتطوير التطبيقات) والألعاب، ثم علم البيانات (ويوصف بأنه نفط المستقبل)، والأمن السيبراني، والتسويق الإلكتروني، وتصميم الكرافيك، والرسوم المتحركة (الأنيميشين)، والحوسبة السحابية والمونتاج، وغيرها.
وترى المجلة أن الفارق بين الذكاء الاصطناعي وتقنيات الأتمتة السابقة يتمثل في أن الأول قادر على توليد التنبؤات والتوصيات والقرارات، ويمكنه التعلم من تجاربه وتحسين أدائه باستمرار، كما أن باستطاعته أتمتة مجموعة واسعة من المهام. ويستحدث الذكاء الاصطناعي وظائف جديدة تتطلب مهارات بشرية، ما يستدعي رفع مستوى التعليم وتوافر البنية التحتية التقنية، إضافة الى ضرورة التركيز على التعليم المستمر وإعادة تأهيل العمال، وأهمية خلق بيئات عمل داعمة. وفي المقابل فإن تطور التقنيات لا يلغي الوظائف التي تتطلب الإبداع والذكاء العاطفي والمهارات التحليلية، فهي ستصبح أكثر أهمية. وقد يخفض الذكاء الاصطناعي فرص العمل للوظائف المتوسطة المهارة، لكنه سوف يزيد من فرص المهن المنخفضة المهارة.
في استطلاع أجراه موقع (بلومبيرغ) الأميركي منتصف العام الماضي لمجموعة من الاقتصاديين، دعا 52 بالمائة منهم العائلات إلى تشجيع أبنائهم من طلبة الثانوية على تعلم المهن التكنلوجية نظراً لزيادة الطلب عليها حالياً وفي المستقبل القريب. أما عدد قليل من الاقتصاديين فنصحوا الأسر بتقليل الاهتمام بالمهن المرتبطة بالقطاعات المصرفية والمالية، لأن الذكاء الاصطناعي سيتكفل بها مستقبلاً، في حين ينصح بعض الاقتصاديين بدراسة الطب والرعاية الصحية، كالتمريض والعلاج الطبيعي، لأن معدل أعمار البشر سيرتفع، وهم بحاجة إلى الرعاية الطبية. أما المهن اليدوية مثل النجار والكهربائي والسبّاك والحلاق وما شاكلها فيتعذّر الاستغناء عنها.
عن الروابط:https://www2.deloitte.com/us/en/insights/economy/generative-ai-impact-on-jobs.html

Impact of AI Labour Market