حلّ مشكلة عمرها نصف قرن الذكاء الاصطناعي ينال جائزة نوبل في الكيمياء
ترجمة وإعداد: أحمد الهاشم
تؤكد جوائز نوبل لعام 2024 أهمية الذكاء الاصطناعي، وكيف يتجاوز العلم اليوم الحدود التقليدية غالباً، ويمزج بين مجالات مختلفة لتحقيق نتائج رائدة. فقد مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024 إلى (دِميس هسابيس) و(جون جامبر) و(ديفيد بيكر) لاستخدامهم الذكاء الاصطناعي في معالجة أحد أكبر تحديات علم الأحياء: التنبؤ بالشكل الثلاثي الأبعاد للبروتينات وتصميمها من الصفر.
مشكلة استمرت 50 عاماً
البروتينات أساس من أسس عمل أجسامنا وأجسام الكائنات الحية، فالأنزيمات والهرمونات وغيرها من مواد حيوية ضرورية هي بروتينات. وهي جزيئات ضخمة تتكون من سلسلة من الأحماض الأمينية. وتفرز الخلية البروتينات ابتداءً من الحمض النووي (آر أن أي RNA)، أو انطلاقاً من شفرة. في السابق كان من الصعب جداً التنبؤ بشكل بروتين معين تفرزه الخلية. فشكل البروتين يحدد وظيفته، فإذا انطوى البروتين بشكل غير سليم، فقد لا يعمل بشكل سليم أيضاً، وقد يؤدي إلى أمراض مثل الزهايمر أو التليف الكيسي أو مرض السكري.
من خلال مئة حمض أميني، يمكن للبروتين أن يأخذ أشكالاً متعددة متكاثرة جداً، محتملة ومختلفة. وبفضل برنامج للذكاء الاصطناعي بات في الإمكان الاقتراب من شكل البروتين، وذلك في ظرف دقائق فقط، عوضاً عن شهور طويلة من العمل المضني كان يقوم به الباحثون، هذا البرنامج الخارق وضعه (جون جامبر) و(ديميس هسابيس).
من الألعاب الى البروتين
في عام 2010 شارك (دِميس هسابيس) في تأسيس شركة (ديب مايند DeepMind)، التي اشترتها غوغل لاحقاً، وهي شركة تهدف إلى الجمع بين علم الأعصاب والذكاء الاصطناعي.
ابتكر هسابيس برنامج ذكاء اصطناعي علّم نفسه لعب الشطرنج. وتغلب هذا البرنامج على أفضل برنامج شطرنج حاسوبي في العالم، هو (ستوكفيش ثمانية Stockfish-8) . وبعد فترة وجيزة، طبّقت شركة (ديب مايند) تقنيات مماثلة على لعبة (ﮔو G)، وهي لعبة طاولة قديمة معروفة بتعقيدها الهائل. في عام 2016، هزم برنامج الذكاء الاصطناعي للعبة الطاولة أحد أفضل اللاعبين في العالم، (لي سيدول) في مباراة حظيت بمتابعة واسعة النطاق وأذهلت الملايين.
الاشتراك مع (جون جامبر)
في عام 2016، حوّل هَسابيس تركيز شركة (ديب مايند) إلى تحدٍ جديد: مشكلة طي البروتين. تحت قيادة (جون جامبر)، الكيميائي ذو الخلفية العلمية في علم البروتين، إذ بدأ فريق مشروع برنامج (الفا فولد) التابع لشركة (ديب مايند) في استخدم قاعدة بيانات كبيرة من هياكل (أو بُنى) البروتين، ما سمح للبرنامج بتعلم مبادئ طي البروتين. وكانت النتيجة برنامج (الفا فولد الثاني AlphaFold2). وهو برنامج ذكاء اصطناعي يمكنه التنبؤ بالهيكل الثلاثي الأبعاد للبروتينات من تسلسل الأحماض الأمينية بدقة ملحوظة.
كان ذلك اختراقاً علمياً مهماً. منذ ذلك الحين، تنبأ برنامج (ألفا فولد) بهياكل أكثر من 200 مليون بروتين – أي جميع البروتينات التي سبق للعلماء أن شخّصوا سلاسلها حتى الآن، ما يسرع البحث في علم الأحياء والطب وتطوير الأدوية.
في عام 2024، أطلقت شركة (ديب مايند) النسخة الثالثة من برنامج (ألفا فولد) وهي نسخة مطورة من برنامج ألفا السابق، لا تتنبأ بأشكال البروتينات فحسب، بل تحدد أيضاً مواقع الارتباط المحتملة للجزيئات الصغيرة. يسهل هذا التقدم على الباحثين تصميم الأدوية التي تستهدف البروتينات الصحيحة بدقة.
اشترت شركة جوجل شركة (ديب مايند) مقابل نصف مليار دولار تقريباً في العام الحالي 2014. وقد بدأت شركة جوجل مشروعاً جديداً للتعاون مع شركات الصيدلة في تطوير أدوية باستخدام تنبؤات برنامج (الفا فولد3).
(ديفيد بيكر) و(الهلوسة الأسرية)
من جانبه، واصل ديفيد بيكر تقديم إسهامات كبيرة في مجال البروتين. إذ طور فريقه في جامعة واشنطن طريقة تعتمد على الذكاء الاصطناعي تُسمى باسم غريب نوعاً ما هو (الهلوسة الأسرية)، التي استخدمها الفريق لتصميم بروتينات جديدة تماماً من الصفر. ودلل ذلك على أن في مقدور الذكاء الاصطناعي أن يساعد في إنشاء بروتينات اصطناعية جديدة.
تُظهِر الإنجازات الجديرة بجائزة نوبل، التي حققها (هسابيس) و(جامبر) و(بيكر) أن التعلم الآلي ليس مجرد أداة لعلماء الكمبيوتر، بل إنه الآن جزء أساسي من مستقبل علم الأحياء والطب.
من خلال معالجة واحدة من أصعب المشكلات في علم الأحياء، فتح الفائزون بجائزة 2024 إمكانيات جديدة في اكتشاف الأدوية ومعالجة الامراض وحتى فهمنا لكيمياء الحياة نفسها.