الجشع دفع أنفانتينو إلى اقتراح إقامة المونديال كل عامين
علاء عبد الله /
عندما تقاعد الفرنسي آرسين فنغر من التدريب عام 2018، فإنه تلقى دعوة من رئيس الفيفا، السويسري جياني أنفانتينو، ليعمل في قطاع التطوير لدى الاتحاد الدولي. وبالنظر لتاريخه مع آرسنال الإنجليزي، فقد أعطيت كامل الصلاحيات إلى المدرب الفرنسي لإدارة ملف الاستثمار في النادي.
وفعلاً أثمرت هذه الثقة من إدارة (المدفعجية)، عن بناء ملعب جديد، وصلت قيمته إلى أكثر من 360 مليون يورو بدلاً عن ملعب (الهايبري) القديم، بالاعتماد على التعاقد مع لاعبين شبان واعدين وتطويرهم، قبل إعادة تسويقهم بمبالغ أعلى. وشملت هذه الاستثمارات بيع بعض اللاعبين، من ببنهم الفرنسي نيكولا أنيلكا، الذي اشتراه فنجر بـ500 ألف يورو فقط، وباعه إلى ريال مدريد بعد موسمين بـ39 مليون يورو. ثم خطف الإسباني فابريغاس مجاناً من أكاديمية لاماسيا الخاصة بنادي برشلونة وهو في سن 16 عاماً قبل أن يبيعه للنادي الكتالوني من جديد بـ42 مليون يورو.
زيادة عدد الفرق في كأس العالم
كل هذا جعل أنفانتينو، الرجل الذي شهدت بداية رئاسته لجمهورية كرة القدم زيادة عدد فرق كأس العالم من 36 إلى 48 فريقاً، كل هذا جعله يعطي تلك الوظيفة إلى العجوز الفرنسي طمعاً في زيادة الأرباح، فهذا هو هدف أنفانتينو، الذي يشعر بالغيرة من الاتحاد الأوروبي صاحب الإيرادات العملاقة والبطولات الكبيرة التي أخذت تسحب البساط من تحت أقدام الفيفا ومسابقاته، ومنها كاس العالم وكأس القارات وكأس العالم للأندية.
فكُرة القدم الأوروبية هي الأكثر نجاحاً وشهرة، والأقوى تسويقاً، والأعلى إيرادات، بسبب ما تقدمه من مستوى فني هو الأجود والأرقى، قياساً بما موجود في باقي القارات.
لذا جاء مقترح فنغر بإقامة كأس العالم كل سنتين، ليكون قبلة الحياة للفيفا، ولاسيما مع الفضائح المالية التي هزت أركان المؤسسة العالمية أيام الرئيس السابق جوزيف سيب بلاتر، فاعتقد أنفانتينو أن هذا المقترح هو الذي سيحقق كل أحلامه المادية، لأن اقامة البطولة كل سنتين تعني مضاعفة الإيرادات والأرباح بنسبة مئة بالمئة. هكذا اعتقد رئيس الفيفا، المعروف بجشعه منذ كان سكرتيراً إدارياً للرئيس السابق.
لكن هذا المخطط تعرض لانتقادات لاذعة وهجومات عنيفة من الجهات ذات العلاقة المباشرة، ومنها رابطة الأندية العالمية، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يوفا)، واتحاد أميركا الحنوبية (كونمبول)، واتحاد اللاعبين المحترفين، اضافة إلى رابطة المحترفين للدوريات في إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، إضافة إلى أكثر من شخصية كروية، منهم المدرب الألماني يورغن كلوب، والمدرب الإسباني جوسيبا غوارديولا، وكذلك الرئيس التنفيذي لنادي بايرن ميونخ كارل هاينز رومنيغة، إضافة إلى مجموعة من أهم اللاعبين، من بينهم البلجيكي كيفن دي بروينه الذي قال: “اللاعبون أهم عناصر كرة القدم، ومثل هذه القرارات تريد تحويلنا الى روبوتات، نحن فعلاً نحتاج إلى الراحة وليس إلى مضاعفة المسابقات وزيادة عدد المباريات.”
والحقيقة أن من اقترح هذا المشروع يجازف بسمعة وأهمية البطولة، فأهمية المونديال لا تأتي بالدرجة الأولى من المستوى الفني، ولاسيما مع زيادة مقاعد قارة آسيا ومنطقة أقيانوسيا في المحفل العالمي، بل إن اهم ما يميز كأس العالم هي الفترة الزمنية بين بطولة وأخرى، وهي أربع سنوات، إذ تعطي هذه الفترة مزيداً من الشغف بالبطولة وتخلق الرغبة والحماس للمشاركة وإحراز اللقب، والأمر ينسحب على الجماهير الكروية.
تلاقي الثقافات
يقول الحكم الإيطالي الشهير بيير لويجي كولينا، الذي شارك في كأس العالم 2006 بصفة مراقب: “إن أفضل ما في البطولة جرى خارج الملاعب.” وهو يشير بذلك إلى الكرنفالات الجماهيرية وتلاقح الثقافات بين مشجعي مختلف الدول والمنتخبات، إذ تحول المونديال إلى موسم سياحي احتفالي، تشارك فيه الجماهير من كل أصقاع الكرة الأرضية، وحتى مع مغادرة بعض الفرق للبطولة، فإن جماهيرها لا تغادر، بل تستمر في الحضور الى الختام، وهذا تأكيد لكلام كولينا بأن الأفضل يأتي من الجماهير بالدرجة الأولى، كذلك التنظيم وأجواء البلد الذي يستضيف المنافسات على مدى أكثر من شهر.
القوة والجمال
من جانب آخر، فإن عدد البطولات والمباريات، ولاسيما في أوروبا -التي تمثل قوة وجمال كرة القدم والوجه المشرق لهذه الرياضة- لا يسمح بالضغط أكثر على اللاعبين وتحميلهم أكثر مما يستطيعون، مع زيادة أيام اللعب في الموسم، إذ لا يجد اللاعب أكثر من شهر واحد كإجازة، يقضيها بعيداً عن روتين التدريبات اليومية والاستعداد للسفر من مطار إلى آخر، ومن مدينة إلى مدينة، لخوض المباريات، وبالتأكيد فإن هذا المقترح سوف يضر بأهم بطولة لكرة القدم على وجه الكرة الأرضية من الناحيتين الفنية والتسويقية، وهي دوري أبطال أوروبا، التي تتفوق على كأس العالم حتى في عدد الشركات الراعية، وهذا ما يؤكده تشافي هرناندز، لاعب برشلونة السابق، بقوله إن دوري الأبطال أقوى من بطولة كأس العالم، ويبرر رأيه هذا بأن دوري أبطال أوروبا لا تتواجد فيها فرق مثل السعودية وترينداد وتوباكو، وهو يريد القول إن كأس العالم تراجعت فنياً بسبب وجود فرق آسيا ودول أوقيانوسيا والكونكاكاف، لذلك فإن مقترح فنغر ورغبة أنفانتينو نظرا فقط إلى الجانب المادي دون النظر إلى تضرر سمعة البطولة، وربما عزوف الكثير من لاعبي النخبة العالمية عن المشاركة في كأس العالم.
الغريب في الأمر أن الاتحاد الآسيوي هو الوحيد الذي رحب بالمشروع الفرنسي – السويسري، وهذا يعود لرغبة آسيا في زيادة فرص الظهور وتسجيل بعض الأرقام في المونديال، لاسيما مع انعدام فرص الفوز بالكأس، أو حتى الاقتراب منه.
الخلاصة أن من يحكم عالم كرة القدم عليه أن يفكر باللاعب والمدرب، فهؤلاء هم أهم عناصر اللعبة، وزيادة عدد فرق المونديال لن يصب في تطوير المستوى الفني. كما أن تقليص المدة بين نسخ كأس العالم من أربع سنوات إلى سنتين، لن يسهم في دفع البطولة إلى الأمام، بل قد يكون من عوامل ابتعاد الناس عن الارتباط بهذه البطولة التاريخية العريقة.