دروس لا نعرفها في الثقافة الكروية!
علاء عبد الله /
طالعتنا وكالات الأنباء العربية والعالمية، خلال الأسبوع المنصرم، بخبر اهتمام تشافي هرناندز -مدرب برشلونة الجديد- بلاعب نادي السد الجزائري بغداد بو نجاح، فما سر هذا الاهتمام، وما الذي يدفع برشلونة للتفكير بلاعب عربي مثل بو نجاح؟
عندما تراجع أرقام هذا اللاعب مع النادي القطري، فإنك تصاب بالدهشة، ولن تستغرب انضمامه إلى أحد الأندية العالمية خلال الميركاتو الشتوي، لأنها أرقام تتصاعد من موسم إلى آخر، وتشير إلى مدى احترافيته والتزامه ورغبته في التطور.
فبغداد هو هداف الدوري القطري برصيد 21 هدفاً، رغم أن الدوري هناك يعج بأسماء من مستوى عالٍ على صعيد الشهرة والاحترافية.
الأرقام تتحدث
أرقام بونجاح، التي لفتت إليه الانتباه كهداف خطير، تشير الى أنه سجل خلال هذا الموسم عشرة أهداف في 705 دقائق، وقام بصنع ثلاث تمريرات حاسمة.
كما تمكن هذا اللاعب الجزائري -المطلوب في البارسا- من تسجيل 62هدفاً وقدم 25 تمريرة حاسمة في 75 مباراة خاضها تحت قيادة تشافي الذي كان مدرباً للسد.
أهداف برشلونية
وحتى لو كان هدف برشلونة من هذه الصفقة هو الحصول على هداف جيد بسعر يلائم خزانة النادي التي تعاني من نقص حاد في السيولة، فإن بغداد هو المستفيد لأنه سيجد نفسه في واحد من أهم أندية العالم، وسيتعلم ثقافة كروية جديدة ويتعايش مع أسلوب جديد وزملاء جدد في غرف الملابس، ومنافسة تمتاز بارتفاع المستوى، وستكون لديه أهداف رياضية مختلفة، إذ سيفتح له اللعب مع العملاق الكتلوني الآفاق للمشاركة في دوري الأبطال، أعرق الكؤوس الآوربية، وربما اللعب في مونديال الأندية، وهو طموح كل لاعب.
الدوريات تصنع النجوم
هذا المقدمة للمقارنة بين ما تقدمه بعض الدوريات العربية وبين الدوري العراقي الذي تحوَّل إلى بضاعة كاسدة، لا يقدم الجديد ولا يطور اللاعب ولا يدفعه لأن يتطلع إلى مستوى أعلى مما هو فيه. فاللاعب العراقي كسول ولا يتمتع بالاحترافية، ومع أول عقد احترافي يحقق بعض أهدافه المالية، فإنه يحاول أن يبقى في هذه الأجواء السهلة والمريحة، التي لا تعرف الضغوطات البدنية والنفسية، وهذا ما يجعله غير قادر على ركوب ماهو أصعب، من ناحية التحديات أو التفكير بأحلام خارجية ترفع من قيمته المادية وتطور من احترافيته وتعزز مستواه الفني.
هناك عدد قليل من اللاعبين العراقيين الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا، لكنهم سرعان ما عادوا يلفهم الفشل، العربية!” لانهم وجدوا هناك ضوابط ومعايير احترافية.
وهناك نجم كبير آخر (ن،أ) احترف في هولندا لموسم واحد، لكنه لم يشارك إلا في 120 دقيقة طوال الموسم، واختير وقتها كاسوأ محترف عربي في هولندا، رغم موهبته، لكني أجزم أنه لم يتحمل أسلوب الحياة الاحترافية ومعاييرها، فلم يقدم ما هو مطلوب ومتوقع، ليعود مسرعاً من حيث جاء.
تقاليد والتزام
ففي أوروبا يجب أن تتعلم، النهوض صباحاً في ساعة معينة والوصول إلى ملعب التدريب في الوقت المحدد الذي لا يمكن تخطيه الا بإذن، وكذلك التدريبات المسائية والحضور في قاعات الحديد والمسابح وأوقات الاستشفاء ونوعية الطعام، ووقت النوم عند المساء. وعليك أن تقدم كل ما لديك وأقصى ما تستطيع في الوحدات التدريبية، لتحافظ على مكانك في التشكيل الأساسي.
وعلينا الآن أن نقص عليكم قصة اللاعب الألماني باستيان شفايتشتايغر الذي أبعده المدرب مورينيو من تدريبات نادي مانشستر يونايتد لعدم قناعة المدرب بجديته في التدريبات، فقرر إبعاده إلى فريق تحت 23 عاماً الخاص بالنادي، ورغم كونه قائداً لمنتخب ألمانيا، بطل العالم، إلا أن اللاعب تقبل ذلك واجتهد وعمل على تطوير مجهوداته ليقرر المدرب إعادته إلى الفريق الأول. فكرة القدم المحترفة عمل وليس مجرد رياضة. والكل هناك مقتنع بأن هذا سبيل النجاح والإنجاز.
يقول جنارو جاتوزوا -لاعب منتخب إيطاليا خلال كأس العالم التي أحرزها منتخب السكوادرا تزورا- “إنني لم اكن ألعب، بل كنت أعمل، وكل زملائي كانوا يعملون بصورة ممتازة، ما سمح لنا بالتفوق على الجميع.”
أما زين الدين زيدان -اللاعب الفرنسي- فصرح بعد نهاية نفس البطولة وإعلان اعتزاله: “اليوم فقط، ومنذ 17عاماً، سأسافر دون الحاجة لإذن من أحد.” وهذا يوضح مدى اختلاف حياة اللاعب المحترف عن حياة اللاعب الهاوي.
ومثل هذه الثقافة التي هي طريق للإنجاز غير موجودة للأسف في الكرة العراقية، سواء في المنتخبات أو الأندية، فاللاعب العراقي يحب السهر حتى الصباح، ويحب تعاطي الأرجيلة، وهو مدمن على الفيسبوك، ومتابع شره لآخر صيحات الموضة، سواء في الملابس أو الشعر، لأنه يعيش –بصراحة- من دون هدف احترافي، وقد ذكر لي المدرب العراقي حمزة داود -ذات مرة- “إن اللاعب العراقي يعيش أجواء كرة القدم 90 دقيقة فقط في الأسبوع! وهو لا يقتنع بضرورة تطوير نفسه، بالاعتماد على نفسه ولا يخصص فترات تدريب انفرادية لزيادة وتطوير بعض مهاراته ومحاولة التغلب على نقاط ضعفه الفنية والبدنية، ودائماً هو بحاحة الى توجيهات المدرب.”
نعم، يجب أن تكون حياة اللاعب المحترف بهذه الصورة ليبقى في نفس المستوى لعقد ونصف العقد من عمره الرياضي على الأقل.
والخلاصة هنا أن أهم ما يفتقر إليه الدوري العراقي -لكي يصنع لاعباً بمستوى عالمي- هو تغيير الثقافة السائدة واتباع أنظمة جديدة تعتمد الثواب والعقاب للاعبين، وحتى المدربين، وأن نصل إلى مستوى يكون اللاعب فيه حريصاً ورقيباً على نفسه ومستواه، حتى يستحق ما يأخذه من أموال قد لا يستحقها قياساً بمردوده الرياضي الحالي..