سرّ الدقيقة تسعين للمنتخبات العربية في مونديال روسيا!

830

أ.د. قاسم حسين صالح/

يعدّ مونديال روسيا من أنجح بطولات كأس العالم إن لم يكن أنجحها على الإطلاق، لأنه امتاز بحسن التنظيم وجمال الملاعب والضبط الأمني المريح الذي ساعد جماهير المشجعين على الاستمتاع بالبطولة والتجوال في الساحة الحمراء بفضائها المتوهج بالأضواء والمفاجآت الممتعة وكأنها تعيش مهرجانات اعياد الكريسمس. وتفرّد النقل التلفزيوني المباشر لملايين المشاهدين بجودة مذيعين محترفين يمتلكون معلومات متنوعة عن كل فريق وكل لاعب وكل دولة مشاركة يقدمونها باسلوب ممتع يشدك لمتابعة المباراة، ومحللين رياضيين من جنسيات مختلفة يقدمون ثقافة كروية شاملة، واقبال غير مسبوق من المشجعين من مختلف دول العالم لاسيما دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا. فضلا عن ان المونديال بعث برسالة محبة لكل شعوب العالم..بحضور انثوي جميل كان طاغياً!

سّرالدقيقة تسعين!

تعدّ مشاركة اربعة منتخبات عربية بمونديال روسيا هي الأولى في نهائيات كأس العالم لكرة القدم، غير ان مشاركتها احدثت صدمة كبيرة لدى ملايين العرب بخروج مبكر وخسارات قاسية، اثقلها هزيمة الفريق السعودي بخمسة اهداف امام الفريق الروسي، واوحشها الصورة الهزيلة لمنتخب (الفراعنة)الذي سقط امام الفريق الروسي بثلاثة اهداف مقابل هدف.

والمفارقة ان المنتخبات العربية خسرت في الدقيقة تسعين، فالمنتخب المصري خسر امام اورجواي بهدف نظيف من خوسيه خيمينيز في الدقيقة 89، وهزمت المغرب في الثواني الاخيرة امام ايران، وخسرت تونس في مواجهتها أمام المنتخب الإنكليزي بهدف من هاري كاين في الدقيقة الأولى من الوقت بدل الضائع، وتلقت السعودية هدفين اضافيين للفريق الروسي في الوقت الاضافي.

وفي رأينا ان سرّ خسارة المنتخبات العربية في الدقائق الأخيرة يعود لسبب سيكولوجي خالص، فجميعها دخلت مسكونة بالخوف، وضعف الثقة بالنفس، ومقارنة تحملها بانها اقل مستوى من الفرق المشاركة. ولأن كرة القدم تلعب بالدماغ كما اوضحنا، فإن هذه العوامل النفسية اصابت المنتخبات العربية بالتشوش الفكري الذي ادى الى تشتت التركيز وانعكاسه بالتالي على ضعف الأداء وغياب التركيز الذهني في التسديد، باستثناء الفريق المغربي الذي كان الأفضل عربيا والمؤهل لعبور الدور الاول لولا الهدف الذي سجله المهاجم المغربى عزيز بوهدوز، خطأً فى مرماه فى الدقيقة الرابعة من الوقت المحتسب بدلا عن الضائع.

وفي يقيني، ان المنتخبات العربية لم يحصل لها اعداد نفسي، اعني ان اللاعبين لم يتلقوا دروسا تخصصية في علم النفس الرياضي تساعدهم على استثمار مهاراتهم الفنية وكيف يتعاملون نفسيا مع الفريق الخصم، وكيف يفهمون ان الدقيقة تسعين لا تعني نهاية المباراة، كما اتضح لنا من متابعتنا لهم كيف كانوا يراقبون الشاشات التي يظهر عليها الوقت.

وهنالك معلومتان سيكولوجيتان لا يعرفها كثيرون، الأولى: ان كرة القدم تلعب بالدماغ وان الرجل(القدم) وسيلة تنفيذ، وان ارتباك العمليات العقلية في الدماغ هو سبب الخسارة، والثانية: ان اهم عامل في التسديد على الشبكة وتحقيق هدف هو التحكم الانفعالي..لأنه هو الذي يشّفر في الدماغ مكان الكرة في الشبكة بتسديده صحيحة، فيما الانفعال يفقده التسديد الصحيح حتى لو كان على بعد خمسة امتار من الهدف..وحصل هذا كثيرا في المونديال ومن لاعبين كبار امثال ميسي ورونالدو.

والأهم، كان على ادارة هذه المنتخبات ان تصطحب خبيراً سيكولوجياً متخصصاً بعلم نفس الرياضة يكون برفقة المدرب اثناء المباراة، وأن يجري اختبارات نفسية قبل اللعب ليكتشف اللياقة النفسية للّاعبين ويعالج جوانب ضعفها، وأن يمحو من ذاكرتهم اتكالية اضعفتهم وقدرية قتلتهم تتمثل بترديد اغلبهم عبارة (ان شاء الله ) نفوز.

وثمة مفارقة، أن منتخبات عالمية كبيرة منحت نفسها ألقاباً بأسماء الألوان(الأبيض،الأحمر،الأزرق السمائي..)واخرى تدل على الفرح والمشاركة الجماهيرية مثل منتخب (التانغو)، فيما المنتخبات العربية منحت نفسها ألقاباً تدل على التفرد بالقوة التي لا تهزم(الأسود،ثعالب الصحراء ،النسور،الصقور..) وتلك علّة سيكولوجية في الشخصية العربية، أنها مصابة بـ(تضخم أنا)..تداري به عجزها البائس!