علي جميل.. عندما يحرز (الخباز) ثلاث ذهبيات
بغداد / أحمد رحيم نعمة/
لم يعزف السلام الجمهوري في أي بلد كان، إلا للأبطال، إذ لا لبرلماني ولا لوزير يعزف السلام الجمهوري. الخباز العراقي (علي جميل) صاحب ذهبية بطولة الأردن الدولية بالكِك بوكسنغ التي اختتمت مؤخراً في العاصمة الأردنية عمان، يقاتل من أجل توفير العيش الكريم عائلته، إذ يعمل خبازاً في احد أفران محافظة كربلاء، يذهب بعد العمل إلى التمرين من أجل لعبته المفضلة: الكِك بوكسنغ…
البطل علي جميل، صاحب العائلة الكبيرة، يسكن في شقة مع عائلة كبيرة، وهي ملك الدولة، في أية ساعة قد تطلبها الدولة فيسكنون الشارع. لم يلتفت إليه أي مسؤول لمساعدته من ناحية الدعم وغيره، هذا البطل لو كان في إحدى دول الخليج لكان لديه بيت وسيارة في الأقل، لكن في بلدنا تدفن المواهب! علي جميل.. ابن مدينة كربلاء لم يسأل عنه أحد في المحافظة على الرغم من خطفه الميدالية الذهبية وعزف النشيد الوطني له. يقول بطلنا:
التكريم فقط لكرة القدم
“الحقيقة أن البطل في العراق (مدفون)، لا يكرم من أية جهة، ولاسيما الألعاب الفردية، التي لم ينظر إلى معاناتها أي قائد رياضي، في بلدنا التكريم فقط لكرة القدم، أما بقية الألعاب فهي تعيش حالة مأساوية، بسبب عدم الاهتمام بها، لا من وزارة الشباب ولا من الأولمبية، لكن يبقى فقط دعم الاتحادات، ولاسيما اتحاد الكِك بوكسنغ، الذي يعمل وفق الميزانية الفقيرة التي خصصت له، لكنه لم يقصر في إقامة البطولات المحلية التي تستنزف ميزانيته.”
شقة صغيرة تؤوينا
أضاف جميل: “أنا أعشق لعبة الكِك بوكسينغ منذ الصغر، ومارستها في الأندية الكربلائية، ونادي الجماهير بالدرجة الأولى، كنت ومازلت أعمل خبازاً في أحد الأفران في محافظة كربلاء، ليس لدي أي وارد مالي آخر عدا عملي في الفرن، في الصيف عندما أقف امام (التنور) أرى النجوم وقت الظهر! لكن ماذا أصنع؟ فلابد من وارد لعائلتي المكونة من 13 شخصاً، نسكن في شقة صغيرة هي ملك للدولة وفي أية ساعة يمكن أن نكون خارجها! الحقيقة أنها مأساة نعيشها خلال هذه الفترة بسبب صعوبة المعيشة، ولاسيما أن لدي أربعة أبناء، فبعد حصولي على الميدالية الذهبية في بطولة الأردن الدولية، وعزف النشيد الوطني العراقي في البطولة، ورفعي العلم العراقي، قلت في قرارة نفسي إن الوضع سيختلف وسأكرم لحصولي على الوسام الذهبي، لكن.. ويا لحسرتي حين لم أجد من يأخذ بيدي، وعلى الأقل ليشكرني، الكل وضعوا أصابعهم في آذانهم! قادة الرياضة منشغلون بكرة القدم فقط، ناسين -أو متناسين- أن هناك ألعاباً أخرى توج أبطالها بالذهب، لكن كما بدأت عدت إلى فرن الخبز لأكمل مهمتي، وهي توفير المعيشة لعائلتي.”
دهشة الأشقاء الأردنيين
عن دخوله أحد أفران عمّان قال: “بعد ختام البطولة في العاصمة الأردنية عمّان كنت أتجول في أحد شوارعها، حين شاهدت فرناً للخبز، وكان الناس متجمهرين حول الفرن، فقررت أن اساعد الخباز، الذي شاهدني أرتدي (الدريس) الذي يحمل العلم العراقي، فسألني عما أريد، فقلت له أريد أن أساعدك، فقال أنت رياضي كيف لك أن تصنع الخبز؟ قلت له أنا خباز ماهر، فدخلت إلى الفرن وبدأت أخبز بسرعة، فقال لي أنت خباز ماهر لماذا لا تعمل معي هنا ؟! الواقفون الذين كانوا يشترون الخبز ضحكوا وأصابتهم الدهشة عندما قلت لهم إني عراقي وحققت الميدالية الذهبية أمس في بطولة الأردن الدولية، قالو إن لاعبينا يكرمون بتكريم مالي جيد عندما يحققون الأوسمة المتنوعة! قلت نحن نختلف إذ نكرم منتخبات الكرة فقط!”
ميزانية فقيرة خصصت لاتحاد اللعبة
يضيف علي جميل أن الراتب الذي يتقاضاه كلاعب منتخب وطني هو 150 ألف دينار فقط! فالاتحاد العراقي المركزي يعمل وفق المتوفر له من حيث الميزانية الفقيرة التي خصصت لهذا الاتحاد الذي يضم أبطال آسيا والعرب بلعبة الكِك بوكسينغ، كنا نتمنى أن تزيد ميزانية الاتحاد من أجل زيادة الرواتب، لكن الحال بقي كما هو عليه، على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققتها لعبة الكِك بوكسينغ.
ألا أستحق (كم متر) من أرض العراق؟
كما طالب علي جميل محافظ كربلاء والمعنيين بتخصيص قطعة أرض صغيرة تؤوي عائلته الكبيرة التي تسكن في شقة صغيرة مملوكة للدولة التي يمكن أن تطلبها منهم متى شاءت، وقال إن “حلمي أن تكون لنا دار نسكن فيها، بدل الإيجار الذي أنهكنا. أنا بطل عراقي، كما يعلم الجميع، قدمت الكثير لهذا البلد، وقد عزف لي السلام الجمهوري أكثر من مرة في البطولات الخارجية، ألا استحق ولو (كم متر) من أرض العراق؟ أنا مازلت أعمل (صانعاً) في الفرن من أجل أهلي، ولن أترك هذه المهنه لأننا سنعيش حالة الضياع، كما أني لن أترك لعبتي وسأظل أحصد الأوسمة الذهبية للعراق مهما حصل لي من غبن القادة الرياضيين.