مهزلة اسمها التمويل الحكومي للأندية الكروية!

346

علاء عبد الله/
اعتادت الاتحادات الرياضية في العراق على المطالبة بزيادة التمويل الحكومي. وقد يكون لهذه الاتحادات، ولاسيما الأولمبية منها، الحق باعتبار أنها تعاني شظف الموارد وقلة الخيارات وضعف البنى التحتية والمشاريع الخاصة بها.
لكننا عندما نقيس الإنجازات الفردية لبعض اللاعبين في ألعاب رياضية مثل رفع الأثقال والمصارعة وألعاب القوى، فإن النتيجة ستكون سؤالاً كبيراً، وعلامة استفهام جديرة بالبحث وإيجاد أجوبة للسؤال: لماذا لا تحظى باقي ألوان الرياضة بعشر ما تحظى به كرة القدم، اللعبة المدللة بلاعبيها ومدربيها وأجهزتها الإدارية وسماسرتها ؟
في هذه المساحة سنتحدث عن كرة القدم وما تستنزفه من أموال بدون وجود جدوى اقتصادية، ولا حتى رياضية!
الكرة أصبحت صناعة وتجارة..
الكل يعلم أن كرة القدم أصبحت صناعة وتجارة رائجة، تخضع للربح والخسارة، وهي قادرة على تمويل نفسها بنفسها بعشرات المليارات من الدولارات، وهناك مخططون ستراتيجيون يتولون متابعة دوران عجلة هذه الصناعة، ويعرفون كيف يبقونها في المقدمة، ويمتلكون الأدوات لتسويقها وزيادة الأرباح فيها بطرق عدة.
فهناك أندية وصلت الى قناعة بأنها غير قادرة على منافسة الأندية الغنية مثل تشيلسي وريال مدريد وباريس سان جيرمان وبرشلونة ومانشيستر ستي ويوفنتوس وبايرن ومانشيستر يونايتد وليفربول وأتلتيكو مدريد، لذلك فإن الأندية الفقيرة تحولت الى أكاديميات لاكتشاف المواهب في إفريقيا وأميركا الجنوبية، وتطويرها وصقلها ثم تسويقها إلى الأندية الغنية، وهي توفر السيولة لنشاطاتها من خلال بيع اللاعبين وإعارتهم الى أندية أكبر، حتى لقد أصبح الإنجاز الرياضي بالترتيب الثاني في سلم أولويات هذه الأندية.
قصة التمويل التي لا تنتهي
طوال ربع قرن من المتابعة لكرة القدم حول العالم، لم نسمع أن نادي ليفربول يطالب وزارة الدفاع الإنكليزية بتمويله! ولا سمعنا أن برشلونة يريد من وزارة التربية في إسبانيا أن تدفع له رواتب لاعبيه، ولم نقرأ أن نادي يوفينتوس يريد أن يرتبط بوزارة النفط الإيطالية حتى تمول صفقاته، بل إن نادي يوفنتوس، وهذه معلومة مهمة، يملك أسهماً كبيرة في شركة فيات لصناعة السيارات، وكذلك في شركة آرستون لصناعة الأجهزة الكهربائية، كما أن العائلة المالكة لهذا النادي تملك فرع شركة جيب لصناعة السيارات في إيطاليا ويخرج كل منتوح هذه الشركة من مصانعها.
في المقابل، نجد أن أندية الدوري العراقي، التي يقترب عمر بعضها من مئة عام، مازالت تتعكز على دعم هذه الوزارة أو تمويل تلك المؤسسة، ومن دون هذا التمويل الحكومي فإنها تتوقف، وربما تصاب بالشلل التام، بل قد تصبح في عداد الموتى.
إنفاق بلا مردود
المشكلة أن هذه الأندية تنفق الكثير من الأموال ولا تقدم أي مردود. فعقود أغلب لاعبيها تتخطى 100 ألف دولار في الموسم (8 أشهر) والبعض من العقود يصل الى 500 ألف و700 ألف دولار، مع العلم أن جائزة الفريق الذي يفوز بلقب الدوري المحلي هي 100 مليون دينار عراقي (65) ألف دولار فقط!
المشكلة الأكبر أن هذه الأندية تنفق –أيضاً- على لاعبين أفارقة لا يعرف لهم تاريخ رياضي، ولو كان بسيطاً، والأمر تعدى ذلك الى لاعبين من فنزويلا والأرجنتين والبرازيل وسويسرا.
وهناك مرتبات شهرية تدفع للاعبين تصل الى ثلاثة او أربعة ملايين دينار عراقي، وطبعاً فإن مثل هذه المبالغ أفسدت اللاعبين وغيرت حياتهم وجعلتهم يهتمون بإنفاق هذه الأموال أكثر من اهتمامهم بكرة القدم، كما أوجد هذا المناخ شريحة كبيرة من السماسرة ووكلاء اللاعبين، ولاسيما ممن يعملون في قطاع الصحافة، الذين تركوا مهنة المتاعب وتحولوا الى هذه المهنة التي تدر أرباحاً طائلة في وقت قصير، والحقيقة أن هناك ظلماً كبيراً وتبايناً هائلاً بين ما تدفعه الوزارات والمؤسسات الحكومية، التي تتبنى هذه الأندية ولاعبيها، وما يتقاضاه الموظف الذي يعمل في نفس هذه الوزارات والمؤسسات، فكثير من الموظفين في الدولة العراقية يتقاضون ما مقداره أربعمئة دولار شهرياً، وهذا طبعا بعد أن يتخطى الموظف عشر سنين من الخدمة، ما يجعلهم يستغربون هذه القسمة الضيزى..
والحقيقة أن هذه الأموال التي أوجدت سلوكاً عدوانياً لكثير من اللاعبين والمدربين، صنعت طبقة مخملية لا تقبل النقد، أصبحت تختلق المشاكل، بحيث أثر ذلك سلباً على مردود هؤلاء حين يمثلون المنتخبات الوطنية التي تراجعت على صعيد تحقيق الإنجازات.
قطع التمويل
إن الحل يكمن في قطع التمويل الحكومي لكرة القدم، سواء الأندية أو المنتخبات، وهذا الحال موجود في مصر، وكذلك في الجزائر والمغرب وتونس، وهذه الدول سبقتنا بمراحل وأنديتها تحولت للاستثمارين المالي والرياضي، فأكاديمياتهم الرصينة تقوم بالبحث عن المواهب وصقلها والاستفادة منها لموسم او موسمين، قبل تسويقها إلى أوروبا لتربح ملايين الدولارات التي تستطيع من خلالها الإنفاق على فرقها والاستمرار في المنافسة محلياً وقارياً.
إن وزارة الشباب مطالبة هنا بضرورة اتباع سياسات مالية تأخذ بعين الاعتبار قدرة العديد من الألعاب الفردية على تحقيق الإنجاز. وهي تحتاج إلى مدربين جيدين وبنى تحتية خاصة للمنافسة في الميادين العربية والإقليمية والقارية.
عدا ذلك، فإن إنفاق ملايين الدولارات على الكرة العراقية أثبت، خلال عشرين موسماً، أنه عملية إفساد لكرة القدم، اللعبة الجميلة التي أحبها الشعب العراقي.

صحفي ومعلق رياضي