أهوار العراق تنقرض والعالم يتفرج!

395

آية منصور – تصوير: حسين فالح /

“هل يرضى العالم أن يشاهدنا ونحن نخسر حياتنا ومياهنا وحيواناتنا وحتى رزقنا؟ فيما يضع يده على خده ويتفرج علينا بصمت؟ إن ما يحدث بحقنا كارثة، نريد حلا، فهل تنقذوننا؟” بحرقة ودموع يصرخ ويناشد المواطن عباس ياقوت، وهو أحد مواطني عرب الأهوار، الذي فقد منزله القائم على المياه والقصب، وخسر عدداً من جواميسه، فيما ينظر الى مكانه وهو يتهاوى ويصبح في طي النسيان.
الحال الذي وصل إليه جفاف الأهوار لا يشكل نقصاً في المياه وحسب، بل إنه قضى تقريباً على الثروة الحيوانية، حاملاً معه كارثة بيئية وإنسانية قد تقضي كلياً على الأجناس هناك.
يؤكد عباس أن ما يحصل لبيئته ومكانه، لو حصل في مكان آخر غير العراق، لأعلنت حالة الطوارئ وتفرغ الإعلام الرسمي وغير الرسمي لهذه الأزمة، ولاستقال أكثر من مسؤول.
وتابع: “ما يحدث هو أنهم لا يأبهون حقا بما نقول، بل على العكس، يقمعون حتى تظاهراتنا المطالبة بحصتنا من المياه، هذا ما حدث لعرب الأهوار الذين نظموا -لأكثر من مرة- مظاهرات واعتصامات، مطالبين فيها الدولة بالتدخل لإنقاذهم وحماية تراث الأهوار من الانقراض، ولكن دون مجيب.”
لائحة التراث الصامتة
يذكر أن مناطق الأهوار كانت قد ضُمت إلى لائحة التراث العالمي قبل نحو ست سنوات، حين صوتت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونيسكو” (UNESCO) بإجماع أعضائها على ضم الأهوار إلى لائحة التراث العالمي.
أي أن الأهوار باتت محمية طبيعية من قبل اليونيسكو إذا ما تعرضت لأي خطر، لكن المؤسف هو أن لا بيان صدر حتى الآن من قبل هذه المنظمة حول وضع الأهوار.
سنوات الضيم
الخبير البيئي جاسم الأسدي أوضح أن “العراق يعاني منذ سنوات شحاً كبيراً في المياه، فقد تقلصت، منذ العام الماضي، إطلاقات المياه القادمة من تركيا الى مستويات قليلة جداً، وتعود أسباب ذلك الى نقطتين أساسيتين: أولاهما سياسة دول الجوار المائية وبنائها المزيد من السدود وتحويل المجرى عن أراضي وادي الرافدين، والثانية هي التغير المناخي بسبب قلة الأمطار أو انعدامها، وفي كل الأحوال رافق هذا النقص في إمدادات المياه سوء توزيع المياه والموارد المائية”.
يضيف الأسدي: “أهدرنا ما يزيد على 21 مليار متر مكعب من الخزين الستراتيجي في خزين كل من بحيرة الثرثار وسد حديثة وسد الموصل، ودوكان، إضافة الى كل الإيرادات القادمة من دولتي الجوار، ومعلوم أن الأهوار هي أشد البيئات العراقية هشاشة، فإذا ما تعرضت للضرر فإن ذلك سيكون بأثر بعيد المدى على اقتصاديات السكان، إذ لم تصل المياه حتى إلى مترين مربعين، في حين أن أقل ما يجب أن تصل إليه هو 20 متراً مربعاً، وإذا استمر الجفاف هذه السنة أيضاً، ولاسيما أن منسوب الفرات قد انخفض هو الآخر الى 73 متراً عن مستوى سطح البحر، فإن الكارثة ستكون أكبر، وأتساءل لم أدارت الحكومات المحلية ظهرها للملاذ الاقتصادي للساكنين هناك؟”
الضحية واحدة
الناشط في المجال البيئي، رعد الاسدي، أوضح لـ “مجلة الشبكة” أن “ما يحدث هو وضع مأساوي وخطير، ويجب تقديم الدعم لأهل الأهوار واصحاب المواشي، ذلك أن حجم التبخر اليومي هناك مع انعدام إمدادات المياه، هو ٣ سم يومياً، لكننا لم نر أي تحرك من الجهات المعنية، ولاسيما أن جميع سبل الحياة قد اختفت تقريباً، فالأسماك ماتت في مكانها، والجواميس يقتلها العطش وحرارة الجو، ودموع المواطنين لم تتوقف وهم يرون انهيار حياتهم، إذ ستضطر الكثير من العوائل لبدء رحلة البحث عن مصدر رزق آخر، وسنضيف المزيد من العاطلين عن العمل، ونفقد الأهوار كسلة غذائية ومكان سياحي ويصبح سكانها لاجئين يحتاجون للعمل وتوفير فرص عيش مؤقتة لحين إعادة منسوب المياه.”
ماذا تفعل اليونيسكو؟
ويبين الأسدي أن “اليونيسكو أثبتت ضعفها وعدم قدرتها على حماية المواقع التي تكون تحت وصايتها، فهي لم تحرك ساكناً في طلب حصة العراق من المياه من تركيا التي لا تقدم للعراق سوى ٥٪ أو أقل من حصته المتفق عليها وفق البروتوكولات. إن ضعف الاتفاقات العراقية التركية الإيرانية، هو ما جعلهم يتمادون في إشعال حرب مياه إقليمية، فمن سيضمن حصص العراق المائية مع صمت الجهات المعنية؟ ذلك أن مؤثري السوشال ميديا كانوا أكثر تفاعلاً مع الموضوع من أصحاب المسؤولية.”
أمنيات
ويتمنى الأسدي رؤية “تحرك دولي من أجل ديمومة المياه، ووجوب عقد اتفاقات دولية تضمن حق العراق، وأيضاً ترشيد استهلاك الماء وإزالة التجاوزات على نهري دجلة والفرات، وبناء سدود تنظيمية على شط العرب لتنظيم توزيع المياه ورفع الآسنة منها، كذلك حفر الآبار في المناطق الزراعية، مع ضرورة وجود لجنة مشتركة تضع الحلول الحقيقية وتوزع الحصص المائية بين المحافظات.”
حتى الرزق انقطع
يعتمد سكان الجبايش في الجزء الأكبر من موارد حياتهم على الصيد المائي وجمع القصب وحياكة الحصر التي تسمى “البواري” وتصديرها إلى سائر الأنحاء حتى الى الخليج وإيران، وبذلك فإن تجفيف الأهوار سوف يسهم بفشل جزء من صادرات العراق المهمة. ويوضح الأسدي أن “هناك مجموعة من الحلول يجب أن تكون ضمن خطط رعاية الأهوار، لأن استمرار الجفاف قد يخرجها من لائحة التراث العالمي فيصبح الخطر مضاعفاً. إذ أن الهدف هو حماية التنوعين البيئي والحيواني، مع إشراف المجتمعات المحلية، كما أن وزارة الموارد المائية أيضاً تتحمل جزءاً من المسؤولية لأنها أخلّت ببعض البنود والشروط التي وضعتها اليونيسكو لانضمام الأهوار.”
إن الأهوار ليست جزءاً بيئياً فقط، وإنما هي جزء اجتماعي مهم لشريحة مهمة من المجتمع العراقي المتبقي من أجدادنا السومريين، وذلك مؤشر خطير، وهناك خوف من إعلان هذا المكان التاريخي منطقة منكوبة.
ويقول رعد الأسدي أن “تركيا قامت ببناء أكثر من ٦٠٠ سد على نهري دجلة والفرات، ما جعل العديد من المساحات المائية في العراق جافة تماماً، كما أن هناك مسطحات أخرى مرشحة للجفاف، وهو ما سوف يؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لأهالي هذه المناطق”.
كما أن الجفاف سوف يؤثر على التنوع البيولوجي في الأهوار، لكونها أرضاً خصبة لزراعة الرز وصيد الأسماك، وموطناً لأنواع متعددة من الطيور، إذ تعتبر محطة راحة لآلاف الطيور البرية المهاجرة بين سيبيريا وإفريقيا، لأنها تعد موطناً للتنوع البيولوجي.