التقارب الاقتصادي بين العراق والسعودية ما لا تقوله السياسة يكشفه الواقع

575

محسن حسن /

شهدت العلاقات الاقتصادية بين العراق والسعودية، مؤخراً، حالة من الانفتاح المتبادل المشوب بالحذر والترقب من قبل الفرقاء الإقليميين والدوليين، الذين يرون في هذا التقارب أبعاداً خفية يختلط فيها الاقتصاد بالسياسة والستراتيجية والأمن؛ فلم تعد العلاقات الثنائية بين الدول أحاديةَ المصلحة، إذ لا يمكن فصل المصالح بعضها عن بعض، وفي علاقة متأرجحة تاريخياً بين الاضطراب والاستقرار، كعلاقة بغداد والرياض، ثمة جملة من التساؤلات بشأن هذا التقارب، من باب التحليل والفهم، واستشراف الجدوى والنتائج.
وجدواه بالنسبة لطرفيه حالاً ومآلاً؟ وإلى أي حد يرتبط بملفات أخرى شائكة دولياً وإقليمياً؟
ملامح ومؤشرات
تشير أقرب المؤشرات إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع من 400 مليون دولار عام 2017، إلى مليار دولار عام 2018، ثم هبط إلى 900 مليون دولار تقريباً عام 2019، ليشهد عام 2020 نسبة ارتفاع قدرها 15% وفق تقديرات هيئة الإحصاء السعودية. وحاليا تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين نمواً ملحوظاً في مجالات تخص تعزيز دور الموانئ والمنافذ الحدودية والنقلين البحري والجوي، ومشاريع الربط الكهربائي، ضمن سياق تقارب عام وشامل لبغداد مع دول الخليج؛ فالعراق يعد الشريك التجاري الثالث عربياً والخامس عالمياً للإمارات العربية المتحدة، بحصة تصدير متبادلة تزيد على 4.5مليار دولار تقريبا، وبحجم تجارة بينية قوامها أكثر من 20 مليار دولار، كما تجاوزت صادرات عُمان إلى العراق حاجز الــ300 مليون دولار، ومنذ عام 2013 شهدت الصادرات العراقية إلى دول الخليج زيادة بنسبة تفوق الــ7%، مقارنة بالصادارت المناظرة لدول عربية أخرى، وبنسبة تفوق الـــ4% مقارنة بالصادرات لدول العالم غير الخليجية، وهذه المؤشرات متصاعدة، وهذا يعزز العلاقات الاقتصادية بين العراق والخليج.
الاقتصاد وسر التقارب
يمنحنا واقع الصراع الإقليمي المشتعل عربياً وخليجياً، على خلفية الملف النووي الإيراني، بالتزامن مع الواقع الاقتصادي المتأزم للعراق، مؤشراً كاشفاً لسر التقارب بين الرياض وبغداد؛ فوضع العراقيين الاقتصادي منذ سقوط النظام عام 2003، يؤشر لوضعية معقدة، أدت إلى تعاظم الديون، بفعل اعتماد العراق على الريع النفطي، وعدم تنويع مصادر الدخل، وانتشار مظاهر الهدر في الموارد، وغلبة الفساد، بالتزامن مع استمرار الأثر الناجم عن الغزو الداعشي عام 2014 وما تبعه من دمار كبير للبنية التحتية، وهو ما واكبه اشتداد السجال الثنائي النووي بين أمريكا وإيران، الأمر الذي تعرضت بسببه الأخيرة إلى حصار اقتصادي دولي، خسر معه العراق الكثير من تبادلاته التجارية مع ثاني أكبر شركائه التجاريين بعد تركيا (إيران)، التي تقارب 12 مليار دولار ، وفق تقديرات وزارة الخارجية العراقية2020.
استقطاب ومصالح أمنية
انطلاقاً من هذه الوضعية المعقدة، ظهرت في الأفق، خلال العقد الأخير، وعلى خلفية التداعيات المتلاحقة لظاهرة الربــــــيع العربي، ثم الأزمة الخليجية، حالة استقطاب خليجي للعراق عبر بوابة الاقتصاد، تبنتها السعودية، وما زالت تتبناها، بهدف توظيف مكانة بغداد الستراتيجية والجيوسياسية، لتحقيق توازنات خاصة في حالة الصراع تلك. وبتدقيق النظر، سنجد أن ديناميكية الأمن الإقليمي الخليجي على خلفية المصالح المتبادلة، شجعت كثيراً على المضي قدماً في حالة الاستقطاب تلك؛ ففي الأصل يدرك الخليجيون أن العراق حجر الزاوية في معادلاتهم الأمنية، كونه يمثل قمة الخليج الشمالي بحدود تمتد لأكثر من 50 كيلومتراً.
و يتحرك الاقتصاد الخليجي، ولاسيما السعودي، نحو بغداد، كقوة ناعمة، من أجل استقطاب العراق والحفاظ على توازن القوى الاقليمية في المنطقة ، وهو ما يختل معه الميزان الأمني والعسكري للخليج .
دوافع متبادلة
وبعيداً عن بروباجندا استقطاب العراق عربياً وخليجياً تحت شعار(العودة بالعراق إلى محيطه العربي والخليجي)، فإن ما تنكره السياسة ويفضحه الواقع، هو أن الغرض الحقيقي من أي تقارب اقتصادي خليجي مع العراق، هو خدمة الملفات الأمنية والستراتيجية والعسكرية، وليس من أجل عيون العراق، ومع ذلك فإن المنطق المحايد والمعتدل، يؤكد حاجة العراق للانفتاح على كافة الأطراف عموماً، وعلى محيطه الخليجي والعربي خصوصاً، لإحداث التوازن على أكثر من صعيد؛ فأمنياً يساعد التقارب مع السعودية والخليج في إحكام القبضة على الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها داعش، كما يساعد محور العراق السعودية، على حفظ استقرار المنطقة، وإحداث التوازن المطلوب فيها، وعلى صعيد الاقتصاد، فــــإن هذا التقارب، يسهل نقل عدوى تحسن أسواق المال والاستثمار الخليجية إلى العراق، كما يساعد في الاستفادة من التجربة الخليجية الإيجابية في تنويع مصادر الدخل، ومضاعفة إسهام القطاعات غير النفطية. ومن الجهة الأخرى يحصِّل الاقتصاد السعودي والخليجي الكثير من المنافع جراء الانفتاح على السوق العراقية، خاصة في ظل توقعات انكماش النفط وتراجع أسعاره، ومعاناة حكومات الخليج المتكررة من عدم القدرة على الوفاء المعتاد للخليجيين بضمانات المساعدات الاجتماعية والاقتصادية.
محاذير السيادة
يؤكد كل المعنيين مع العراق بأن سيادة هذا البلد خط أحمر، ولا يجب المساس بها تحت أي مسمى من المسميات، وأن إفساح المجال لبغداد كي تبني علاقاتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بحرية وحيادية، هو الأنفع منطقياً لجميع الأطراف، ولمستقبل المنطقة أيضاً، ومن الخطورة إقحام العراق عبر استغلال وضعه الاقتصادي المتأزم في حمى التنافس الإقليمي والمخاوف العسكرية والأمنية المتبادلة بين السعودية والخليج من جهة، وإيران من جهة أخرى؛ فكثيراً ما كان الاقتصاد هو القوة الناعمة لاختراق السيادة.