لقاحات كورونا ما بين الإنجاز الطبي والقلق الشعبي

1٬056

اياد الخالدي – رجاء الشجيري /

باستثناء دول الخليج فإنَّ أغلب الدول العربية وبينها العراق تواجه صعوبات بالغة في توفير اللقاحات الخاصة بكوفيد 19، بينما ترتفع معدلات الإصابة بالفيروس حتى بلغت ذروتها الأسابيع الماضية إذ تجاوزت أربعة آلاف إصابة، كما ارتفعت نسبة الحالات الصعبة والحرجة لتبلغ نحو %20 من الإصابات، وفقا لبيانات وزارة الصحة.
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات تذمر وانتقادات واسعة اتّهمت وزارة الصحة بالتقصير والتهاون في حماية أرواح العراقيين وإيصال اللقاح اليهم بأسرع وقت، فالوزارة التي وعدت الناس مراراً بوصول اللقاح في موعد محدّد، فشلت في الإيفاء بالتزاماتها، والواقع أنَّ خطة الوزارة في الحصول على اللقاح واجهت تعقيدات بالغة، وثمة معطيات كبيرة تؤكد أنَّ خطط جلبه تعثّرت حتى في دول كبرى مثل كندا، بسبب عجز الشركات المنتجة عن تلبية الطلب العالمي، فهذه المرة الأولى التي تواجه شركات إنتاج اللقاح طلباً يغطّي سكان الكرة الأرضية البالغ عددهم أكثر من سبعة مليارات نسمة.
غضب واستغراب
وأعرب مواطنون عن استغرابهم من نجاح دول الخليج بتحقيق تقدّم كبير بحملة التطعيم ضد الفايروس، بينما ينتظر العراقيون لغاية الآن وصول اللقاح، أسوة بالدول الفقيرة، مع أنَّ بلادهم غنية ولديها ما يكفي ويزيد من الأموال لجلب اللقاح.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل خبراً نفته وزارة الصحة بشأن حصول مجموعة من السياسيين على اللقاح، ونفت علمها بوصول لقاح قدّمته دولة عربية إلى كتلة سياسية، الأمر الذي دعا عضو مفوضية حقوق الإنسان، علي البياتي، إلى المطالبة بفتح تحقيق بشأن حقيقة ما حدث، كما طالب بتوضيح أسباب تأخير حملة التطعيم في العراق، مقارنة بدول أخرى في المنطقة، ويعتقد ناشطون على مواقع التواصل أنَّ العديد من السياسيين وعوائلهم، تلقّوا التطعيم ضد الفايروس، في دول عربية وأجنبية مجاورة.
ويقول جبار ناجي: إنَّ (كورونا) كشفت عن تراجع مستوى الرعاية الصحية في البلاد، وأن المريض يعاني في المشافي من غياب الرعاية وسوء الاهتمام وأخطاء التشخيص، وأن الناس لا تعلق آمالاً على الحكومة في جلب اللقاح، فقد وصل إلى الصومال قبل العراق، وتعتقد رفل عادل وهي موظفة في وزارة البيئة، أنَّ الناس لا تهتم كثيراً بأخبار اللقاح المخيف، وأنَّ الله لطيف بهذا الشعب، ولعل في تأخر اللقاح رحمة للناس، لنرى إن كان مفيداً و آمناً ومنقذاً للبشرية كما يقولون.
مبادرة (كوفاكس)
وعلى ما يبدو فإن وزارة الصحة وضعت كامل ثقتها في (كوفاكس)، وهي مبادرة تقودها منظمة الصحة العالمية وتحالف اللقاحات غافي (Gavi) ومركز الاستعداد للأوبئة (CEPI). ويهدف هذا التحالف إلى توفير اللقاحات إلى كل دول العالم بأسعار معقولة أو مجانا، لا سيما الدول التي لا تتمكن من تحمل نفقات اللقاحات، من خلال صندوق خاص.
لكنّ وزارة الصحة أكدت أنّها فاتحت جميع الشركات المنتجة للقاح وبينها الشركات المنتجة للقاح فايزر ولقاح شركة استرازينكا، وأنَّها اتفقت مع شركة فايزر على تزويد العراق باللقاح أواخر شهر شباط.
وكان وزير الصحة حسن التميمي، قد تحدّث قبل ثلاثة أشهر عن عقود أبرمتها وزارته لشراء 17.5 مليون جرعة من اللقاح المضاد لفايروس كورونا، وقال التميمي لوسائل إعلام عراقية: إنَّ “العراق تعاقد على شراء 17.5 مليون جرعة من لقاح كورونا، وهي دفعة تكفي نحو 20 بالمئة من إجمالي عدد السكان البالغ (نحو 37 مليونا وفق أحدث إحصاء رسمي)”.
وأوضح: أن”هناك 16 مليون جرعة لقاح من شركة أسترازينكا البريطانية، و1.5 مليون جرعة من لقاح شركة فايزر الأمريكية، جرى تخصيص المبالغ اللازمة لها”.
‎الحماية القانونية
وقبل أيام، أعلنت وزارة الصحة العراقية في بيان وصول اللقاحات المضادة لفيروس كورونا إلى البلاد في الربع الأول من عام 2021.
لكن شركة فايزر عرقلت اتفاقها مع وزارة الصحة، بطلبها الحماية القانونية التي تطلبها الشركات المنتجة للقاح لحمايتها من أي مساءلة عن تبعات استخدام اللقاح.
وفي محاولة لإتمام العقد مع شركة فايزر أحال مجلس الوزراء مشروع قانون مواجهة جائحة كورونا إلى مجلس النواب.
وينصّ المشروع على الإعفاء من المسؤولية المدنية والجزائية للشركات المصنعة والمجهّزة والموزعة والمسوقة وممثليها والمكاتب العلمية ووزارة الصحة وتشكيلاتها والعاملين فيها من الأضرار الناتجة عن توفير أو استخدام المواد الطبية اللازمة للوقاية أو العلاج من فايروس كورونا، وتتحمّل الدولة تعويض المتضررين من الأعمال أو الأنشطة اللازمة لمواجهة جائحة كورونا، باستثناء الأعمال المتعمدة التي تؤدي إلى الوفاة أو الإصابة الجسيمة باستخدام إحدى المواد الطبية.
ويتضمّن القانون أيضاً تشكيل لجنة فنية مختصة في وزارة الصحة؛ لتحديد الأضرار الناتجة عن استعمال المنتج ومقدار التعويض ويُحدّد أعضاؤها و آلية عملها وطريقة تمويل تعويض الأضرار بقرار يصدر عن مجلس الوزراء.
وفي مطلع هذا الشهر وصلت أول دفعة من لقاح سينوفارم إلى بغداد هدية من الجانب الصيني بكمية تكفي للقاح ٢٥ ألف شخص، من العاملين في القطاع الصحي الذين يحظون بالأولوية في خطة عراقية مثيرة للجدل تهدف إلى إيصال اللقاح إلى ٦٠ بالمئة من العراقيين، لتحقيق الهدف الذي تسعى اليه أغلب الدول وهو تحقيق مناعة للمجتمع تحصّنه من الإصابة بالفايروس.
وفي محاولة جدية لمعالجة التعثر مع شركتي فايزر واسترازينكا، عملت وزارة الصحة على محاولة لتأمين لقاحات أخرى، فقد أبرمت الوزارة اتفاقا في هذا الإطار مع جمهورية الصين.
بيان للوزارة أوضح أنَّ وزير الصحة والبيئة الدكتور حسن محمد التميمي اتفق مع سفير جمهورية الصين الشعبية في العراق على توريد مليوني جرعة من لقاح سينوفارم وبشكل عاجل إضافة إلى باقي تعاقدات الوزارة السابقة لتغطية أكبر نسبة من المواطنين.
أسباب فنية
من جهته أرجع عضو لجنة الصحة والبيئة في البرلمان حسن خلاطي تأخر وصول اللقاحات لأسباب لوجستية وفنية، نافيا أن تكون هناك أسباب مالية حالت دون الحصول على اللقاحات لأنَّ التخصيصات المالية المتعلقة بشراء لقاح “فايزر ـ بيونتيك”، مؤمنة.
وأكد لـ (الشبكة) أنَّ العراق اتفق على تلقي الدفعة الأولى، وتقدّر بنحو 1.6 مليون جرعة من لقاح “فايزر ـ بيونتيك” المضاد لفايروس “كورونا”، بعد تصويت البرلمان على تشريع قانون الحماية المتعلق باللقاحات.
وأوضح خلاطي أنَّ وزارة الصحة أبرمت اتفاقا مبدئيا على استيراد 8 ملايين جرعة أخرى من اللقاح البريطاني “أسترازينكا” عبر منصّة “كوفاكس”، ونتوقع وصولها في غضون بضعة أشهر.
وقال خلاطي: إن الوزارة جاهزة لعملية التلقيح، فقد جرى إعداد الملاكات الصحية المتخصصة لإعطاء اللقاح إلى المواطنين.
وأضاف خلاطي أن الوزارة أنشأت موقعا الكترونيا لتلقي طلبات المواطنين، لكنَّه يحبّذ أن تجرى العملية عبر التسجيل المباشر في المشافي والمراكز التي جرى تخصيصها لهذه العملية.
الخائفون من اللقاح
وقال مدير عام صحة الكرخ جاسب لطيف الحجامي: إنَّ عملية تطعيم الملاكات الصحية بلقاح سينوفارم، كشفت عن أنَّ عدداً من الأطباء والممرضين لا يرغبون بالتطعيم، لأسباب مختلفة، وقد ظهر الحجامي في فيديو نشره على صفحته في فيسبوك وهو يتلقى اللقاح، مبينا أنَّ تلقيه اللقاح كان بهدف تشجيع زملائه المترددين عن تلقي اللقاح.
ونفى الحجامي الشائعات التي تحدثت عن منح اللقاح إلى الأطباء فقط، مؤكداً أنّهَ شمل جميع العاملين في القطاع الصحي.
وتحدّث الحجامي عن حالته الصحية بعد تلقيه اللقاح، مبينا أنَّه عانى من أعراض وتوعك بسيط وشعر بعدم الارتياح، والألم لمدة ساعتين، بعدها عاد إلى حالته الطبيعية وإلى ممارسة عمله، مؤكدا (أنَّ لا خيار أمامنا سوى التطعيم، لا سيما بعد أن ثبت أن الإصابة بالفايروس والشفاء منه، لا توفر حصانة، كتلك التي يوفرها اللقاح).
وكان مسؤول في وزارة الصحة قد كشف عن أنَّ %30 من العراقيين لا يرغبون بتلقي اللقاح.
والواقع أنَّ مسألة رفض اللقاح؛ سواء من المواطنين او الملاكات الصحية، مسألة عالمية، فقد أظهر استطلاع للرأي في مركز تلقيح هامبورغ بألمانيا، أن نصف الممرضات وربع الأطباء الذين شملهم الاستطلاع لا يريدون التطعيم، وأنَّ عدداً كبيراً نسبياً من العاملين في مجال الرعاية الصحية غير مستعدين لتلقي لقاح فايروس كورونا في بعض أجزاء من أوروبا والولايات المتحدة، وبالطبع أنَّ هذا الامر مقلق لخبراء الصحة، وقد يؤثر في جهود مكافحة الفايروس من خلال التطعيم الشامل.
وفي أميركا التي تتصاعد فيها الإصابات يرفض نحو 40 % من الأميركيين تلقي اللقاح المضاد لفايروس كورونا المستجد، وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز “بيو” للأبحاث.
ارباك في المعلومات
ويفسّر الدكتور حيدر حسن طارش عزوف الناس عن تلقي اللقاح، بسبب الارتباك في المعلومات المتضاربة عن الفايروس وعن اللقاح، وأنَّ الناس الذين رفضوا الإقرار بوجود الفايروس، لا يمكن إقناعهم بأهمية تلقي اللقاح، لاسيما أنَّه أنجز في وقت قياسي مقارنة مع اللقاحات الأخرى التي تأخذ في الغالب وقتا طويلا قد يمتد إلى أكثر من سبع سنوات.
وقال طارش لـ(الشبكة): إنَّ معلومات سرّبها أطباء – لا تستند إلى أدلة – تقول إنّ الفايروس قد تكون له مضاعفات مستقبلية، لا سيما على النساء اللائي يخشين من إصابتهن بالعقم، وهناك من يخشون تأثير اللقاح في صحتهم، ولا ينبغي أن نلوم الناس الذين يخشون تلقي اللقاح، فالمعلومات المتوفرة عن الفايروس تغيّرت، وكشفت عن أن هناك خللا في البروتوكولات التي اعتمدت لتخفيف خطورته في بداية تفشي الجائحة، لذلك فإنَّ هناك من يريد أن ينتظر النتائج. ويستدرك طارش: أريد أن أقول للناس حتى لو كانت هناك مضاعفات، فإنَّ الحقيقة أنَّ الفايروس خطير، وأن المضاعفات لا تقارن بمخاطر حماية أنفسنا والحصول على التلقيح وما يتوفر عن معطياته أنَّه لقاح آمن.
وأضاف طارش أن التجارب السريرية للقاح Modern، على سبيل المثال، أظهرت فعالية بنسبة 94.5٪ وهذا يعني أن 95 شخصاً من أصل مئة ممن هم معرضون للإصابة يمكن حمايتهم.
ونفى ما يشاع عن احتمال وجود شبهات فساد بملف تعاقدات اللقاحات، مبينا أنَّ أي جهة لا يمكنها أن تغامر بالدخول بصفقات فيها شبهة فساد في ملف يهم حماية أرواح الناس، لكن قد يكون هناك غياب لخطط واضحة ومرسومة بعناية، مشددا على ضرورة عدم إخضاع هذا الملف للمزايدات السياسية.
دعوات للامتناع عن تلقي اللقاح
ومع هذا فثمة أصوات عالية تجادل بأهمية وفعالية اللقاحات، فالطبيب ماجد العاني ما برح يشكّك بجدوى اللقاح، ويقلّل من خطورة الفايروس، لا بل إنَّه يرجع الوفيات بالفايروس إلى البروتوكولات العلاجية.
وتابعت (الشبكة) تصريحات العاني لأكثر من وسيلة إعلام، دعا فيها المواطنين إلى العزوف عن تلقي اللقاح، مبرّرا ذلك بأن العراقيين أصيبوا بالفايروس وحصلوا على المناعة.
وأعرب الطبيب عن اعتقاده أن الفايروس الآن في أضعف حالاته، وهو أضعف حتى من فايروس الانفلونزا العادية التي تظهر أعراضها وتأثيرها في جسم الإنسان أكثر من كورونا.
لكن الطبيبة ياسمين ناصر التي عملت في خط الدفاع الأول بمركز الحمزة المتخصص بمعالجة فايروس كورونا، حذّرت المواطنين من الاستماع إلى أصوات تدعوهم إلى العزوف عن تلقي اللقاح.
إنجاز علمي
وقالت الطبيبة لـ (الشبكة): لقد خسرنا بسبب هذا الفايروس أحبة، وفقدنا نحو ثلاثمئة من ملاكاتنا الطبية، وإن اللقاح إنجاز علمي غير مسبوق، وثمرة لجهود العلماء والمجتمع الدولي، وقد خضع إلى إجراءات ومعايير طبية، ومرّ بسلسلة اختبارات قبل طرحه إلى الناس.
وفنّدت الطبيبة ياسمين ناصر المزاعم التي تتحدّث عن أنَّ اللقاح مؤامرات لشركات تهدف لكسب المال، مؤكدةً أنَّ هذه الشركات تتبع دولاً تضع صحة مواطنيها في المقام الأول، كونهم يمثلون أغلى ما تملكه هذه الدول، ولا يمكنها أن تتلاعب بصحتهم وأرواحهم بهدف التكسب المالي لصالح شركات الدواء.
ولفتت إلى أنَّ الدول الكبرى التي تتبع لها أغلب شركات إنتاج اللقاح هي من تحاول الهيمنة على اللقاحات، وإبرام الصفقات مع تلك الشركات.
وقالت إنَّه منذ بدء عمليات التلقيح لم يبرز أي دليل طبي على أنَّ الأشخاص الذين توفوا بعد تلقيهم جرعة منه كانت وفاتهم بسبب اللقاح، بل لأسباب أخرى.
وأعربت عن ثقتها بأنَّ العراقيين سيحصلون على اللقاح، وأنَّ الجهود قائمة للحصول عليه بأسرع وقت، وأنَّ جميع المؤشرات تتحدّث عن نجاح هذا اللقاح في الحد من مخاطر الفايروس، لا بل إنَّ العديد من المؤشرات التي يجري بحثها تعتقد بإمكانية أن لا يتسبّب من تلقى اللقاح بنقل العدوى إلى غير الملقحين، واذا أثبتت البحوث الطبية ذلك فنحن أمام إنجاز علمي كبير.