أنيبال سوريانو:بغداد شهدت العصر الذهبي لآلة العود

778

أحمد مختار/

انتقل العود العراقي عبر بلاد الأندلس في القرن الرابع عشر ومنها الى أوروبا، لذلك نجد أن كلمة (العود) العربية تستعمل في اللغات الأوروبية بعد أن تغير حرف العين لصعوبة التلفظ فأصبحت الكلمة (الود) و(الوث) و(لوت) واستقرت الكلمة الأخيرة في أغلب اللغات الأوروبية.

العود الأوروبي

ولو تفحصنا موسيقى القرون الوسطى سنجد أن استخدام آلة اللوت (العود الأوروبي) بكثافة آنذاك، أضاف إلى اللحن الأحادي غير المهرمن الذي كانت تعزفه الآلة. وكذلك العلاقة الوثقى بين العود وآلة اللوت من ناحية الشكل وأسلوب العزف وطريقة الصناعة. شاع استخدام اللوت بكثرة في القرن السادس عشر وكتب له كبار الموسيقيين ومازال يستخدم لحد الآن في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا والنمسا.

في زيارتنا الأخيرة للهند بعد أن قدمنا أربع أمسيات كان خلالها الموسيقي الإسباني (أنيبال سوريانو) ،وهو متخصص في آلة اللوت وآلات عصر النهضة والباروك، يرصد أمسياتنا ويحرص على حضورها برغم الحفلات الأخرى والعروض الكثيرة في المهرجان. كان (سوريانو) ينظر بشغف الى طريقة التعامل مع آلة العود والى الزخارف والريشة وأشياء أخرى. فرأينا أن من المهم إجراء هذا الحوار الذي يعيد الى ذاكرتنا أهمية ثقافتنا وأن حضورنا مازال ذا بريق في الثقافات الأخرى وأن الآخر يكن له الاحترام والتقدير، بينما حصل ما حصل لموسيقانا في بلداننا.

الآلة الموسيقية الرئيسة

• سألنا أنيبال سوريانو: لماذا اخترت آله اللوت وأنت تعيش في ثقافة تزخر بالكثير من الآلات الموسيقية الأخرى؟

– أنا من اشبيليا وهي وقرطبة وغرناطة وبعض المدن الأخرى المحيطة في جنوب إسبانيا كانت تسمى بلاد الأندلس (أندلوثيا أو أندلوسيا) وآلة اللوت هي الآلة الموسيقية الرئيسة في ذلك الوقت وموسيقى الباروك موسيقى القصور والصالات والمناسبات المتعددة. وأنا شخصياً عاشق للإرث الإنساني العتيق، لذا اتجهت الى اللوت وانجذبت الى صوته من الصغر بحكم بيئتي وحبي لصوته.

• لكن كيف تجد العلاقة بين اللوت وآلة العود؟

– هذا موضوع طويل جداً، ولكن بإيجاز فإن العود هو الأب الجيني او الأصل لآلة اللوت وكذلك لآلة الجيتار. صحيح أن اللوت تطور باتجاه الهارموني ولا يعزف الربع تون بسبب وضع الدساتين ولكن العلاقة بين الأب والابن بين عصر وعصر آخر ليس بالضرورة أن تتطابق ولابد من تطوير يحدث للابن انطلاقاً من الأصل الى التغير. فأنت استاذي بعزفك وآلتك ومؤلفاتك، ألم أقل لك هذا في أول لحظة نزولك من المسرح؟ وأرجو أن تشير الى هذه الفكرة من حيث مبدأ التطور وعلاقة الآلتين ببعضهما.

أتوق لزيارة بغداد

• هل لديك توق لزيارة البلدان الأصلية للعود؟

-ثلاثة بلدان كان العود يعيش فيها عصره الذهبي وهي بغداد (العصر العباسي) والمغرب( العصر الاندلسي) وتركيا(العهد العثماني). بغداد هي الوحيدة التي لم أزرها وهي الأقدم في انطلاقة العصر الذهبي للعود الذي نشأ منه التطور حتى القرن التاسع عشر، وأصبحت آلة اللوت بـ 12 وتراً، فشوقي الى زيارة بغداد كبير.
التراث والأصالة والأصل

• تُدرس آلة اللوت في معهد أشبيليا، وأنت شاركت في مهرجانات كثيرة، من خلال تجربتك هل مازال هنالك إقبال على هذا النوع من الموسيقى وعلى آلة اللوت، وماذا عن آلة العود؟

– لا أدعي أن الإقبال يشابه الإقبال على الآلات الأخرى، لكن هنالك عدداً لا بأس به من الدارسين للتخصص بآلة اللوت وموسيقى العصور الوسطى وأغلبهم يصل بعد أن يمر عبر الجيتار ثم الجيتار الكلاسيكي ثم يصل الى اللوت فيتعلق به أكثر لأنه عمق للآلات الأخرى، ثم يذهب الى التخصص بموسيقى اللوت ومؤلفاته وهي تعود الى عصر الباروك ومؤلفين مثل باخ وسكرلاجي و فيفالدي، ولولا ذلك الإقبال لما استمر الحال بنا. وهذا يعود الى دعم الدولة والمؤسسات الثقافية للموسيقى التراثية ووعي الدراسيين لأهمية التراث والأصالة والأصل. ومن هنا يأتي الاهتمام الاكثر بالتعرف على آلة العود العربي الذي هو منبع الآلات الموسيقية ذات الذراع في التاريخ كله، وذلك سيكون جهداً شخصياً فردياً للموسيقي.

الموسيقى العاطفية

• كيف تقيّم إقبال الناس هنا في الهند على سماع آلات تراثية وموسيقى روحية عاطفية ضمن مشاركتك في مهرجان الموسيقى الروحية؟

– وجدت الناس يميلون الى الموسيقى العاطفية أكثر من الموسيقى التقنية والى الموسيقى الروحية أكثر من الموسيقى التكنيكية العضلية، لهم حضور كثيف وإنصات جيد، وبرغم تقدم التقنية في آلة اللوت والهرموني المتطور واستخدام الأصابع الخمسة لليد اليمنى في العزف بشكل بارع قياساً الى العود العربي وآلة السيتار الهندي وآلة الساروت، لكنني وجدت الإقبال على روحانية العود والسيتار أكثر، لذا غيرت برنامجي في حفلي الثاني باتجاه العاطفة والروحانية في عزفي لكي أجاري العود وأجواءه.