احتضنته جمعية التشكيليين العراقيين معرض “حكايا الطين” في دورته الرابعة

137

بغداد- الشبكة/

مثلما أن للطين أشكالاً يتشكل بها، فإن له حكايات يرويها للجمهور.. هذا ما حصل في معرض (حكايا الطين 4) الذي أقامته جمعية التشكيليين العراقيين قبل أيام، وهو الرابع، إذ أصبح هذا المعرض تقليداً سنوياً تقيمه الجمعية بحرص شديد.

شاركت في المعرض نخبة من فناني الخزف المحترفين، الذين استطاعوا أن يضعوا بصمتهم في فن الخزف العراقي، وحولوا الطين من كونه مادة طبيعية تدخل في صناعة الأواني التي يستخدمها الإنسان في حياته اليومية، إلى أعمال ولوحات فنية مبهرة تحمل في داخلها حكايات وموضوعات تحرك الوجدان، إذ إن رهافة الطين لا يستطيع أن يتعامل معها سوى فنان مرهف يمتلك مخيلة عالية ويدين متمرستين على تطويعه ليتحول من شكل إلى آخر، بأفكار ثلاثية الأبعاد ملونة بزجاج متنوع بين اللمعان والسطوح الخشنة المختلفة التقنيات، فتتحول الكتل الطينية إلى أيقونات خزفية ذات قيمة جمالية ودلالية في آن واحد.
إنتاج قليل
لا شك في أن جمعية التشكيليين العراقيين أقامت هذا المعرض للخزف بمشاركة عشرات الخزافين العراقيين، حفاظاً على هذا النوع من الفنون، لأنه تراجع في الفترة الأخيرة، وأصبح فنان الخزف مقلاً في إنتاجه، لأن انتاج هذا النوع من الأعمال يحتاج إلى مشاغل خاصة وأفران كبيرة، بالإضافة إلى خامات أخرى، مثل الزجاج وغيره، وفي النهاية لا يوجد تسويق لهذه الأعمال في العراق، لأن المنافسة مع التجاري أصبحت في أشد حالاتها، إذ إن هناك منتجاً صينياً غزا الأسوق بأسعار زهيدة جداً على اعتباره منتجاً تجارياً وليس إبداعياً.
وهنا أصبح المتلقي البسيط لا يفرز بين العمل الإبداعي والتجاري، لكن يحاول أن يقتني الأرخص.. وهنا جاء دور جمعية التشكيليين في دعم وإقامة معارض الخزف لدفع الفنانين إلى الاتجاه الصحيح، وأن يستمروا بالإنتاج الإبداعي، وألا يستسلموا للمنافس الهابط. وبالفعل، فقد أثبت الفنانون وجودهم في معارض الخزف جميعها، حيث تتراقص الألوان الطينية بأعمالهم المتنوعة ومدارسهم الخزفية المختلفة، وفي أحيان كثيرة نجد أعمالاً كأنها تربط الماضي بالحاضر وتبدع في مزج التقنيات الحديثة لتكون أشكالاً معبّرة وفيها إبداع حقيقي من ناحية التقنيات والفكرة والحجم.. إلى آخره.
قيم جمالية
ضم المعرض أكثر من ستين عملاً لأكثر من أربعين فناناً وفنانة، الذين زينت أعمالهم قاعة العرض وأسهمت في ترسيخ قيم التنوع والجمال في مفاهيم فن الخزف المعاصر بأساليب جديدة متفردة وأفكار استمدت من الواقع بصيغ جمالية ورؤى خلاقة تنبض بالحياة.
عن المعرض، تحدث رئيس الجمعية الفنان قاسم سبتي فقال إنه “حمل اسم (حكايا الطين 4) لكونه المعرض الرابع الذي تبنته الجمعية، إذ أصبح تقليداً سنوياً أن يقام على القاعة الكبرى في جمعيتنا معرض للخزف، يشتمل على مجموعة مهمة من التجارب التي تتمازج فيها خبرات أجيال مختلفة، فكانت الأعمال مبهرة ومتقنة أثارت النقاد قبل المتذوقين.” وأضاف أن “من أسباب نجاح المعرض هو أن الجمعية كلفت لجنة متخصصة لاختيار الأعمال واشترطت أن يكون العمل المقدم للعرض منجزاً حديثاً، ولم يعرض في أي معرض سابقاً، ولا تقبل الأعمال إلا إذا كانت منفذة بالفخار والزجاج.”
امتزاج خبرات
من جانب آخر، قال الخزاف حيدر رؤوف، باعتباره أحد الفنانين المشاركين: “في هذا المعرض مجموعة مهمة لتجارب الفنانين من أجيال مختلفة، مزجت مخيلتها عن طريق خبرات جريئة تجسدت في تشكلات متنوعة بأحجامها ومواضيعها، بل حتى بتقنياتها اللونية، وهي دون شك تعبر عن تطور المشهد الخزفي العراقي، الذي هو امتداد لصفحات تاريخ الخزف العراقي.” أضاف رؤوف: “إن تفاعل الفنانين المشاركين في هذا المعرض أتاح لهم الفرصة للمنافسة الشريفة لتقديم أجمل ما لديهم من أعمال بالشكل الذي يليق بما يستحقه هذا المكان.” معتبراً هذا المعرض من أفضل فعاليات الجمعية السنوية.
فيما تحدث الخزاف علي قاسم حمزة، أحد المشاركين في هذا المعرض قائلاً إن “المعرض اشتمل على تجارب فنية مختلفة عدة من الناحية التقنية والأسلوب الفني، كما أنه أتاح لنا -كجيل شباب- أن نعرض أعمالنا إلى جانب فنانين مخضرمين أمثال أساتذتنا الفنان ماهر السامرائي، والفنان شنيار عبد الله، والفنان قاسم نايف، وغيرهم، إذ امتزجت الخبرات، وهذا يؤكد تعامل المخيلة الفكرية والمؤثرات البيئية والحداثوية المتعددة وما آلت إليه التطورات التقنية والتكنولوجية في عالم الخزف وكيمياء الزجاج.”
قابل للكسر
وعن تنظيم هذا المعرض كانت لنا وقفة مع لجنة التنظيم، ومن بينهم جمعة خلف الذي قال وهو يهز رأسه: “تنظيم عشرة معارض رسم ولا تنظيم معرض خزف واحد!” وضحك وسأل الفنانين مراد إبراهيم ورعد المندلاوي .. أليس كذلك؟ فأجابوا نعم، باعتبار أن الثلاثة يشكلون لجنة تنظيم المعرض، وأكمل جمعة حديثه: “تنظيم معرض الخزف متعب جداً لأن كل الأعمال قابلة للكسر، ناهيك عن أن هناك أعمالاً لفنانين كبار أسعارها لا تقدر بثمن، بالإضافة إلى أعمال كبيرة الحجم وثلاثية الأبعاد، لذا يجب أن نفكر بمكان يناسبها، دون أن تكون قريبة من الجمهور فيلامسونها وتنكسر.. أو أعمال جدارية تحتاج إلى تثبيت قوي خشية أن تسقط أرضاً وتتهشم.. إلى آخره، إنها معاناة حقيقية نعيشها أنا وزملائي في اللجنة التنظيمية منذ الافتتاح لغاية انتهاء المعرض وتسليم الأعمال، الحمد لله نجحنا في هذا المعرض وكان الحضور ممتازاً، وجميع الفنانين المشاركين كانوا سعداء بمساحة العرض وطريقة التوزيع.”